دفاعاً عن حقوق المرأة
تنزيه قانون العقوبات اللبناني
I- بمناسبة الحديث عن المرأة، يأخذنا زمن القيامة المستمر الى التأكيد على ما خصّ به السيد المسيح المرأة من تقدير.
لقد خصّها في يوم قيامته بالتفاتتين. لقد ظهر صباح يوم القيامة لامرأة قبيل ظهوره لسائر التلاميذ ثم أوكل الى النسوة مهمة إذاعة خبر قيامته المفرح على التلاميذ ايضاً. وفي الأساس، لقد أظهر الله ما للمرأة من كرامة فائقة باتخاذه هو عينه جسداً بشرياً من العذراء مريم التي تدعوها الكنيسة حواء الجديدة.
II- ان مفهومي للعدالة والمساواة، بين المرأة والرجل، يرفض أن يكون التفريق بينهما ليس على مستوى الواقع الاجتماعي الجائر فحسب بل على مستوى التكريس في نصوص قانونية وضعية وتحديداً في نطاق على درجة من الخطورة العالية الذي يمثله قانون العقوبات. لقد فوجئت بعدد النصوص في قانون العقوبات المكرّسة لواقع التفاوت وعدم المساواة والاستمرار في الابقاء على هذه النصوص بالرغم من انقضاء كل هذه السنوات على ابرام الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. لقد بتّ أخجل من هذه النصوص التي يتضمنها قانون العقوبات اللبناني.
III- لقد قمنا مع مجموعة من الحقوقيين والمحامين وفي مقدمتهم الاستاذ طوني عون، بتحديد النصوص القانونية المكرّسة للإجحاف بحق المرأة ودرسنا التعديلات اللازمة على تلك النصوص التي تتعلق بالزواج والزنا والاغتصاب والخطف والعنف والفحشاء والإغواء وجرائم الشرف وصولاً الى إلغاء بعضها وذلك بهدف تنزيه قانون العقوبات من كل نص مجحف بحق المرأة. وإني واثق بما للقانون، بصورة عامة، من دور ريادي في تبديل الثقافات والذهنيات والمواقف.
سأكتفي بكلمتي اليوم بالتركيز، بصورة موجزة جداً، على الإجحاف بحق المرأة الذي يظهر في مواضع عدة في قانون العقوبات اي في جرائم الشرف، في أحكام الزنا، في الإغتصاب، في تزويج المعتدى عليها من المعتدي وفي استثناء الزوجة والأخت من الفقرة الثالثة من المادة 549 عقوبات.
أولاً : الغاء المادة 562 من قانون العقوبات او ما عرف خطأ ”بجرائم الشرف“.
لا يزال قانون العقوبات اللبناني يتضمن أحكاماً تميز بين المرأة والرجل فيما يسمى خطأ ”جرائم الشرف“.
1- نصّت المادة 562 من قانون العقوبات وقبل تعديلها على ما يلي :
”يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في حالة الجُماع غير المشروع فأقدم على قتل أحدهما أو ايذائه بغير عمد.
يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف اذا فاجأ زوجَه أو أحدَ أصوله وفروعه أو أختَه في حالة مريبة مع آخر“.
2- لقد عدّلت المادة 562 عقوبات بعد نضال طويل من الحركة النسائية وذلك بموجب القانون رقم 7 تاريخ 20/2/1999 وأبدل العذر المحل بالعذر المخفف وألغيت الفقرة الثانية المتعلقة بالحالة المريبة.
3- الا أن هذا التعديل يبقى غير كاف وكان الأجدى بالمشرع اللبناني لو أنه عمد الى إلغاء هذه المادة. أن العذر المخفف الذي منحه القانون للرجل يشجع على التعسّف والتسلط في استيفاء الحق بالقوة والقتل عوضاً عن اللجوء الى القضاء فيما إذا كان هناك من حق أو مبرر قانوني لذلك.
4- إن هذه المادة القانونية التي تبرر القتل أو توجد الأعذار المحلة أو المخففة تبرر دون شك الايذاء اللاحق بالمرأة أو الشريك.
5- من هنا كانت الحاجة الملحة الى إلغاء هذه المادة كلياً مما يبقي للقاضي الجزائي الحق بمنح الاسباب التخفيفية في حال رأى ضرورة لذلك في ضوء ظروف كل قضية وفي ذلك تطبيق للقواعد الجزائية العامة. لذلك تقدّمنا زميلتي وأنا باقتراح قانون في 31/8/2010 يرمي الى الغاء المادة 562 من قانون العقوبات.
ثانياً : تعديل المواد 487 و488 و489 من قانون العقوبات المتعلقة بجرم الزنا (في الجنح المخلة بالآداب العيلية).
1- إن النصوص المذكورة تكرّس التمييز وعدم المساواة بين حقوق المرأة وحقوق الرجل من حيث تحقق شروط الجريمة اولاً ومن حيث أدلة الاثبات ثانياً ومن حيث العقوبة المفروضة ثالثاً.
فمن جهة شروط تحقق الجريمة، يجب أن يكون جرم الزنا مرتكباً من قبل الزوج في المنزل الزوجي أو يشترط اتخاذ الرجل خليلة له جهاراً في أي مكان. وفي حين أن المرأة الزانية تعاقب بمعزل عن مكان أو ظروف الجرم.
ومن حيث أدلة الاثبات، يمكن اثبات زنا الزوجة بكافة وسائل الاثبات وعملاً بالقواعد العامة للإثبات الجزائي بينما لا تقبل من أدلة الاثبات على الشريك الا ما نشأ منها حصراً عن الرسائل والوثائق الخطية التي كتبها.
