مَزارع “الدواعش”

حجم الخط

الخطأ ليس طباعيّاً. فالحديث ليس عن المزارع التي تربّي الدواجن، بل عن المزارع التي تربّي تنظيمات “الدواعش”، تحت عناوين وأسماء وألقاب شتّى متفرّعة عن الإسم – الأمّ، “القاعدة”.

كان لنا في لبنان قصب السبق في اختبار “داعش” الأوّل تحت مسمّى “فتح الإسلام” سنة 2007 في حرب نهر البارد، و”داعش” الثاني تحت مسمّى “غزوة 7 أيّار” سنة 2008، و”داعش” الثالث تحت مسمّى “حماية المقامات المقدّسة” في سوريّا منذ 2012 حتّى الآن، وعلى الطريق “داعش” الرابع تحت مسمّى “حماية مراقد الأئمّة” في العراق، وبعدها خامس وسادس… إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.

جميعهم “داعش”، ولا فرق بين “داعش” وآخر إلاّ بمستوى العنف وسفك الدماء. واحدهم يستولد آخر، وأوّلهم يبرّر آخرهم، وآلات التوليد والتفقيس شغّالة في كلّ اتجاه، ومزارع الإنتاج في أقصى طاقاتها، تتعاون جهاراً نهاراً من طهران إلى واشنطن، وبينهما فروع تحمل ماركة الإنتاج نفسها، تحت أسماء عدّة، مثل نور المالكي، وبشّار الأسد، وحسن نصرالله، وغيرهم من فروع الفروع.

لم يعد أحد يستطيع أن يناقش في مصدر “فتح الإسلام” وشاكر العبسي، أو في مصدر نشوء “داعش” العراق ثمّ سوريّا ثمّ العراق ثمّ… ما شاء الله!

وقبل ذلك، لم يعد سرّاً مصدر نشوء “القاعدة” نفسها وظاهرة بن لادن و”دولته العميقة” في أفغانستان وباكستان ووجهها الآخر “طالبان”.

ولا خلاف على من يصنّع ومن يوظّف: تارة واشنطن، وأُخرى إيران مع فرعيها السوري واللبناني ، تصنيع وتوظيف متبادلان، والشراكة في ألف خير. والمثير مسارعتهما إلى دَبّ الصوت ولطم الصدور وإعلان “الحرب المقدّسة” ضدّ الإرهاب، كما تفعلان اليوم في العراق.

قد يكون التصنيع مباشراً أو غير مباشر، فعلاً أو استثارة ردّ فعل، والنتيجة واحدة. فسواء رعت إيران مباشرةً “داعش” العراق، ورعى نظام الأسد “داعش” سوريّا، ورعى حزب الله “داعش” لبنان، أو تسبّبوا بنشوئها كردّة فعل على القمع والقتل والعنف، فالحالة هي نفسها: انطلاق الوحش من حضن مربّيه وراعيه إلى الغابة الدمويّة المفتوحة، التي لا توفّر أحداً من شرّها، لا الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل، ولا أصحاب مزارع الإنتاج أنفسهم.

والتجربة الأميركيّة ماثلة في رماد برجَي نيويورك، وفي الإرتعاب الأميركي من الوحش الذي ربّته وأطلقته.

وإذا كانت واشنطن تحاول استخلاص الدروس من تجاربها وتحاذر الانزلاق مرّةً جديدة في أتون العراق، فإنّ إيران، ومعها الثلاثي المالكي والأسد ونصرالله، لم تعتبر من تجربة سواها، ومن تجاربها الذاتيّة، وتندفع إلى غمار النار التي أشعلتها بحجّة إطفائها.

قصّة الإطفائي المهووس بإشعال الحرائق كي يسارع إلى إطفائها، عانينا منها كثيراً في لبنان على مدى 30 عاماً من الاحتلال السوري، والنتيجة احتراق مُشعل النار نفسه، بعدما أحرق الأخضر واليابس.

مُشعلو العراق وسوريّا وقبلهما لبنان، يتقلّبون في حرائق الدول الثلاث، وخبرة الحروب تقول إنّ ما بعد الحرب ليس كما قبلها، ومنطق الحروب والأزمات يقول: لا المالكي باقٍ، ولا بشّار الأسد، ولا “حزب الله”.

بعد الحروب، المنتصرون فيها يزولون، فكيف بالمهزومين! وإذا كان الثلاثي المذكور يستشعر أنّه المنتصر فالمصير هو نفسه.

وفي التاريخ الحديث نموذجان لا يقبلان النقاش: ديغول وتشرشل، وجهان تاريخيّان صنعا مجد بلديهما، وطواهما شعباهما. ولا ينفع هنا القول بعدم تشبيه إيران وسوريّا والعراق ولبنان بفرنسا وبريطانيا، فأقدار الشعوب هي نفسها في نهاية المطاف، وفي كلّ آنٍ وزمان.

فكيف سيكون، تالياً، مصير مُشعليّ الحرائق ومدمّريّ الأوطان والشعوب؟

لا يمكن لنماذج أنظمة وأحزاب قائمة في إيران والعراق وسوريّا ولبنان، إلاّ أن تُنتج منظّمات على غرار “داعش”، لأنّ القماشة هي نفسها بوجوه عدّة لعُملة واحدة.

والنهاية الحتميّة هي لوجهَي العُملة نفسها، كي تكون قيامة لدول قابلة للحياة. والتجربة المصريّة، وقبلها التونسيّة، تصلحان للقياس والتأسيس عليهما.

فلا يستطيع تدجين، أو ترويض الوحوش، مَنْ يحمل وحشاً في ذاته.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل