خطت تونس البارحة خطوة جديدة نحو ترسيخ ديمقراطيتها الوليدة. البلد العربي الاكثر نجاحا على المستوى السياسي هو المجتمع الاقلّ تنوعاً على المستويين الديني والاثني. كلّ التوانسة عرب مسلمون سنّة – باستثناء الاف قليلة من اليهود.
بالمقابل، البلدان العربية الافشل على المستوى السياسي – لبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا – هي الاكثر تنوعاً على المستويات الدينية والاثنية أو القبلية/الجهوية.
ماذا تبقي هذه الملاحظة من نظرية أن تعدديتنا “الجميلة” فتح من الله ونصر مبين؟
بعد عشر سنوات من اليوم قد تدخل الحرب السورية عامها الـ 13. وضع العراق لن يكون أفضل. في أحسن الاحوال سيكون لبنان كما هو حالياً – دولة فاشلة على شفير الحرب الاهلية. الاحتمال الآخر أن لبنان سينزلق اليها مجدداً. في هذه الاثناء، لعلّ تونس تكون انتقلت مما تسميه السياسة المقارنة “transition to democracy” الى “consolidation of democracy”. من سيعود يصدّق يومها أن لبنان بلد “الرسالة”؟ أساساً من يصدق ذلك الآن؟
من يصدّق ان تعددية سريلانكا المنقسمة بين تاميل وسينهاليز نعمة لها؟ ماذا عن المسلمين والهندوس في الهند؟ أو البنجاب والبنغال في باكستان؟ أو التوتسي والهوتو في رواندا؟ أو الايبو والهوسا في نيجيريا؟
كيفما سرّحت البصر في دول الجنوب رأيت دولاً فاشلة على خلفية بنى مجتمعية تعددية. الوعي الطبقي، لو نشأ، يدفع السياسة باتجاه انقسام يمين/يسار، وهو انقسام حداثي ومطلوب. ولكن أنّى للوعي الطبقي أن ينشأ عندما يكون الانقسام قبلياً؟ (بتسكين الباء). وان كانت حظوظ هذا الوعي أعلى في البلدان الاكثر تجانساً على مستوى الهويات القبلية (تسكين الباء)، فلماذا هذا الغرام بالتعددية المجتمعية؟
لماذا تقوم قيامة الديبلوماسي العراقي الصديق عليّ عندما أقول له أنني مع حق الاكراد بالدولة المستقلّة؟
لماذا نظر اليّ ذلك المعارض السوري شذراً عندما قلت له أن اعادة دمج الدويلة العلوية بالكيان السوري الوليد كان وبالاً عليه؟
لماذا لا تزال تعابير من نوع “تقسيمي”، “انقسامي”، “انعزالي”، حتّى الساعة، رغم كلّ ما جرى ويجري في لبنان، تستحضر لو تجرأ أحدنا على الجهر بـ”الخيانة العظمى” – تأييد الفدرالية؟
طبعاً هناك من لن يستسيغ مقارنة لبنان بسيريلانكا ونيجيريا ورواندا. ممتاز. ماذا عن بلجيكا وسويسرا وكندا؟
هل تلاشى الانقسام العمودي بين والون وفلامند في بلجيكا؟ بل هل هناك ولو مؤشر واحد أنه سيتلاشى في وقت قريب؟
ألم يصوّت 49 % من الكيبيكيين الفرنكوفون على الانفصال عن كندا الانغلو- ساكوسنية؟ هل يشي ذلك بأن هوية كندية جامعة ما تخطّت الشعور الحاد بالتمايز بين الكتلتين المجتمعيتين؟
ربّ قائل إن 51 في المئة في الكيبيك صوّتوا ضدّ الانفصال. السؤال هنا هو التالي: ما هو النظام الذي تمكنت كندا فيه من الحفاظ على وحدتها رغم تعدديتها المجتمعية؟ هي الفدرالية. الامر صحيح أيضا بالنسبة لسويسرا وكندا.
ثم ما كان خيار أهل جنوب السودان عندما أعطوا الخيار؟ الانفصال.
وما كان خيار القبارصة اليونانيين عندما صوتوا قبل سنوات عمّا اذا كانوا يريدون اعادة توحيد الجزيرة؟ اختاروا تأكيد انقسامها.
ماذا يعني كلّ ذلك؟
يعني أن حلّ المجتمعات التعددية يكون أحيانا بالفدرالية، وأحيانا أخرى باعطاء الجماعات حق تقرير المصير، بما في ذلك حق الانفصال. الاندماج القسري طريق سريع صوب الحروب الاهلية والدول الفاشلة. كلّ تجارب دول الجنوب تشير الى ذلك ولبنان ليس استثناء. ثمّ أنه لم يكون كذلك. نقطة على السطر.
باستثناء، طبعاً، ان هناك في لبنان من يستنمي، ثمّ يخال تهويماته فتحاً في علم الاجتماع أين منه غايتانو موسكا.
فشل أكاديمي وبحثي ليس غريباً عمّا الت اليه أحوالنا الزاهرة.