ومن حيث العقوبة فان عقوبة المرأة الزانية هي الحبس من ثلاثة أشهر الى سنتين في حين أن شريكها غير المتزوج يحبس من شهر الى سنة.
ومن جهة ثانية فإن عقوبة الزوج الزاني هي الحبس من شهر الى سنة عند ارتكابه فعل الزنا في البيت الزوجي أو عند اتخاذه خليلة له جهاراً ولا يعاقب إلاّ بتوافر أحد هذين الشرطين.
2- هذا التمييز في مقدار العقوبة يؤدي الى طرح السؤال : هل يجوز ان يترتب على مرتكب الجرم عقاب يختلف باختلاف شخص المدعي أم ان الأجدر إنزال العقوبة بمرتكب الجرم وفقاً لطبيعة هذا الجرم؟
3- من هنا فإننا بصدد تقديم اقتراح قانون لتعديل النصوص المذكورة لازالة اي شكل من أشكال التمييز وعدم المساواة بين المرأة والرجل بالنسبة لهذا الجرم
ثالثاً : تعديل المادتين 503 و504 من قانون العقوبات المتعلقتين بجرمي الاغتصاب او الاكراه على الجماع بالعنف والتهديد والاكراه على الجماع بالخداع.
1- إن هذين النصين الجزائيين يعاقبان على اكراه غير الزوجة على الجماع بالعنف والتهديد أو بالخداع، مما يفهم منه استنتاجاً وعملاً بالتفسير الضيق للنصوص الجزائية أن اغتصاب الزوجة لا يعاقب عليه بالجناية المنصوص عنها في المادتين 503 و504 عقوبات وكأن ممارسة العنف والتهديد او الخداع لاكراه الزوجة على الجماع ليس جرماً جزائياً يعاقب عليه القانون ولا يلحق اشد الضرر بكرامة المرأة وحريتها الشخصية وسلامتها الجسدية.
2- من هنا فإننا نعمل على اقتراح قانون يجرم الاغتصاب والاكراه على الجماع دون استثناء الزوجة أي أنه يجرم أي مغتصب حتى ولو كان زوجاً للضحية خاصة إذا كانت الزوجة لا تستطيع المقاومة بسبب نقص جسدي أو نفسي أو بسبب ما استعمل نحوها من ضروب الخداع.
رابعاً : الغاء المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني
1- بالنسبة الى بعض الجرائم المخلة بالاخلاق والآداب العامة وتحديداً جرائم الاغتصاب والاغواء والخطف وغيرها، نصّت المادة 522 من قانون العقوبات كما عدلت بموجب قانون 5/2/1948 على ما يلي :
”إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل وبين المعتدى عليها أوقفت الملاحقة وإذا كان صدر حكم بالقضية علق تنفيذ العقاب الذي فرض عليه.
2- ان هذا النص من حيث أنه ينطبق على حالات الاعتداء على المرأة بالقوة والعنف أو بالحيلة والخداع، إنما يتعلق بأفعال تشكل اعتداءً جسيماً على كرامة المرأة وسلامتها الجسدية والنفسية والمعنوية. لقد أتت المادة 522 لتعالج في الواقع مشكلة أهل المعتدى عليها وعائلتها وعشيرتها من حيث ما يعتبرونه هم مساساً بكرامتهم وشرفهم. ان الزواج الصحيح بين المعتدي أو احدهم عند تعددهم والمعتدى عليها لا يشكل تعويضاً او حلاً للضرر الجسيم الذي تتعرض له المرأة من جراء الاعتداء عليها مما يساوي ضرب الاعتداء عليها بألف مرّة بدلاً من محو آثاره أو التخفيف من وطأته عليها.
3- من هنا كانت ضرورة الغاء هذا النص لكونه يشكل حلاً للجميع من المعتدي الى أهل الضحية ما عدا المعتدى عليها. إن وقف الملاحقة عن مرتكب الجرم يعني إفلات مجرمين كثر من العقاب.
إننا بصدد تحضير اقتراح قانون لإلغاء هذه المادة.
خامساً : تعديل المادة 549 عقوبات :
1- إن المادة 549 عقوبات تنص على حالات إنزال عقوبة الاعدام على القتل قصداً ومن بينها ما نصّت عليه في الفقرة الثالثة منها، إذا ارتكب القتل قصداً :
”3- على أحد أصول المجرم أو فروعه“.
أن هذا النص يعاقب بالاعدام المجرم الذي يقدم قصداً على قتل أحد أصوله أو فروعه.
2- إن هذه الفقرة لم تأت على ذكر الزوجة أو الأخت اسوةً بالفروع والأصول. لذلك فإنه يقتضي تعديل هذه الفقرة لتشديد عقوبة القتل القصد للزوجة أو الأخت لأنهما جديرتان بالحماية اسوةً بالاصول والفروع.
3- لقد أعددنا ككتلة نيابية اقتراح قانون يقضي بالغاء عقوبة الاعدام من كل المنظومة الجزائية اللبنانية واستبدالها بعقوبة السجن المؤبد. إلا اننا، وفي انتظار إلغاء عقوبة الاعدام، فقد أعددنا اقتراح قانون يرمي إلى تعديل الفقرة الثالثة من المادة 549 عقوبات لاضافة حالة قتل الزوجة أو الأخت أسوةً بالاصول والفروع، الى هذه الفقرة.
وفي النهاية
سنستكمل نضالَنا بلا ملل او إحباط
وسنسعى الى بناء عالم أفضل أكثر عدالة وأكثرَ مساواة
وحيث يتساوى الرجل والمرأة في الكرامة والحقوق.