ما علاقة عصابة الـ “PCC” بـ “حزب الله”؟

حجم الخط

كانت الساعة تشير الى الخامسة صباح يوم 28 تشرين الأول، عندما قامت شرطة البيرو بمداهمة إحدى الشقق في ليما واعتقلت لبنانياً يبلغ 28 عاماً ويحمل جواز سفر سيراليونياً. كان يستخدم اسم Muamad Amadar، ولديه رخص قيادة بهذا الاسم، وبطاقة هوية لبنانية باللغة العربية لم يتمكّن ضباط الشرطة من معرفة قراءتها في الحال. ليتبيّن لاحقاً بأنّ هويته اللبنانية احتوت على هويته الأصلية: اسمه محمد غالب همدر، وُلد عام 1986 في حارة حريك، في ضاحية بيروت الجنوبية، والده يدعى غالب ووالدته راغدة.

الموساد هو الذي نبّه استخبارات دولة البيرو الى حقيقة احتمال أن يكون هذا الرجل عميلاً لـ”حزب الله” أُرسل لجمع بعض المعلومات الاستخبارية في ليما. هكذا باتت صفة “الإرهابي” هي المسيطرة على ملف همدر، ما أقلق الكثير من الناس في ليما، لاسيّما لناحية امتلاكه معدات تفجير وآثار نيتروغليسيرين في شقته. وبيّنت الفحوصات أنّ يد همدر اليسرى تحتوي على آثار للنيتروغليسيرين. وقد أبقته الشرطة تحت المراقبة منذ 28 تموز الماضي، عندما وصل الى البيرو من البرازيل.

هذا وعثروا على حاسوبه الشخصي على أكثر من 200 صورة لأهداف استراتيجية في ليما: المطار، وأدوات كشف معدنية، ومصارف، ومراكز للشرطة، ووزارة المالية، وعربات للشرطة، وضباط في الشوارع، بالاضافة الى الأمن الخاص في بعض المؤسسات العامة، والمواقع السياحية والفنادق التي يرتفع أمامها العلم الاسرائيلي.

ولكن المفاجأة كانت عند التحقيق: أعطى همدر الشرطة تفاصيل لم تكن حتى تأمل بالحصول عليها. حيث قال إنّه كان عضواً في “حزب الله”، وأنّه وُظّف في بيروت، حيث حصل على هوية مزورة و”نُصح” بان يتزوّج حبيبته البيروفية لكي يحصل على وثائق إقامة في البيرو. وقد سجّلت الشرطة كل ما ورد في التحقيق.

في 14 تشرين الثاني، بعد جلستي استماع في المحاكم الجنائية في ليما، قرّرت هيئة القضاة ابقاء همدر في السجن خلال التحقيق، الذي سيستغرق عاماً ونصف العام. فالاعتقال الوقائي شائع في البيرو.
غير أنّ القضية ليست بحد ذاتها هي التي أثارت القلق في العديد من مكاتب المخابرات، بل السياق الذي تمّ كشفها فيه. فبعد شهر ونصف الشهر من اعتقال همدر في ليما، قيل إنّ حزب الله كشف عميلاً للموساد في فرع العمليات الخارجية النخبوي. وساعد العميل المزدوج على إبطال عدد من محاولات الحزب الشيعي للانتقام من موت عماد مغنية.

“بعد سلسلة من العمليات الأمنية الفاشلة خارج لبنان، تمكّن “حزب الله” من كشف خلية للموساد داخل صفوفه… وكان ذلك هو الخرق المخابراتي الأخطر في تاريخ “حزب الله””، كما قالت وسيلة إعلام “الجنوبية” يوم الثلاثاء. حيث ذكرت عن لسان “مصادر قريبة من “حزب الله” قولها إنّ الخلية ضمّت أربعة أعضاء من “حزب الله” يعملون تحت قيادة عميل للموساد نجح بخرق الحزب، وشغل منصب نائب رئيس جهاز العمليات الخارجية للحزب (الوحدة 910). ويبدو أنّ هذا العميل المزدوج هو الذي كان يزوّد الموساد بمعلومات عن الخطط التي قيل إنّ “حزب الله” كان يعدّها في عدة مواقع في العالم، بينها البيرو، وبانكوك، وأذربيجان، وربما قبرص.

