حرب 1975 وحبّ البقاء

حجم الخط

حرب لبنان 1975 لم تبدأ عام 1975 بل بدأت قبل ذلك بكثير يوم استباح الفلسطينيون الدولة وأصبحوا دولة ضمن الدولة، وذلك بعد توقيع “اتفاق القاهرة” في 3 تشرين الثاني من سنة 1969 والذي تم فيه الاعتراف بالوجود الفلسطيني السياسي والعسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية من قبل لبنان وتم فيه تأكيد حرية العمل الفدائي انطلاقاً من اراضي لبنان. اصبح الفلسطينيون يتصرفون وكأنهم اصحاب الدار او بالأحرى كأنهم الدولة نفسها.

بدأت شوكة الفلسطينيين تقوى وتجاوزاتهم تتكاثر وتشتد حتى اصبحوا دولة ضمن الدولة، وأصبحت الدولة نفسها عاجزة عن ردعهم وإيقافهم عند حدودهم.”هل تذكركم هذه الكلمات بشيء؟”.

في هذه الأثناء، وفيما الفلسطينيون يوسعون نشاطهم ويمدون سلطانهم فوق الدولة، كانت الدولة تنهار شيئاً فشيئاً. وشعرت الاحزاب اليمينية والسياسيون الوطنيون بالخطر القادم فراحوا يحذرون الدولة من الأخطار المحدقة بلبنان.

وكان الرئيس الراحل كميل شمعون اول من تنبه للخطر، وحذر الحكومة منه، ثم تلاه الشيخ بيار الجميل الذي طلب في تصريح صحافي من الدولة ان تضبط الفلسطينيين وان تعاملهم معاملتها للبنانيين فلا تسمح للفلسطيني ان يحمل رشاشه ويسير به في ساحة الشهداء على مقربة من مخفر شرطة البرج في حين تلقي القبض على لبناني يحمل بارودة صيد أو خنجراً او مسدساً صغيراً و “تدكه” في السجن. رحمة الله عليك الشيخ بيار الجميل كأنك تعيش معنا اليوم، الدولة ما زالت كما هي تسمح للميليشيا بحمل الصواريخ وجماعة الصيادين “تدكهم” بالحبس. لم يتغيّر شيء سوى الأسماء فأتفاقية القاهرة اصبح اسمها البيان الوزاري ومنظمة التحرير اصبحت “حزب الله” فقط الوطنيون اللبنانيون ما زالوا هم هم.

كذلك استغرب الرئيس كميل شمعون ان تسمح الحكومة للفلسطيني اللاجىء ان يقيم حاجزاً عسكرياً على طريق عام في ضواحي بيروت ويوقف اللبناني ويسأله عن هويته وعن وجهة سيره. وقد طلب الرئيس شمعون من رئيس الجمهورية سليمان فرنجية ان يتدخل شخصياً لضبط الفلسطينيين الشذاذ في لبنان لئلاً يؤدي الأمر الى انفجار كبير لا يعلم الله ماذا تكون نتائجه، فإذا بالرئيس شمعون يستشعر الخطر المحدق قبل حصوله.

ولكن يبدو ان رئيس الجمهورية لم يكن قادراً على ضبط الفلسطينيين لأسباب عدة أهمها أن رئيس الوزراء في ذلك الوقت كان متعاطفاً مع الفلسطينيين ضد لبنان. وكان الفلسطينيون ينزلون الى التظاهرات بكامل يافطاتهم ومناشيرهم وغالبيتها ضد الدولة من دون ان تحرك الدولة الضعيفة ساكناً واذا حاولت القبض على مجرم فلسطيني كانت القوى اللبنانية المتعاطفة مع الفلسطنيين ترفض أن تتخذ الدولة إي اجراء بحق أي فلسطيني.

كان عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يزداد يوماً بعد يوم في حين يتناقص هذا العدد في الدول العربية. ويوم وزعت الجامعة العربية اللاجئين الفلسطينيين على الدول العربية كانت حصة لبنان أربعين الف لاجىء ولكن بعد سنوات قليلة اصبح هذا العدد اربعة مئة الف فلسطيني كانوا يهربون من الدول العربية حيث النظام والقوانين تمنعهم من الانفلات. فيحضرون الى لبنان حيث الدولة ضعيفة والأمن فالت. مما يدل ان النظام السياسي اللبناني هو العامل الاساسي في نشوب الحرب في لبنان عام 1975 – فهذا النظام لم يستطع بناء دولة بالاضافة الى المصالح الاقليمية والدولية – عندما نقول نريد بناء دولة نعي ما نردد لأن بناء دولة على شكل دولة المزرعة التي هي موجودة الآن هي سبب اساسي في اعادة انتاج الفتنة وظروف الامس هي ذاتها ولكن بأسماء أخرى ودول أخرى.

