!-- Catfish -->

بؤس السياسة وسياسة البؤس: ترايسي شمعون نموذجاً

هل تستحق السيدة ترايسي شمعون أن نتساجل معها؟ هل ينبغي على القارئ أن يصرف وقتاً على مقال هي محوره؟ الجواب هو لا اذا كان موضوعنا شخص السيدة شمعون الكريم. ولكنني، رغم عنوان هذا المقال وظاهره، لا أكتب عنها هي بقدر ما أتناولها كنموذج من نماذج المتنطّحين للعب دور عام عندنا في لبنان. بهذا المعنى، يصبح التوقّف عند تصريحاتها الاخيرة تمعّناً في شكل من أشكال ببؤس السياسة عندنا. بهذه الوظيفة فقط تصلح ترايسي شمعون موضوعاً لمقال.

من هي ترايسي شمعون؟ هي حفيدة الرئيس الراحل كميل شمعون وابنة رئيس حزب "الوطنيين الاحرار" الشهيد داني شمعون. حسناً. هذا بالتعريف. ماذا لو طرحنا سؤالاً آخر: ما هي الانجازات العامّة التي حققتها ترايسي شمعون لتقدّم على أساسها ترشيحها للنيابة، وهو طموحها الظاهر حسبما أعلنت أخيراً؟ الجواب: انجاز السيدة شمعون هو أنّها حفيدة الرئيس الراحل كميل شمعون وابنة رئيس حزب "الوطنيين الاحرار" الشهيد داني شمعون. طيّب. سؤال آخر: في بلد يعاني من مشاكل البطالة، والدين العام، وهجرة الشباب، وتدني مستوى التعليم الرسمي، وتحوّل مسألة شراء شقّة سكنية في السنوات الاخيرة تدريجيّا من تحد الى معضلة، ومن معضلة الى مهمة شبه مستحيلة – وكل هذا غيض من فيض – ماذا عند ترايسي لتقدّم حلّا لمشكلة أو تصوّرا للخروج من مأزق؟ هل سمعتم عنها مرّة أنها تقدمت بفكرة لحل أزمة السير؟ هل قرأتم لها دراسة في نقد الضريبة التصاعدية على الدخل، أو في مدحها؟ هل علمتم أنّها جمعت اختصاصيين للتدارس في كيفيّة تحفيز الاساتذة المحاضرين في الجامعة اللبنانية على نشر الابحاث العلميّة تعزيزا لمستوى صرح أكاديمي ينتسب اليه 70% من طلّاب لبنان الجامعيين؟ بمعنى آخر وباختصار: أي كفاءة برهنت عنها السيّدة الكريمة وفي أي حقل؟ الجواب، مجدّدا: كفاءة السيدة شمعون هو أنّها حفيدة الرئيس الراحل كميل شمعون وابنة رئيس حزب "الوطنيين الاحرار" الشهيد داني شمعون.

ليست البطالة والرواتب المزرية وارتفاع الاسعار قدر محتوم لا مفر منه. سياسة البؤس هذه نتيجة مباشرة لبؤس السياسة، أي لانصراف الطبقة الحاكمة الى كل شيء الا التفكير بالمصلحة العامة. كل أربع سنوات، ينتخب اللبنانيون ممثلين لهم – عليهم، جلّهم مصاريع ومهرّجين ومرتزقة ونرسيسيين وفاسدين ومفسدين وجهلة وعملاء للخارج وموتورين وتجّار شعارات وطائفية وأكلة جبن وموزعي نقيق فارغ على المنابر والشاشات وصبيان قناصل وغلمان سفراء، يجتمعون في ناد للوجاهة السياسية مقرّه في ساحة النجمة. ولأن هذه العصفورية المسماة مجلساً نيابيّاً لم تأت يوماً بحلّ، فهي جزء من المشكلة، بل هي في ومن صميمها.
ترايسي شمعون متعطشة للانضمام الى الجوقة. بطاقة دخولها استعداد متكرر لتحريك السكين في عمق جراحات لم تندمل، واجترار اتّهامات عمّمها الزمن السوري، ومحاكمات السنوات السوداء، وعدالة عدنان عضوم وجوزيف فريحة. تبيع ترايسي شمعون حسن نصرالله وميشال عون شتيمة لـ"القوات اللبنانية" على أمل أن تشتري منهما مقعدا في ذيل لائحة نيابية. ولان عند الرجلين شتّماين كثر، تبالغ ترايسي شمعون بالشتم اظهارا لمزايها التنافسية. انه السباق نحو القعر. ولعل ترايسي شمعون، ان فازت به، تحتل موقعاً فرغ بسقوط ميشال سماحة. ولعل يوم يأتي ويكلفها معلّمو سماحة بمهمّات مشابهة لمهماته السابقة. هكذا نماذج لهكذا مهمات.

