على صفحته على فايسبوك، كتب المؤرّخ واللغويّ أحمد بيضون: “ما كان لي إلا أن أرى في الحملة على سمير جعجع علامة ليقظة مدنية عظيمة… لولا علمي أن قادة الحملة لا يجدون في إيلي حبيقة عيباً سوى أنه مات”.
والعبارة الموجزة والمحكمة هذه تنبّه إلى أمرين على الأقلّ، أوّلهما أنّ أمراء الحرب لن يكونوا أمراء السلم والحياة المدنيّة (وهذان مؤجّلان جدّاً كما يبدو)، وهم في هذا متساوون. أمّا الثاني، فإنّ نقّاد جعجع، أو “قادتهم”، لا ينقدونه لأنّه أمير حرب ولأنّهم مدنيّون وسلميّون مناهضون للحروب. إنّهم يفعلون ذلك لأنّه منحازون إلى أمراء حرب آخرين.
واقع كهذا هو ما حمل مراقبين على دفع استهجانهم خطوة أبعد: ذاك أنّ نقّاد جعجع (لأنّه قاتل) هم أنفسهم الذين يصفّقون للرئيس السوريّ بشّار الأسد الذي بلغ في القتل مبلغاً لم يرق إليه حاكم عربيّ في العصر الحديث.
وهذه المقارنات وغيرها تضعنا أمام خيارين لا بدّ من اختيار أحدهما:
– فإمّا أنّ أمراء الحرب جميعهم مجرمون (حسن نصر الله، وليد جنبلاط، نبيه برّي، ميشال عون، سمير جعجع، أمين الجميّل، سليمان فرنجيّة…)، وينبغي بالتالي استبعادهم وتعريضهم لعقوبة “اليقظة المدنيّة العظيمة”، مع الكفّ طبعاً عن تمجيد مجرمين غير لبنانيّين كبشّار الأسد.
– وإمّا أنّهم جميعاً معفيٌّ عنهم، متساوون في الاستفادة من هذا العفو (علماً بأنّ سمير جعجع هو وحده بينهم الذي قضى 11 سنة في السجن، أي أنّه الوحيد الذي لم يساو الآخرين في تلك الاستفادة).
وإذا كانت الأخلاق تفضّل الخيار الأوّل، فإنّ الواقع اللبنانيّ (السيّئ والطائفيّ بالتأكيد) يفضّل الخيار الثاني. ذاك أنّ السادة المذكورين أعلاه يمثّلون طوائفهم، وطوائفهم للأسف هي التي اختارتهم من دون أن يُفرضوا عليها (كحال الأسد في سوريّا مثلاً).
واضح أنّ نقّاد سمير جعجع يرفضون الخيار الأوّل لأنّ جعجع، في عرفهم، هو وحده المجرم الذي خاض الحرب في إقليم التفّاح كما خاض حرب المخيّمات وقصف بيروت الغربيّة قصفاً مؤلماً، فضلاً عن تنفيذه مجزرة صبرا وشاتيلا!. لكنّهم أيضاً يرفضون الخيار الثاني لأنّهم يريدون لجميع أمراء الحرب أن يستفيدوا من فرص ما بعد الحرب لكنّهم لا يريدون ذلك لجعجع.
هنا نجدنا أمام نفاق صريح، والنفاق ليس ممّا يُحترم أصحابه عليه. لكنّ النفاق هذا يشي بأنّ الحرب في لبنان مستمرّة، قد تتذرّع بالهواجس المدنيّة وقد تتذرّع بالأخلاق والقوانين، إلاّ أنّها عديمة الأخلاق وعديمة المدنيّة وعديمة القانونيّة.