هل هذه طريقة العمل؟

قصة همدر تشبه قصة حسام طالب يعقوب، وهو سويدي- لبناني اعتُقل في لارنكا عام 2012 واعترف للشرطة بأنّه كان يعمل جاسوساً ومستطلعاً لصالح “حزب الله”. واعترافات الاثنين متشابهة جداً. فيعقوب قال للشرطة في قبرص  إنّ ضابط ارتباط من “حزب الله” يُسمي نفسه “أيمن” وظّفه ولكنّه لم يكشف له أبداً اسمه الحقيقي. وكان يُدفع للشاب اللبناني 800$ في الشهر مقابل استخدام جواز سفره السويدي، وللسفر في أنحاء أوروبا، وتسليم طرود غامضة من دون أن يعرف محتواها ومراقبة الأماكن التي يرتادها السيّاح الإسرائيليون في قبرص وتركيا.

ولا تختلف قصة همدر عن هذه القصة كثيراً. فكان استجوابه يتم بإنكليزية ركيكة، بما أنّ همدر لا يتحدّث اللغة الاسبانية. “كانوا يدربونني على بعض الأعمال والرياضات وعلى استخدام السلاح”، هذا ما سُجّل عن لسانه أثناء التحقيق.

“ما اسمك؟”

“اسمي الأول، الاسم الذي حصلتُ عليه عندما وُلدتُ في لبنان، اسمي الحقيقي هو محمد همدر”.

“هل أنت من “حزب الله””؟

“نعم”.

“منذ متى وأنت عضو ي هذه المنظمة”؟

“2009”.

“ما اسم الشخص الذي أعطاك جواز السفر المزور هذا”؟

“كان يُسمي نفسه… لا أعرف اسمه بالضبط لأنه كان يُسمي نفسه مازن”.

وقال أيضاً إن الاختيار وقع عليه على وجه التحديد بسبب علاقته مع امرأة من البيرو. “كنتُ أعرف كارمن قبل أن يأتي الي “حزب الله”. أرادوا مني أن استغل كارمن، بأن أبقى معها ولكن بأن أستغلّها لأحصل على وثائق من البيرو. لأن جواز السفر البيروفي يخوّلك الذهاب الى أماكن عديدة بدون تأشيرة دخول”، كما قال.

وتماماً مثل يعقوب، نفى همدر أن تكون له أي معرفة بأي اعتداء كان يخطّط  “حزب الله” لتنفيذه في ليما. وقد أصرّ على أنّه عمل فقط على تقديم معلومات عن المواقع والأمن.

“في كل مرة أسافر فيها، يسألونني كيف تسير الأمور في أي مطار أذهب اليه”.

“حزب الله”؟

“نعم”.

خلال جلسة الاستماع التي دامت ساعتين في 14 تشرين الثاني، شرح همدر سبب موافقته على هذا الاتفاق: “معظم الناس في بلدي يوافقون “حزب الله” في ما يفعله لأنّه حماية [لنا ودفاع عنا]”، قال في المحكمة. واستخدم يعقوب كلمة دفاع نفسها خلال جلسة الاستماع في المحكمة في ليماسول، قبرص.
ولكن شهادتهما أدّت الى إعطاء عينة عن عمليات “حزب الله” المزعومة في الخارج: كل مُستطلع لديه مسؤول عنه يلقّنه المهمات المطلوبة منه ولكنه لا يكشف هويته السرية، والمستطلعون يكونون من اللبنانيين الشيعة الذين يملكون جنسيتين أو هوية مزورة تسمح لهم بالسفر من دون الحاجة الى تأشيرات دخول.

أما السؤال الذي يُطرح فهو: ما الذي يفعله “حزب الله” بكل هذه المعلومات؟ يشير العديد من المحللين الى تفجير بورغاس في بلغاريا. فقد أصدر المحققون البلغار قراراً ظنياً بعضوين من “حزب الله” بتهمة التآمر، وتعقبوهما الى لبنان وطلبوا من الدولة اللبنانية أن تتسلّمهما كمجرمين.

