كتب عامر مشموشي في “اللواء”
أمس دخل الاستحقاق الرئاسي يومه الثاني من مهلة العشرة أيام الأخيرة المتبقية لانتخاب رئيس جديد يخلف الرئيس ميشال سليمان الذي تنتهي ولايته في ليل 24-25 أيار الجاري أي بعد ثمانية أيام بالتمام والكمال.
هذا الأمس لم يكن عادياً في القصر الرئاسي رغم أنه كان مخصصاً لترؤس الرئيس ميشال سليمان جلسة لمجلس الوزراء من أجل إقرار دفعة ثالثة جديدة من التعيينات من بينها ملء المراكز الشاغرة في مجلس الدفاع الأعلى، غير أن الاختلاف والمحاصصة كما يتردّد حالا دون الاتفاق على الأسماء المقترحة وتم في آخر ساعة نقل الجلسة الى السراي الحكومي الكبير لتعقد بدون تعيينات برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام.
ومع ذلك، كان القصر الجمهوري أشبه بخلية نحل، حركة دائمة في كل أرجائه الواسعة، كبار الموظفين والمعاونين والمستشارين وأمانة السر وضباط أمانة السر، منهمكون في الاستقبال والتوديع، وتلبية طلبات الرئيس الذي يلازم كالمعتاد مكتبه في القصر منذ ساعات الصباح الأولى، وكأنه في اليوم الأول وليس الأواخر من ولاية الست سنوات التي أمضاها في القصر الجمهوري يواجه، ويعالج ويتصدى ويحاور في أصعب الظروف الداخلية والإقليمية والدولية، لكنه أبداً لا يناور ولا يُداهن على حساب قناعاته، وإذا سألت الرئيس سليمان عن هذا النشاط في الأيام الأخيرة لولايته تظهر على وجهه إبتسامة هادئة، وهو يحدّثك عن حالة الارتياح الداخلي التي تمتلكه، عندما يتذكّر أو يذكّره الآخرون بأنه أصبح في الأيام الأخيرة من ولايته، وهذه الأيام تمضي مسرعة.
إذاً، كان أمس يوماً عادياً وليس استثنائياً، كما يمكن أن يتصوّر الداخل الى القصر الرئاسي، الرئيس سليمان يتابع إجتماعات كالمعتاد وفق جدول المواعيد اليومي المعدّ سلفاً ويتابع درس الملفات المتراكمة علىمكتبه والتي يأتي بها إليه موظفو القصر ومستشاروه فيدرس ويسجّل ويترك ذاك بدون توقيع إلا الملاحظات التي يسجلها، وبين الفرصة والأخرى كان يستقبل الزوار ومنهم وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل ثم وزير خارجية أفريقيا الوسطى الذي سلّمه رسالة من الرئيسة المؤقتة للجمهورية وبحث معه تعزيز العلاقات الثنائية وتطويرها ورفع التمثيل الدبلوماسي بين الدولتين.
كما تسلّم الرئيس سليمان تباعاً أوراق اعتماد سفراء كل من الكوت ديفوار والجزائر وتنزانيا وأنغولا وبوركينا فاسو على وقع التشريفات والترتيبات اللازمة لهذه المناسبة، فهو كما يقول مرتاح، وسعيد لأنه سيغادر القصر الرئاسي بعد انتهاء ولايته، وهذه الراحة وتلك السعادة، مردّها الى أنه حرّر نفسه وتحرّر مما يسمّى عقدة التمديد والتجديد وملء الفراغ كما يقترح البعض كما حرّر عائلته الصغيرة وعائلته الكبيرة، فأنا يضيف غير معني بما يُحكى في الخارج ويتم تداوله عن أزمة في الاستحقاق الرئاسي، باتت تستدعي اعادة فتح ملف التمديد والتجديد، وانا غير معني بما يحكى ايضاً عن الاستمرارية في موقعي لمنع الوقوع في الشغور او الفراغ في رئاسة الدولة لانني كما قلت قد تحررت وحررت نفسي وعائلتي من هذه العقدة، والى ان يأتي رئيس جديد يملأ الفراغ او لا يأتي قبل انتهاء المهلة فأنا ماض في الاجراءات والترتيبات اللازمة للخروج من القصر الرئاسي بكل هدوء.
وبكل هدوء يذكر الرئيس سليمان ولا ينكر بأن البعض من معاوني والمستشارين يلمح الى التمديد كحل للازمة، لكنني لست مسؤولاً عن مثل هذا الكلام، طالما انني حسمت الامر منذ ان طرح هذا الموضوع قبل سنة واكثر من سنة واجبت كل من راجعني في هذا الامر من اصدقاء وسياسيين واعلاميين انني اتخذت قراري بعدم قبول التمديد وان ما حصل فسأطعن فيه امام مجلس شورى الدولة، كما طعنت بالتمديد للمجلس النيابي. اما ان يتمنى احد او اكثر من فريق العمل حصول هذا الامر فإنه كان يتحدث من منطلقات انسانية وربما من منطلق مصلحي، فأنا لا دخل لي بهذا الامر، ولا يمكنني ان امنعه من ان يقترح او يتحدث في هذا الموضوع او يتمنى حصوله، فالرئيس المرحوم فؤاد شهاب عندما رفض التمديد، كان ذلك من عمل محبيه من نواب وغير نواب من اجل التمديد والحّوا عليه ليقبل لكنه كان يرفض بإصرار لانه مثلي حرر نفسه من عقدة التمديد فارتاح نفسياً و انا مثله قد حررت نفسي من هذه العقدة وانا الآن اشعر براحة نفسية كبيرة والسعادة اكبر علماً انه لو كان الدستور يسمح بإعادة الانتخاب لمرة ثانية لربما كنت فكرت في الامر لاجرب حظي مرة ثانية ومعرفة ما اذا كان الشعب يريدني للمرة الثانية ام لا يريد.
لكن الرئيس سليمان يلاحظ وهو يسهب في الحديث عن الراحة النفسية التي يعيشها بسبب القرار الذي اتخذه بتحرير نفسه من عقدة التمديد بأن هناك طبعاً من لا يريد التمديد وكأنه يحاسبني على مواقفي الاخيرة وعلى ثوابتي الوطنية، التي اعلنتها وأكدت عليها في اكثر من مناسبة، والتي لن اتخلى عنها لا اليوم ولا غداً او بعد غد ما دمت مؤمناً بها.
ولا ينسى الرئيس سليمان ان يسجل في المناسبة ارتياحه الشديد لما اسفرت عنه الجلسة الاخيرة لهيئة الحوار الوطني التي انعقدت في القصر الجمهوري رغم محاولات البعض ممن قاطعوها التشويش عليها، من قرارات ذات دلالات مهمة وهي التأكيد على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين والتمسك باتفاق الطائف.
ويذكر الرئيس سليمان على هذا الصعيد الكلام الذي صدر عن الرئيس نبيه بري في تلك الجلسة في معرض تعليقه على ما قلته في كلمتي في جبيل حول الهيئة التأسيسية وقوله انه يتحدث باسم جميع المسلمين الشيعة والسنة والدروز وهم حاضرون بيننا من اننا نتمسك بالمناصفة فإما الكلام للرئيس بري ان نعيش معاً في هذا اللبنان واما ان لا يكون لبنان.
وفي هذا السياق ذكر الرئيس سليمان انه كان على تفاهم مع الرئيس بري بالنسبة الى موضوع المناصفة عندما كنا نبحث في وضع قانون جديد للانتخابات النيابية وهو ان يكون انتخابات مجلس الشيوخ على اساس طائفي وان تتحرر الانتخابات النيابية من هذا الالتزام من دون التخلي عن المناصفة وان تجري الانتخابات على أساس النسبية وليس على أساس طائفي كما هو الأمر بالنسبة إلى مجلس الشيوخ.
الرئيس سليمان ما زال يتذكر ولا ينسى امتعاض حزب الله وحملته عليه عندما انتقد ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة، ووصفها بالخشبية، ويقول أن كلامه هذا جاء بعدما اسقط حزب الله هذه الثلاثية وانخرط في الحرب السورية من دون ان ينسق او يسأل أحداً من شركائه في هذه الثلاثية التي تعني بالمفهوم الدقيق التكامل بين الشعب والجيش والمقاومة وعندما يذهب حزب الله الى سوريا ويسأل الجيش والشعب فبذلك يكون قد اسقط المعادلة الثلاثية ووضع الشعب والجيش في مأزق، كما انه لا ينسى تنكر الحزب لإعلان بعبدا.
وعندما يُسأل الرئيس سليمان عن مواقفه التي تسببت له بمشاكل مع أطراف داخليين يجيب بأنه كان ولا يزال مقتنعاً بالمواقف التي أدلى بها بوصفها ثوابت وطنية، كما انه يرفض أن يكون شاهد زور على ما حدث ويحدث في عهده، فالقضية عنده مبدئية وليست بحاجة الى من يؤولها.
اما عن المستقبل بعد خروجه من القصر الجمهوري بانتهاء الولاية، فهو عازم على مواصلة انخراطه في العمل السياسي كمرجعية سياسية من دون أن يعني ذلك انه سيخوض الانتخابات النيابية في الدورة المقبلة، فالعمل السياسي كما يقول لا يعني بالضرورة أن تكون نائباً أو أن تترشح للنيابة بل هو انخراط في العمل الوطني كونه مسؤولية وطنية يعيشها مَن يؤمن بهذا العمل، ولا ينسى الرئيس سليمان ان يُؤكّد في هذا المجال ان عمله في الحقل الوطني بعد خروجه من القصر الجمهوري سيبنى على المبادئ والثوابت الوطنية التي أطلقها عندما كان لا يزال في سدة رئاسة الجمهورية.
وعندما يتطرق الحديث مع الرئيس سليمان الذي يعد ما تبقى له من أيام معدودة في القصر الجمهوري لا ينسى أن يثني على مواقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، كاشارة منه إلى الحلف الوسطي الذي أعلن عنه رئيس الاشتراكي والذي يضمه إلى جانب الرؤساء سليمان وبري ونجيب ميقاتي.
الحديث مع الرئيس سليمان الذي تمتزج فيه الكلمات وتذهب إلى بعدها الإنساني لا تنتهي الا بعودة الرئيس إلى التأكيد على سعادته وراحته النفسية، لأنه سيغادر قصر بعبدا في آخر يوم من ولايته، بذلك الحفل الذي سيوجه من خلاله رسالة إلى الشعب اللبناني بعد الرسالة التي وجهها الى المجلس النيابي مستعملاً حقه الدستوري والتي يطلب فيها واستناداً الى الفقرة 10 من المادة 53 من الدستور العمل بما يفرضه الدستور وما توجبه القوانين لاستكمال الاستحقاق الدستوري تفادياً للمحاذير والمخاطر التي قد تنشأ جرّاء عدم انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية قبل الخامس والعشرين من الشهر الجاري.