المضحك-المبكي أن ترايسي تنتقد عمّها الذي تصالح مع الدكتور جعجع لان "حقده على السوريين يعميه"، حسبما قالت، لا فضّ فوها. طبعا! حقد النائب شمعون على النظام "يعميه". كان ينبغي على دوري شمعون أن يقفز فوق احتلال الوطن، وتدمير مدنه قصفاً، واقتصاده نهباً، وشعبه قهراً وذلاً واضهاداً، ليقدّم أوراق اعتماده عند سادي القرداحة، تماماً كما تفعل ترايسي اليوم مع زبائنية ابنه وخليفته. كان على دوري شمعون أن يتصرّف كما تصرّف سليمان فرنجية ليجد حظوة في عيني ابنة اخيه المفوّهة. أمّا أن يمثّل دوري شمعون ما مثّله لسنوات طوال، بارقة وطنية لا غبار عليها، واستعداداً شجاعاً لمتابعة الجولة مع المحتل، رغم اختلال موازين القوى، فهذا ما لا يروق للسيدة الكريمة.

مجرّد أن تفكر شمعون بالنيابة وقاحة. نعم وقاحة لا تطاق. السيدة الكريمة أمضت سنوات الوصاية في الخارج، على ما أعلم، في الولايات المتحدة. تخيلوها تتمتّع بشواطئ فلوريدا يوم كانت والدة رمزي عيراني تسأل: أين ابني؟ تخيلوها تتجوّل في بوسطن أو سان فرانسيكو أو نيو اورلينز يوم كان زوّار الفجر يقرعون أبواب المناضل تلو الاخر، ويوم كان الطلاب السياديون يمضون نصف وقتهم في الجامعات، والنصف الاخر "ضيوفا" في أقبية المخابرات. بأي حق ترغب السيدة الكريمة اليوم بتمثيلنا؟ باسم أي نضال؟ بأي صفة؟ الجواب، تكراراً: صفة السيدة شمعون أنها حفيدة الرئيس الراحل كميل شمعون، وابنة رئيس حزب الوطنيين الاحرار الشهيد داني شمعون. هذا كل شيء ولكن هذا، على ما يبدو، كافيا لتعود ترايسي الينا يحدوها الطموح الى النيابة.

ترايسي شمعون اسمعينا جيّداً: هناك جيل من طلاب القوات اللبنانية "المنحلّة" انذاك صرف قسطا من نضاله الطالبي في اجتماعات التنسيق مع طلاب "الوطنيين الاحرار" في السوديكو. واذا كان طلاب "القوات" يومها، المحاصرون من المخابرات – وأحيانا من ادارات جامعاتهم – يشعرون بالطمأنينة عندما كانوا يلجون بيت الاحرار، فلأنهم وجدوا في دوري شمعون والياس أبو عاصي عطفاً وتفهماً ودعماً ووطنية صافية أنت لست منها بشيء… تزعمين الوفاء للشهداء داني وانغريد وطارق وجوليان؟ هؤلاء سقطوا فداء القضية اللبنانية، صحيح. ولكن المئات من عناصر الاحرار استشهدوا دفاعاً عن القضية ذاتها في المواجهات مع جنود الاسد. نسألك: أي وفاء لهؤلاء عندما تستجدين مقعداً على لائحة حلفاء قتلتهم؟

ترايسي شمعون: الشمعوني، ليس من حمل اسم شمعون. الشمعوني من قارع نظام الاسد كما قارعه الرئيس الراحل دهراً، ومن تعالى على الخلافات في الصف السيادي الواحد، كما تعالى هو عليها مراراً وتكراراً. تكرهين القوات كثيرا؟ اكرهيها ما شئتي. ولعلني أعطيك سبباً اضافياً لكرهها اذ أقول لك إن فيها الكثر الكثر من هم شمعونيون أكثر منك.

 

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل