الغسل الجماعي للأدمغة، فن وعلم وشطارة وخبرة، في إطار الدعاية أو البروباغندا التي درجت عليها أنظمة وأحزاب توتاليتارية، على غرار الأنظمة الستالينية والشيوعية في زمن الستار الحديدي، كما الديكتاتوريات النازية والفاشستية والبعثية، وحالياً على الموضة، الديكتاتوريات الأصولية من الجمهورية الإسلامية الإيرانية… إلى حركة طالبان .
وعندنا في لبنان، يمثل حزب الله، للأسف، بشكل أو بآخر هذه الظاهرة التي تجعله لا يقبل شراكة أو نقاشاً، وتعتمد البروباغندا التي تؤلّه وتقدّس أحياناً كل من وما هو في خانته دون الله، تحت هالة الولي الفقيه، فترفع بشراً إلى مرتبة أشرف الناس، وتقدّم السلاح جزءأً من ترسانة السماء، وتُنزّه القائد عن كل خطأ وخطيئة !
حزب الله في الأساس، كان فيه شيء من الديموقراطية الداخلية على قاعدة تداول السلطة على مستوى الأمانة العامة. ولكن ما حصل أن السيد حسن نصرالله، ولميزات فيه كما ارتُؤي، مُدِّد له مرات ومرات منذ نحو عقدين وحتى اليوم.
ولعل الأخطر هو جسم حزب الله وجمهوره، العريض بالتأكيد، لكنه جمهور مخطوف العقل مسلوب الإرادة، يعتبر أن الولي الفقيه والسيد والحزب هم دائماً على حق، وأن قتال أشقاء مسلمين سوريين في بلادهم هو جهاد، وأن رعاية التهريب واستغلال الدولة وعصيان قوانينها حق، وأن كسروان وجبيل أرض شيعية مستلبة لا بد من استعادتها .
إنها مأساة جيل أنشىء على عدم تقبل الآخر وعلى أن الحقيقة في مقلب واحد. إنها مأساة ستبرز عاجلا أم آجلاً، كمأساة الولد المدلل الذي يكبر على استسهال كل شيء، وعل استحلال كل شيء، لتصدمه الحياة، فيتحوّل إلى فاشل ومريض وناقم على نفسه وعلى العالم.
في كوريا الشمالية، نموذج مؤلم لغسل الدماغ الجماعي الذي يتعرض له شعبها المعتر منذ عقود طويلة .
الرئيس المؤسس لهذه الدولة الديكتاتورية الأوتوقراطية التي تسمِّي نفسها ديموقراطية اشتراكية شعبية، هو كيم إيل سونغ الذي نجح في إقناع شعبه بأنه المخلص والحامي وإله السماء والأرض. نجح لأنه عزل شعبه تماماً عن الخارج، حتى لا يعرف أن هناك بشراً يعيشون أفضل، وأن هناك أنظمة يحكم الشعب فيها فعلاً، وأن رؤساءها أناس كسواهم يصيبون ويخطئون ويربحون ويخسرون ويحاسبون !
مات كيم، فراح الناس في الساحات والشوارع ينتحبون في مشهد سوريالي فظيع !
نُصِّب ابنُه كيم جونغ إيل أو نصّب نفسه خلفاً له. يا لها من ديموقراطية اشتراكية شعبية، وكم تشبه البعثية الاشتراكية السورية !
حَكم الابن كوالده إلهاً على الطريقة الستالينية، ومات أخيراً ليتكرر المشهد البائس: انتحاب وعويل وضرب رؤوس. إنه الغسل الجماعي للأدمغة !
وبالطبع جاء دور الحفيد كيم جونغ أون .
طبّوش في بداية عشرينياته، يحيط به الخدم والجواري، يستعرض شعبه وجيشه المرصوصين على المسطرة .
يزور المراكز العسكرية، يتفقد المصانع البالية والمدارس الثانوية، حيث تصاب الفتيات العذراوات بالدوار وتبكين من شدة التأثر أمام الطفل المعجزة، بلا زغرا باللي عنا! ولا مانع لأن ينتقي بعضاً منهن، وهن صاغرات، على غرار ما كان يفعل ولدا صداّم في عز عتوِّه، وإلا الويل والثبور !
في أي حال، الشيء بالشيء يُذكر. وفي لبنان، كان الله في عوننا، على الرغم من عونهم! والسلام.