تشكل مناسبة استلام الدفعة الأولى من البطاقات الحزبية في “القوات اللبنانية” محطة تاريخية مضيئة على طريق بناء مؤسسة حزبية حديثة ومتطورة، هي حزب “القوات اللبنانية”.
تعيدني هذه المناسبة بالذاكرة إلى المراحل النضالية التي سبقت وأسست لهذا اليوم التاريخي، معظمها مراحل أليمة وصعبة جرت خلال الحرب العسكرية التي شُنَّت على اللبنانيين عموما والمسيحيين في شكل خاص، والتي دفعت “القوات اللبنانية” إلى الذود عن الوطن وأبنائه، أو تلك التي جرت خلال فترة الحرب الأمنية التي شنت أيضا على “القوات اللبنانية” من قبل الإحتلال السوري والنظام الأمني المشترك وأدواته المحليين.
من الطبيعي، لا بل من الواجب أن نتذكر في هذا اليوم، بكل اعتزاز، الرفاق والأصدقاء الذين استشهدوا على مذبح لبنان في سبيل قضاياه السامية. إننا نأسف لغيابهم ونفتقدهم أفرادا وبطولات، هم الذين ساهموا من خلال استشهادهم، في تحقيق هذا الإنجاز الكبير. إذ لولاهم لا حرية ولا مقومات لأي عمل حزبي في لبنان، بل لا لبنان أصلا. كذلك بالنسبة إلى الشهداء الأحياء الذين أعطوا جزءا من ذاتهم في سبيل الوطن. فإلى كل هؤلاء ننحني إجلالا وتقديرا لتضحياتهم. المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
ولا بد في هذه المناسبة من التنويه أيضا بالجهود المميزة التي قام بها ولا يزال قائد هذه المسيرة الطويلة والمفعمة بالتضحيات، الدكتور سمير جعجع، والذي أدت نضالاته وحكمته إلى الوصول إلى هذه المحطة اللامعة من تاريخ “القوات اللبنانية”، إلتزاما وتنظيما وتأسيسا لمزيد من التوسع والرسوخ. فالتقدير لتضحياته الجبارة التي قدمها طوال حياته النضالية والوطنية، والتي كانت أسماها التضحية بحريته على مدى أحد عشر عاما ونيف دفاعا عن المبادئ والقيم المؤمن بها والمؤتمن عليها. وقد استمر في العطاء بعد عودته إلى الحرية، من خلال العمل اليومي والمتابعة الدؤوبة لبناء حزب عصري ومتطور، يضاهي أفضل الأحزاب المرموقة عالميا، تنظيما وريادة وعقيدة. العزة والكرامة للقائد الحكيم.
وإن استذكار المرحلة الصعبة التي تم خلالها حل الحزب زورا وتجنيا، وتنفيذ الاعتقالات والاغتيالات والتهديدات والتعذيب والتنكيل وغيرها من الممارسات القمعية المصممة آنذاك على إلغاء “القوات اللبنانية” جسدا وروحا وقناعة وانتماء، يؤدي حكما إلى الإضاءة على الدور الحاسم الذي لعبته رفيقة الدرب والنضال، النائب ستريدا جعجع، التي استطاعت بفضل مزاياها الإستثنائية وبالرغم من الصعوبات والمعوقات القاسية جدا، أن تحافظ على “القوات اللبنانية” حركة حية بانتظار عودة القائد إلى الحرية وتسليمه الشعلة بأقل ضرر ممكن. التحية والتقدير لصاحبة الوفاء.
وإن ننسى فلن ننسى رفاقا مناضلين ملتزمين بالقضية ومؤمنين بأن النصر حليف الساعين إليه بإخلاص وثبات أطال الزمان أم قصر. لن ننسى رفاقا مسؤولين في القوات من كل المستويات بذلوا من ذواتهم في غياهب الزمن البائس، وأعطوا من جهدهم وتعبهم، بعد عودة نبض الحرية إلى الحزب، فكانوا العين الساهرة إلى جانب الحكيم واليد الناقشة في الصخر والدم الزاخر في عروق القضية. تكاملت معهم الإرادات وتعاضدت السواعد فتحقق إعلاء مداميك هيكل المقاومة واتقدت روحها من جديد، وصولا إلى هذا اليوم التاريخي. الفخر والثناء للمناضلين الشرفاء.
في هذا اليوم يتأكد أكثر فأكثر أن “القوات اللبنانية” هي فعلا مؤسسة نحو المستقبل، يرفدها باطراد دم الشباب المتدفق إليها بزخم أكبر من جيل إلى جيل، وحكمة الثابتين على الوعد منذ فجر المقاومة ولا يزالون، وشموخ القيادة الذي لم يحده لا ضيق المعتقلات ولا صغر نفوس الحاقدين. أثبتت “القوات اللبنانية” كما دوما أنها أمل الأجيال وملجأ المتشبثين بالإيمان والصخرة التي تتكسر عليها كل مخططات الحل والقهر والإلغاء. وأنها ستبقى ذاك الصرح المرتكز على أسس وقواعد ثابتة – تتطور بطرق عصرية تتلائم مع الواقع اللبناني – وتستمر على يد جيل الشباب الجامعي الصاعد الذي أظهر خلال السنوات الماضية إلتزامه الواعد بالقوات وكفاءته الوافية على إحداث التطور المطلوب.
فهنيئا لنا جميعا وهنيئا للبنان بهذه الريادة الفريدة في التنظيم الحزبي وهذه الصلابة النزيه في العمل المقاوم، وطبعا بانطلاق عملية تسليم البطاقات الحزبية مع ما تحمل من مدلولات وشرارات توهّج.