في حديث صحافي، أدلى به رئيس حزب “الكتائب” الشيخ بيار الجميل في اوائل آذار 1975 طلب من الحكومة اللبنانية ان تعامل “الأخوان الفلسطينيين” كما كان يدعوهم، كما تعاملهم جميع الدول العربية، إذ لا يجوز أن يهرب الفلسطيني الذي يرتكب جريمة في سوريا أو الاردن أو في المملكة العربية السعودية او في الكويت او مصر أو في ليبيا الى لبنان ليمارس نشاطاً عسكرياً وسياسياً ويصبح الآمر الناهي من دون أن تجرؤ الدولة على توقيفه.

وكان الرئيس شمعون يراقب الأوضاع الخطرة في لبنان ويحذر الحكومة اللبنانية والدولة مطالباً بوضع حد نهائي لتصرفات الفلسطينيين الشاذة قبل ان تندلع النار وتلتهم لبنان بكامله وما اشبه الأمس باليوم، تغيّرت اسماء القيادات التاريخية ولكن لم تتغيّر المواقف الوطنية.

غير أن لا الدولة ولا الحكومة ولا اكثرية النواب تحركوا لاخماد النار التي بدأت تشتعل في الوطن الصغير.

و… بدأت الحوادث الدامية في مطلع عام 1975.

كانت حوادث فردية احياناً واحياناً جماعية. ففي أواخر كانون الثاني 1975 قابل الشيخ بيار الجميل الرئيس سليمان فرنجية وطلب منه ان يضع حداً لتصرفات الفلسطينيين وأن يسعى لجمع شمل اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، وبعد المقابلة ادلى الشيخ بيار بحديث للصحافيين جاء فيه: “ان الوضع لم يعد محمولاً وان اللبنانيين سيدفعون غالياً ثمن خلافاتهم، وإن التساهل مع الفلسطينيين يجب ان لا يصبح تنازلاً، ولذلك فإما أن تكون السلطة كلها في لبنان للمنظمات الفلسطينية، وإما أن تكون هذه السلطة للدولة اللبنانية”.

وما أن صدر تصريح بيار الجميل في الصحف حتى “قامت قيامة” الأحزاب اليسارية وأدلى كمال جنبلاط بحديث للصحافيين قال فيه: “إن الشيخ بيار الجميل يريد ضرب المقاومة الفلسطينية، وينفذ مخططاً اسرائيلياً”، دائماً التهمة جاهزة “مخططاً اسرائيلياً.

في 30 كانون الثاني، جرت تظاهرة في بيروت الغربية حيث اطلق المتظاهرون  الرصاص مما أدى الى اصدامهم برجال الأمن.

وانتقل النشاط اليساري – الفلسطيني الى الجامعة اللبنانية فوقع اصطدام بين الطلاب اللبنانيين من حزبي “الكتائب” و”الاحرار” وبين الطلاب اليساريين من القوميين والاشتراكيين والشيوعيين اسفر عن سقوط عدد من الجرحى بينهم رجال الأمن الذين تدخلوا لايقاف الاصطدام.

وبدأت بعض المدن اللبنانية تشهد حوادث مؤلمة وجرائم رهيبة. فقد تعرضت مكاتب الشركة الاميركية للتأمين في صور لإنفجار دمر مكاتبها في 11 شباط.

وفي 24 شباط حاول بعض المسلحين اغتيال رئيس بلدية صور، ثم قامت تظاهرة في صيدا أصيب خلالها النائب معروف سعد برصاصة أودت بحياته، وتبين في ما بعد ان الرصاصة لم تطلق على معروف سعد من رجال الأمن بل من سلاح سوفياتي، وهو السلاح الذي كان بأيدي المتظاهرين الفلسطينيين واليساريين. وبالرغم من ذلك فقد اتهم رجال قوى الأمن، واهتزت الحكومة، ومنحت محافظ الجنوب اجازة وأبعدته عن الجنوب “تأديبياً” لأنه أمر بتفرقة المتظاهرين الذين كانوا يطلقون الرصاص على السراي و على أفراد قوى الأمن.كما أصدر رئيس الوزراء رشيد الصلح أوامره للجيش اللبناني بالانسحاب من صيدا تاركاً “الساحة” للمقاومة الفلسطينية وللأحزاب اليسارية. بعدها أقيل قائد الجيش نزولاً عند طلب كمال جنبلاط والأحزاب اليسارية والزعماء السياسيين في المنطقة الغربية.