من صاحب هذه المؤامرة؟

رفض “حزب الله” أن تكون له أي صلة بتفجيرات بورغاس. ولم يعلّق “حزب الله” رسمياً على قضية همدر، ولا قال أي شيء رسمي في ما يتعلّق بالقبض على العميل المزدوج الذي باع أسراراً الى الموساد.

وقد عرض الموقع الإلكتروني لقناة المنار التابعة لـ”حزب الله” قصة إخبارية حول همدر في نسختها الاسبانية، وسمى القصة “مناورة أخرى للموساد ضد”حزب الله””. وتنقل القصة تصريحات همدر في المحكمة في 14 تشرين الثاني، عندما قال إنّه أُكره على توقيع التصريح الذي اعترف فيه بأنه كان يعمل مع “حزب الله”.

“الضغط أثناء التحقيق، ووجود عملاء للموساد، والأدلة الواهية مثل صور مطار ليما، واستخدام مواطن لبناني ينكر أي صلة له بـ”حزب الله”، كلها مكوّنات لمحاولة جديدة للموساد لتوريط الحزب اللبناني في مؤامرة خائنة والقضاء على سمعته في أميركا اللاتينية وعلى المستوى الدولي”، كما ورد في تقرير المنار.

ولكن هل هذه مؤامرة للموساد للترويج لفكرة أنّ “حزب الله” لا يزال يحاول تفجير مواطنين إسرائيليين في الخارج، او أقلّه يطارد بعض أعضائه أهدافاً اسرائيلية بهدف الانتقام من اغتيال عماد مغنية، القائد العسكري في “حزب الله” الذي قضى في تفجير سيارته في سوريا عام 2008؟

في أحد التسجيلات التي تعود للشرطة البيروفية والذي عُرض على تلفزيون لاتينا في البيرو، لم يبدُ على همدر بأنّه مُجبر على الكلام بل بدا راغباً في التعاون. ويعقوب لم يبدُ أيضاً مُكرهاً على الكلام في المحكمة في ليماسول، حيث كان موقع “NOW” حاضراً.

قلّة من اللبنانيين المتواجدين في بيروت وافقوا على الحديث عن شؤون “حزب الله”، لا سيما عن عملياته العسكرية، الى وسائل الاعلام غير التابعة للحزب. ومن وافقوا على الحديث الى “NOW” طلبوا عدم ذكر أسمائهم لأسباب واضحة.

أحد المصادر قال لـ “NOW” إنّه سيبدو أمراً سيئاً لو أن “حزب الله” لم يحاول الانتقام لموت مغنية ولم يعاقب إسرائيل على اغتياله. “بالتأكيد أنّ “حزب الله” لا يزال يحاول الانتقام لعماد مغنية، لا شك في ذلك”، قالت مصادر أخرى لـ” NOW”.

“والسبب ليس مغنية بحد ذاته، بل رغبة “حزب الله” بالدفاع عن قادته. وهو تماماً مثل اسرائيل، التي عندما تتعرّض لاعتداء ما، تردّ على الاعتداء لكي لا تعطي أعداءها سببا للاستمرار في الاعتداء عليها. و”حزب الله” يقوم بالأمر نفسه، وهذا الأمر طبيعي جداً لحزب مثل “حزب الله””.

أحد المحللين التابعين لـ “حزب الله” في بيروت رفض أيضاً الكشف عن اسمه، ولكنه قال إنه لم يكن لديه أي أمل بكشف أي معلومات رسمية في أي من القضيتين اللتين كان يحقّق فيهما موقع”NOW”.

“ولكنّي غير متفاجئ بكشف “حزب الله” وجود عميل للموساد بين أعضائه، حتى لو أنه تجسّس على مستوى عال ولكل هذا الوقت”، كما قال. “هناك الكثير من القصص التي حدثت في الماضي التي تؤكد إمكانية أن تكون هذه القصة صحيحة. ففي الماضي، كان “حزب الله” يتمتع بمناعة أعلى، وكان يحمي نفسه جيداً. ولكن مؤخراً تم كشف وجود الكثير من الجواسيس للولايات المتحدة ـ وهذا يظهر أنّ “حزب الله” خسر بعض حصانته”.

المصدر:
NOW LEBANON

خبر عاجل