كتب عامر مشموشي في صحيفة “اللواء”:
الذين يزورون القصر الجمهوري هذه الأيام، يخرجون بانطباع أن ولادة الحكومة العتيدة لم تعد بعيدة، ويذهب بعضهم إلى الجزم بأنها ستتم عشية عيد الاستقلال الذي يصادف في الثاني والعشرين من تشرين الثاني المقبل.
وهؤلاء ينقلون عن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان عدم رضاه على تصرفات الطبقة السياسية التي حالت حتى الآن دون تشكيل حكومة جديدة، وأوقعت البلاد في الفراغ على صعيد السلطة الاجرائية، ورغم النصائح الإقليمية والدولية المتكررة بوجوب الاسراع في تشكيل الحكومة لمواجهة تداعيات الأزمة السورية على هذا البلد، فإن هذه الطبقة ما زالت تتلهى بخلافاتها، وبتبادل الشروط والشروط المضادة التي أدت إلى عرقلة التأليف رغم مرور حوالى السبعة أشهر على تكليف الرئيس تمام سلام تشكيل الحكومة بإجماع نيابي غير مسبوق في لبنان، في وقت يتحدثون فيه عن الأخطار المحدقة ببلدهم، ويتبادلون الاتهام على من تقع مسؤولية اقتراب هذه الأخطار من الهيكل اللبناني.
وينقل الزوار عن الرئيس سليمان أنه والرئيس المكلف استنفدا كل الوسائل لإقناع الأطراف المتخاصمة بأن مصلحة الجميع تكمن في قيام حكومة جامعة، تكون من أولى مهماتها إعادة لملمة الوضع الداخلي المتفلت ووقف الانهيار الاقتصادي المتزايد وإيجاد الحلول للأزمات المترتبة على تزايد النزوح السوري إلى لبنان بسبب الحروب الدائرة في هذا البلد الشقيق بين النظام الذي يتمسك بالسلطة وبين المعارضة التي تسعى إلى تغييره بنظام ديمقراطي عادل يقوم على مبدأ تداول السلطة وإطلاق الحريات العامة والشخصية.
وسمع زوار القصر من الرئيس ميشال سليمان ما يُفهم منه أن الطبخة الحكومية أصبحت شبه جاهزة، ولا يستبعد ولادتها عشية عيد الاستقلال الذي يحتفل به اللبنانيون في الثاني والعشرين من تشرين الثاني المقبل، إذ لم يعد من الجائز بالنسبة إلى رئيس الجمهورية أن تستمر البلاد من دون حكومة فيما الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تزداد سوءاً، وفيما الشلل يكاد يعمّ كل مؤسسات الدولة.
ويرفض الرئيس سليمان كما ينقل الزوار التعليق على ما يطرح في السوق السياسي من تشكيلات وزارية تتراوح بين الثلاث ثمانات و9-9-6، كما يرفض الكشف عن التشكيلة التي يعدّها الرئيس المكلف بالتفاهم معه ويترك ذلك للأيام القليلة المقبلة التي تسبق الموعد المفترض لولادة الحكومة العتيدة.
لكن مصدراً في قوى الرابع عشر من آذار اطّلع على توجهات رئيس الجمهورية بالنسبة إلى ولادة الحكومة العتيدة، يميل إلى استبعاد إقدام رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف على خطوة من هذا النوع بعد الموقف الذي أعلنه أمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله بمناسبة الاحتفال بالذكرى 25 لتأسيس مستشفى الرسول الأعظم والذي حدد فيه السقف الذي يمكن أن يقبل به بالنسبة إلى الحكومة العتيدة ودعوته قوى 14 آذار إلى القبول به وعدم تفويت الفرصة عليهم لأن ما يقبل به اليوم قد لا يقبل به بعد فترة، وما يقبل به هو حكومة على قاعدة 9-9-6، يضمن فيها له ولحلفائه قوى الثامن من آذار الثلث المعطّل.
ويعزو المصدر في قوى الرابع عشر من آذار عدم إقدام رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف على إصدار مراسيم حكومة الأمر الواقع في الموعد المفترض، إلى خشيتهما من ردود فعل حزب الله وحلفائه على هكذا حكومة، وتنفيذ ما سبق وهدّدوا به من عدم تسليم الوزارات التي أسندت إليهم في الحكومة المستقيلة أو العصيان المدني أو افتعال مشاكل أمنية تذكّر بـ 7 أيار جديدة أو بالقمصان السود التي زرعت الرعب في نفوس القادة السياسيين قبل المواطنين وأدت الى قلب المعادلة السياسية رأساً على عقب.
لكن المصدر في قوى14 آذار، ما زال يأمل في أن يشرب الرئيسان سليمان وسلام حليب السباع ويقدما على تأليف الحكومة العتيدة عشية عيد الاستقلال لأن البلد وصل إلى حالة لم تعد تحتمل بقائه من دون حكومة تولي الشأن العام الاهتمام المطلوب، وتوقف حالة الشلل التي شملت كل المؤسسات الرسمية، وتهدد بكوارث فعلية في حال استمرت المراوحة السياسية حول تشكيل الحكومة العتيدة.
واللافت في هذا السياق أن المصدر نفسه يخشى على وحدة الموقف داخل قوى الرابع عشر من آذار في حال استمر التجاذب حول شكل الحكومة العتيدة وذلك على خلفية أن البعض من هذه القوى، من دون أن يسميها، باتت ميّالة إلى القبول بحكومة الـ 9-9-6 ظناً منها أنه الحل الوحيد الذي يخرج البلد من أزماته وعدم القبول به يعني الذهاب نحو الفراغ الكامل في كل المؤسسات الدستورية مع ما يعني ذلك من خطر على النظام نفسه، خصوصاً وأنه لم يبق من عمر الحكومة في حال شكلت اليوم أكثر من ستة أشهر بحيث تستقيل حكماً بعد انتخابات رئاسة الجمهورية.
والسؤال هل يصدق الزوار وتنتهي لعبة شد الحبال عشية عيد الاستقلال أم أن أزمة التأليف ستظل مفتوحة إلى الربيع المقبل، وربما الى ما بعده؟