وفي 8 آذار 1975 استشهد الملازم في الجيش اللبناني الياس الخازن في صيدا برصاص الفلسطينيين ودارت اشتباكات في بعض أحياء بيروت والضواحي، منها اشتباك في الشياح وآخر في محلة الناصرة كما وقعت حوادث خطف عدة، وتظاهرات طالبية يسارية.

في 10 نيسان 1975 دخل الرئيس فرنجية الى مستشفى الجامعة الأميركية حيث أجريت له جراحة المرارة التي تكللت بالنجاح. وفيما كان الرئيس فرنجية في المستشفى اندلعت الشرارة الأولى، وكان اندلاعها في عين الرمانة.

وتفاصيل اندلاع الشرارة الأولى رويت في قصص وأحاديث عدة إلا أن أقربها الى الحقيقة كان كما يلي:

” يوم الأحد في 13 نيسان 1975 كان حزب الكتائب يحتفل بتدشين سيدة الخلاص للروم الكاثوليك في شارع مار مارون في عين الرمانة. وقد طلب قسم الحزب في عين الرمانة من رجال قوى الأمن معاونتهم على تنظيم السير فعاونتهم مفرزة السيّار في المنطقة.

تزامناً كان الفدائيون الفلسطينيون يقيمون مهرجاناً تأبيناً لشهداء الثورة الفلسطينية، وفي الساعة الحادية عشرة اخترقت الشارع سيارة فولسفاكن مغطاة الرقم فأوقفها أحد رجال الأمن وسأل سائقها عن سبب تغطية الرقم فأجابه بأنه فدائي، وعندئذِ طلب منه نزع الغطاء عن اللوحة وان يعود أدراجه لأن اتجاه السير ممنوع في ذلك الشارع.

وبعد دقائق اجتاحت الشارع سيارة فيات مسرعة ومغطاة اللوحة أيضاً في داخلها مسلحون راحوا يطلقون الرصاص على جموع المصلين فقتل الكتائبيان جوزف أبو عاصي وأنطوان ميشال الحسيني وجرح بعض الأشخاص، وفي هذه الأثناء مرت سيارة أوتوبيس تقل عناصر من الكفاح المسلح كانت تتجه الى مخيم “تل الزعتر” فانهال عليها الرصاص من كل جانب وسقط من ركابها زهاء عشرين قتيلاً وجريحاً.

 وقد نقل القتلى والجرحى الكتائبيون الى مستشفى الحياة ومستشفى قلب يسوع فيما نقل الفلسطينيون الى مستشفى القدس ومستشفى المقاصد.

وبدأت الشائعات تعم لبنان فوراً فأشيع أن الشيخ بيار الجميل تعرض لمحاولة إغتيال وأن اثنين من مرافقيه قتلا.

كما أشيع ايضا في المنطقة الغربية وفي مخيمات الفلسطينيين ان مسلحي الكتائب هاجموا الفلسطينيين في مخيم تل الزعتر وقتلوا أكثر من مئة فلسطيني.

واندلعت النار، وبدأ الرصاص يلعلع في بيروت وضواحيها أولاً، ثم امتد الى صور و صيدا و طرابلس وبدأ الديناميت يتفجر والصواريخ تتصاعد والقنابل تدمر الأبنية والمحلات وتقتل الأبرياء من الأهالي واشتعلت الحرب…

وكانت الأحزاب اليسارية والأيدي الخفية تصب الزيت على النار، والأموال تتدفق على الأحزاب اليسارية والأسلحة والذخيرة ترد من بعض الدول العربية الإشتراكية واليسارية على المنظمات الفلسطينية وعلى الأفراد لمحاربة ” الكتائب التي تريد تصفية الفلسطينيين…” كما كانوا يزعمون

وعقدت الأحزاب اليسارية جلسة طارئة اتخذت فيها قراراً بعزل الكتائب ومقاطعتها والقضاء عليها قضاء مبرماً.

وراح رئيس الوزراء رشيد الصلح، بإيعاز من الفلسطينيين واليساريين يطوف على سفارات الدول العربية، ليعلن للسفراء أن حزب الكتائب يعمل على تصفية الفلسطينيين.

واتسعت الإشتباكات بسرعة فشملت الشياح، والدكوانة وعين الرمانة والغبيري، والمريجة، وحارة حريك، وسن الفيل، ثم امتدت الى الكرنتينا والنبعة.

وانقسم اللبنانيون الى قسمين. قسم يضم حزبي الأحرار والكتائب، ومنظمات برزت إثر الحوادث الدامية، منها حزب حراس الأرز والتنظيم الذين كانوا يحاربون من أجل تحرير لبنان من الغرباء واستعادة الكرامة اللبنانية. وقسم يضم الفلسطينيين والأحزاب اليسارية.

وبدأت الأموال والأسلحة تتدفق على لبنان لإضرام النار وإشعال الفتنة في البلاد.

وخلال ثلاثة أيام سقط 73 قتيلاً برصاص القنص وبقنابل القصف كما سقط مئات الجرحى.

وجاء الى لبنان الأمين العام للجامعة العربية السيد محمود رياض وتوجه من المطار الى مستشفى الجامعة الأميركية يرافقه وزير الخارجية السيد فيليب تقلا حيث اجتمع مع الرئيس سليمان فرنجية زهاء نصف ساعة، ثم انتقل السيد رياض والوزير تقلا الى السراي حيث اجتمعا برئيس الوزراء السيد رشيد الصلح.

وقد اجتمع الرئيس رياض الصلح ببعض الزعماء والقادة محاولاً إخماد النار ولكن المحاولة باءت بالفشل.

وانقسمت الحكومة على نفسها فنشبت مشادة كلامية عنيفة خلال انعقاد مجلس الوزراء بين الوزيرين الكتائبيين وبين الوزيرين الجنبلاطيين و أصبحت الحكومة مشلولة.

في هذه الأثناء، وفيما القنابل تتفجر والرصاص ينهمر والصواريخ تدمر كان بعض القادة السياسيين والروحيين يعملون على تهدئة الحال، ومنهم البطريرك الماروني الذي وجه نداءً الى المتحاربين بالتوقف عن إطلاق النار، والسيد موسى الصدر الذي اعتصم في الجامع احتجاجاً على إطلاق القنابل والصواريخ المدمرة، والسيد صائب سلام، والسيد تقي الدين الصلح، والسيد خليل الهبري، والسيد هنري فرعون، ورؤساء الفعاليات الإقتصادية، ورؤساء النقابات العمالية، وغيرهم، إلا أن جميع هذه المساعي باءت بالفشل.

وكان حزب الكتائب قد وجه الى الملوك والرؤساء العرب نداءً دعا فيه الى تحكيمهم وجاء في النداء الكتائبي: “الى أصحاب السيادة والملوك والرؤساء العرب والى كل مخلص يغار على قضايا لبنان فلسطين ويحرص على وحدة الصف العربي وعلى استمرار الوئام والتعاون!.. إليكم نحتكم للكشف عن الحقيقة كاملة جلية في الحوادث المؤلمة التي وقعت بين الأهلين وبعض عناصر المقاومة في إحدى ضواحي بيروت وسقط عدد من الضحايا الغالية على قلوب الجميع. نحتكم لأحقاق الحق وجلاء الواقع واجتناب الكوارث وحقن الدماء وإيجاد صيغة تنسيق وتوفيق بين اللبنانيين والمقاومة الفلسطينية صوناً للسيادة الوطنية وللأمن وللنظام”.

واستمرت المساعي لتطويق الحوادث وإيقاف إطلاق النار وإنقاذ لبنان، واشترك في هذه المساعي بعض القادة السياسيين والروحيين وبعض السفراء العرب والأجانب.

­­­­­­­­­­

وكان للرئيس كميل شمعون اليد السمحاء في تذليل بعض العقبات التي اعترضت سبيل المساعي الخيرة. وتم الإتفاق على وقف إطلاق النار وأصدر رئيس الحكومة بياناً جاء فيه: “بعض الإتصالات والمحادثات التي قمنا بها مع جميع الفرقاء، وبالتعاون مع الأمين العام للجامعة العربية السيد محمود رياض، والسادة السفراء العرب، تم الإتفاق على وقف إطلاق النار وسحب المسلحين من الشوارع والساحات العامة، وكلف قادة قوى الأمن الداخلي بتطبيق هذا القرار ومراقبة تنفيذه”.

وأذاع حزب الكتائب نداء أعلن فيه وقف إطلاق النار، كما أذاعت المقاومة الفلسطينية أيضاً بياناً أعلنت فيه عن وقف إطلاق النار.

وتوقف إطلاق النار… ولكن قبل أن يجف حبر البيانات تجدد القتال بعنف واستؤنف إطلاق القنابل والصواريخ وتفجير العبوات الناسفة في كل بيروت لا سيما في الأسواق التجارية وفي شارع المصارف وشارع الفنادق.

واتضح بما لا يقبل الشك أن هناك أيدي خفية تشعل النار، وان أموالاً عربية وأجنبية تنفق في لبنان لإشعال النار، وأن اليسار واليمين الدولي يتصارعان على أرض لبنان، وأن الخلافات بين الدول العربية تفجر على الساحة اللبنانية كما اتضح أن هناك مقاتلين ليبيين وباكستانيين وأوغانديين وصلوا الى لبنان عن طريق مرفأ صور وانضموا الى الفلسطينيين والى اليساريين لمحاربة اللبنانيين.

كما اكتشف أن بعض الزعماء اليساريين في المنطقة الغربية كانوا يتسلمون الأموال الطائلة من دولة عربية يسارية ليوزعوها على المسلحين والمقاتلين.

وأصبح مرفأ صور باباً مفتوحاً أمام شحنات الأسلحة والذخيرة التي ترسلها الدول اليسارية الى الفلسطينيين واليساريين لإشعال النار في لبنان والقضاء على ازدهاره واقتصاده.

وقيل ان هذه الأسلحة والأموال كانت ترسل للفلسطينيين لإبادة المسيحيين إبادة تامة في لبنان.

وتوالت إتفاقات وقف إطلاق النار، فبلغ عدد هذه الإتفاقات أكثر من ثلاثين إتفاقاً. وفي كل مرة كانت أيد خفية تخرق إتفاق وقف إطلاق النار وتعود القنابل والصواريخ والرصاص الى الإنهمار على الأحياء الآمنة وعلى الأطفال والنساء والشيوخ، وعلى المحلات والمؤسسات الصناعية.

من كان وراء عمليات خرق إتفاق وقف إطلاق النار؟

اللبنانيون، الكتائبيون وأحلافهم وأنصارهم؟

لا… ومن المؤكد أن اللبنانيين لم يكونوا مرة واحدة سبب خرق إتفاق وقف إطلاق النار.

الفلسطينيون؟…لا… لأنهم لو لم يكونوا مصممين على وقف إطلاق النار لما وقعوا اتفاق. ومن جهة ثانية فإن الحرب لم تكن في صالح الفلسطينيين لا سيما بعد أن تبيّن أن المقاومة اللبنانية أقوى منهم، اذ انها لم تكن في مستواهم عدّة وعديداً.

المسلمون الذين كانوا قد بدأوا يناصرون الفلسطينيين إخوانهم وشركائهم في الوطن، المسيحي.

من المؤكد أن المسلمين في المنطقة الغربية كانوا قد أرغموا على مناصرة الفلسطينيين ضد المسيحيين وكانوا يريدون مخلصين إيقاف الإقتتال.

من هم إذن الذين كانوا يخرقون وقف إطلاق النار وكانوا يصرّون على تدمير لبنان وعلى خرابه!

لقد اتضح، ولكن بعد فوات الأوان أن هناك مؤامرة، أو بالأحرى مؤامرات عدة على لبنان وكان المتأمرين يتخذون من المسيحيين والمسلميين اللبنانيين، ومن الفلسطينيين في لبنان وسيلة لتنفيذ مؤامراتهم وإذا كان المسيحيون قد تنبهوا لهذه المؤامرة فإن المسلمين لم ينتبهوا لها.

فقد حذر الرئيس كميل شمعون أكثر من مرة الحكّام والشعب من هذه المؤامرة، وطلب الى الزعماء اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين التصدي لها.

كما حذّر الشيخ بيار الجميل أيضاً اللبنانيين من المؤامرة التي تحاك ضد لبنان وطالب المسلمين بالتضامن مع المسيحيين لإحباط هذه المؤامرات، إلا أن لا تحذيرات الرئيس شمعون ولا نداءات الشيخ بيار الجميل، ولا حتى إخلاص بعض كبار الزعماء المسلمين الذين كانوا يعرفون ماذا سيكون مصير لبنان واللبنانيين إذا ما نفذت هذه المؤامرات استطاعت ان توقف المتآمرين عن تنفيذ مؤامراتهم.

