!-- Catfish -->

حادثة الفياضية عبرة برسم المكابرين

إن كتابة التاريخ مسألة تستدعي الدقة والحذر والموضوعية إلى أبعد الحدود ، على أن هناك وقائع مدوّنة يسهل التشكيك بصدقيتها ، خصوصاً عندما يكتب التاريخ أكثر من شخص ، وكل ينتمي إلى مشرب .

وهاكم مثلاً على ذلك :

يقول الرئيس سليم الحص في كتابه ” زمن الأمل والخيبة ” :

” إندلع القتال للمرة الأولى على نحو خطير بين أطراف الجبهة اللبنانية والقوات العربية السورية العاملة في إطار قوات الردع العربية في السابع من شباط 1978 . وقد انطلقت شرارة القتال بمهاجمة عناصر من الجيش اللبناني حاجزاً سورياً على طريق الفياضية . ولقد نفذ العملية حوالى عشرين جندياً لبنانياً من ثكنة الفياضية ، ثم خرج فريق من الأغرار في الجيش اللبناني وقاموا بتفتيش للمباني الجاورة بحثاً عن عسكريين سوريين ، ودخلوا مبنى كانت تشغله قيادة كتيبة هندسية تابعة لقوات الردع العربية ، وبعضهم عمد إلى إيقاف السيارات المارة واحتجزوا بعض السوريين من ركابها ، وبلغ التوتر ذروته إذ أطلق هؤلاء النار من رشاشاتهم على حافلة تقل جنوداً سوريين كانوا متوجهين إلى دمشق في إجازة “.

وفي مكان آخر يقول الرئيس الحص :” إن التحقيقات في تلك الأحداث لم تسفر عن نتيجة عملية “.

الواقع أن الرئيس الحص الذي نحترم ، لم يحرص حتى على ذكر أسباب ما حصل ، بل تجاهلها كلياً ، وأظهر الجيش اللبناني آنذاك وكأنه اعتدى على الجيش السوري لمجرد الرغبة في الاعتداء ، أو كأنه مجموعة من الرعاع التي تعيث قتلاً ، علماً ان نصب حاجز لأي جيش غريب ولو كان لدولة شقيقة على مدخل ثكنة عسكرية لبنانية للتحقق من الداخل والخارج ، ليس استفزازاً فحسب ، بل إهانة وافتعالاً لمواجهة حتمية ، وهذا ما حصل .

أما المؤرخ الكبير الأباتي بولس نعمان ، فيقول في الجزء الأول من مذكراته بعنوان ” الإنسان الوطن الحرية ” حول حادثة الفياضية :

” عرفنا أن القوات السورية استفزت القوة اللبنانية المرابطة في الفياضية ، من خلال إقامة حاجز أمام باب ثكنة الجيش اللبناني ، في شكل متكرر ، وقد كان صديقاي النقيب سمير الأشقر والملازم أول فارس زيادة في عداد الضباط والعسكريين الذين واجهوا تعدي القوات السورية ، وقد دفعا ثمن موقفهما بالتوقيف في المحكمة العسكرية مدة تراوح بين الشهرين والثلاثة أشهر”.

الوزير السابق كريم بقرادوني أورد في كتابه ” السلام المفقود ” :

” قبل التجديد لحافظ الأسد رئيساً للجمهورية السورية لمدة سبع سنوات أخرى ، وقع اشتباك مفاجىء في 7 شباط 1978 بين جنود لبنانيين وسوريين أمام ثكنة الفياضية اللبنانية ، سرعان ما امتد ليشمل القطاع المسيحي من العاصمة ، وكانت حصيلته أكثر من ثلاثين قتيلاً جلهم من الجنود السوريين ، وفي اليوم التالي اختصر الرئيس اللبناني الياس سركيس جلسة مجلس الوزراء العادية ، وصعد إلى جناحه الخاص في القصر ، وهناك التقيته وبادرني متجهما وقال : وجهت دمشق إلي إنذاراً تطلب فيه أن أسلمها الضباط والجنود السوريين المسؤولين عما يسمونه اعتداء على الجيش السوري “.

وفي مكان آخر يقول بقرادوني : ” رفض الرئيس الأسد اقتراح الرئيس سركيس تأليف لجنة عسكرية لبنانية سورية لإجراء التحقيق ، وقال : على قائد الجيش اللبناني أن يكون مستعداً لتسليمنا الضباط اللبنانيين المذنبين ، ولإعدام بعضهم رمياً بالرصاص . لا تسوية ولا مسايرة .

بول عنداري في كتابه ” هذه شهادتي ” يقول :

” في الخامس من شباط أقام السوريون حاجزاً أمام ثكنة ” الإس كا إس” في الأشرفية ، وكانوا قد فعلوا ذلك قبل يوم واحد وعولج الامر . وبعد ظهر ذلك اليوم أفادت بلدة الحدث بأن بيت الكتائب مطوق وهناك جريحان . وفي العاشرة والنصف من قبل ظهر السابع من شباط أقام السوريون حاجزاً أمام ثكنة الفياضية – شكري غانم ، وجرى على الاثر تبادل للنار بكل انواع الأسلحة امتد إلى اشتباكات بين القوات السورية والقوات اللبنانية في المناطق الشرقية .

وما حصل ، ودائماً بحسب كتاب عنداري ، رواه أحد العسكريين من ثكنة الفياضية فقال : إن عناصر من الجيش السوري أقامت حاجزاً أمام ثكنة الفياضية ، ولدى دخول عناصر من أغرار الجيش اللبناني بعد عودتهم من دورة تدريبية ، جرى تلاسن بين ضباطهم والضابط السوري المسؤول عن الحاجز . عندها طلب ضابط لبناني رفع الحاجز فوراً لأنه بشكل تحدياً لعناصر الثكنة وتالياً هو في غير محله ولا لزوم لوجوده . وفجأة فتح السوريون النار على الضابط اللبناني وعناصره ، وبدأ قصف الثكنة ، ما يدل على أن الحادث كان مدبراً “.

أما بعد ، لثد أوردتُ هذه الوقائع لأنبّه إلى أن الكرامة الوطنية لا تتجزأ ، وإلى أن كرامة الجيش اللبناني لا تقبل انتهاكاً من شقيق أو صديق وبالتأكيد من عدو . وطالما أن الجيش اللبناني لا يمسك وحيداً بحدود لبنان ويحتكر حمل البندقية مع القوى الشرعية الأخرى على كامل أراضي الوطن من دون أي بندقية سواها سواء تحت شعار المقاومة أو غير المقاومة ، فإن لبنان لن يجد الراحة والطمأنينة والازدهار .

لا نريد سلاحاً إلا سلاح الجيش اللبناني ، لأن السلاح الآخر ، هو الذي يعطل الاستحقاق الحكومي والاستحقاق النيابي ، ويورط لبنان في متاهات الحرب السورية ومحاذير الصراع الإقليمي . وكل بحث خارج هذا الإطار ، هو تخبيص وتخدير وإضاعة للوقت . والسلام .

المصدر:
إذاعة لبنان الحر

خبر عاجل