واتضح حديثاً أن إحدى هذه المؤامرات كانت ترمي الى تهجير المسيحيين من لبنان تحت ضغط الإرهاب لتحويل لبنان الى بلد مسلم، وكانت تتزعم هذه المؤامرة ليبيا التي راحت تغدق ملايين الليرات على المنظمات الفلسطينية والأحزاب اليسارية وتمدها بالأسلحة وبالرجال لإبادة المسيحيين وتهجير من بقي منهم.

وكانت أميركا على علم بالمؤامرة ورأت نفسها مضطرة الى الإنجراف اليها والإنغماس فيها بعد ان خيّل اليها أن المسيحيين لن يستطيعوا الصمود في وجه الأسلحة والذخيرة والأموال التي ترد من ليبيا ومن بعض الدول الأفريقية الأسلامية مثل أوغاندا وغيرها.

ولذلك فعندما أوفدت الحكومة الأميركية مندوبها السيد براون الى بيروت للأطلاع على ما يجري في لبنان اقترح المندوب الأميركي على الزعماء المسيحيين أن يغادر اللبنانيون المسيحيون لبنان الى كندا حيث خصصت لهم الحكومة الأميركية مساكن ومرتبات مالية هناك.

“وجنّ جنون” الزعماء المسيحيين، وهم الذين كانوا يتكلون على الولايات المتحدة الاميركية لإنقاذ لبنان.

وقيل أن الرئيس كميل شمعون طرد المندوب الأميركي عندما فاتحه بأمر نزوح المسيحيين من لبنان، وأن الشيخ بيار الجميل صرخ بوجهه: عد الى بلادك وقل لحكومتك أن لبنان لنا نحن سنموت شهداء أرضه، ولن نصبح مهجرين مثل غيرنا.

والمؤامرة الثانية كانت المؤامرة الشيوعية، التي كانت تهدف الى تقويض أركان الإقتصاد اللبناني الحر وتحويل لبنان الى بلد شيوعي مرتبط بسياسة موسكو.

المؤامرة الثالثة كانت مؤامرة بعض الدول الاجنبية والعربية التي كانت تنوي تهجير اللبنانيين من الجنوب ومن محافظة جبل لبنان والشمال لتوطين الفلسطينيين مكانهم وحل المشكلة الفلسطينية مع اسرائيل على حساب لبنان واللبنانيين.

والمؤلم المؤسف أن اللبنانيين المسلمين، كانوا قد خدعوا وخيّل اليهم أن الفرصة سانحة للحصول على كل المطالب التي كانوا يطالبون بها. وفيما البلاد تشتعل حمل بعض زعماء المسلمين قائمة بالمطالب الإسلامية وتوجهوا الى القصر الجمهوري ليعرضوها على رئيس الجمهورية: “و… ولن تهدأ الحال إلا إذا وافقتم على هذه المطالب يا فخامة الرئيس”.

البلاد تحترق…. وبعض زعماء المسلمين يتلهون بالمطالب…

وبالرغم من أن تلك المطالب كانت مجحفة بحق الشريك الآخر الذي هو الجناح المسيحي كانت ترمي الى تجريد رئيس الجمهورية المسيحي من كل صلاحياته “تعيين وزراء، وإقالتهم، والموافقة على القوانين التي اصدرها مجلس النواب وحتى إبداء رأيه بالمشاريع…” بالرغم من كل ذلك فقد وافق رئيس الجمهورية على تلك المطالب آملاً أن تكون موافقته طريقاً الى هدوء الحال وإيقاف الإقتتال، ألا أنه كان على خطأ لأن القتال لم يتوقف بل زاد عنفاً وحدة وشراسة.

هذا ما حققته المقاومة اللبنانية حينها حيث وقفت في وجه اميركا و قالت “نموت هنا” و لا نترك ارضنا . “سمير جعجع: “نموت واقفين” و ما هي القوات اللبنانية اليوم سوى استمرار للشيخ بيار الجميل و الرئيس شمعون .

نعود الى التاريخ القريب لأن حالنا اليوم يشبه الى حدٍ ما ذلك الوقت فإلى المسيحيين نقول لا تخافوا “العين قاومت المخرز” والى حزب الله الذي يأخذ اليوم دور الفلسطيني نقول: “نحن واياكم نبني لبنان، فلا أحد يستطيع الغاء الآخر والتاريخ خير شاهد”. والسلام.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل