حاجز البربارة… المدخل الشمالي للمناطق المحررة

حجم الخط

حمت المقاومة اللبنانية على مدى سنوات الحرب مجتمعها وشعبها وقدمت كل ما يمكن من أجل البقاء وحصّنت هذا الوجود أمنياً و أقتصادياً. و كانت في كل مرة الحصن الأمين لناسها عندما كانوا يتعرضون للاعتداء.

في الثاني و العشرين من نيسان 1979 كان قسم عمشيت الكتائبي يتحضّر للقيام بمناورة تدريبية في قرية قديمة تدّعى “بجرين” تقع شمالي شرقي بلدة عمشيت، وكان مكان التجمع في مركز القسم الذي هو حاليا مركز مطرانية جبيل المارونية. وإذ بعامل الاشارة يلتقط على جهازه PRC 25  موجة قوى الأمن الداخلي التي تتحدث عن وجود قتلى في بلدة شموت الجبيلية، حيث ارتسمت على محياه عوامل الدهشة.  فأبلغ المسؤول ما التقطه جهازه بالصدفة وإذ بعد دقائق يأتي الخبر بأن هناك عملية تصفية لناس عزل قامت بها ميليشيا “المردة” بالتعاون مع جيش الأسد وبدفعٍ منه. فوراً توجهت القوة إلى شموت وكذلك توجهت قوى عسكرية كبيرة من المنطقة وقوة من المدرعات من ثكنة عمشيت لـ”الوطنيين الاحرار” .

روى أحد اهالي البلدة ما حدث: “دخلت مجموعة من المردة باللباس العسكري لحزب الكتائب إلى منزل إميل خوري الذي يقع قبل كنيسة البلدة حيث كانت هناك سهرة راقصة وذلك ليل السبت في 21 نيسان 1979 حيث بادروا الساهرين بالسؤال: “من هو كتائبي يقف هنا ومن هو ليس كتائبياً يقف من الناحية الأخرى”. فظن الجميع أنه لا ضرر من الوقوف في المكان الذي حدد للكتائب، وبوحشية ظاهرة أعدم ثلاثة عشر شهيداً عزّل من الصبايا والشباب الذين كانوا في السهرة ومن ثم انسحبت المجموعة المجرمة على ذات المسلك الذي سلكته حتى بلدة فغال حيث كانت هناك سيارات مدنية أقلتهم الى وجهتهم”.

على الأثر، وبعد أنتشار الخبر أبلغ المجلس الحربي بقيادة الرئيس بشير الجميل مفوض قسم عمشيت الكتائبي بأن يقفل منطقة جبيل لناحية الشمال وذلك بأقامة حاجز في قرية البربارة الساحلية على الطريق العام، وبالتشاور مع قائد منطقة الشمال آنذاك الدكتور سمير جعجع وضع حاجز البربارة حيث أصبح هناك تدقيق للعابرين إلى المنطقة الحرة عبر هذا المعبر، وذلك لمنع الأعمال الأمنية التي كان السوريين يحضرون لها بالتعاون مع الميليشيات المتعاونة معهم.

وهكذا أقيم حاجز البربارة في 22 نيسان 1979 بعناصر من منطقة جبيل وتحديدًا شباب عمشيت في بادئ الامر ومن ثم لاحقاً بعناصر من ثكنة القطارة حيث بعد وقت قصير أقيم حاجز في منطقة “صليّب غلبون” عرف بحاجز “عين كفاع” الجبيلية نظرًا لأنه يؤدي الى قرية عين كفاع. وهكذا اصبح الدخول إلى منطقة جبيل شمالاً يتم عبر معبرين “حاجز البربارة” و “حاجز عين كفاع” وكان التنسيق الامني في ذلك الوقت يتم مع رئيس جهاز الامن “ايلي حبيقة ” لجهة التحقيق مع المشبوهين أو العناصر المخربة.

وهكذا أصبحت المنطقة الشمالية آمنة ولم يعد هناك من عمليات على القرى الآمنة عبر هذين المعبرين. وقد تعرّض هذا الحاجز لعمليات أمنية عدة ولكن بقي العين الساهرة على أمن المواطنين الذين كانوا يعيشون في المناطق المحررة كما أيضاً على اقتصادهم.

بعض مشوهيّ تاريخ المقاومة اللبنانية يذكرون حاجز البربارة ويضيفون سريعاً عبارة “ربطة الخبز” أو كان الحاجز ضد  “سنّة” الشمال. في أحد الايام من عام 1987 أتصل الوزير “فكتور قصير” الذي كان وزير الاقتصاد والتجارة والصناعة والنفط  بالدكتور جعجع، و قال له إن الدولة اللبنانية تدعم القمح ولكن هناك عجز ناتج عن تهريب الخبز إلى سوريا و قبرص، و طلب منه مساعدته دعماً للأقتصاد اللبناني ومن إجل أن يستطيع تأمين الطحين المدعوم للبنانيين بالقيام بما يستطيعه في هذا المجال.

فما كان من الدكتور جعجع إلا أن أوعز الى المعابر البرية والبحرية التي كانت تحت سلطته: “يحق لكل مواطن ينتقل الى المناطق المحتلة بربطتين من الخبز يومياً”، و أكثر من ذلك تصادر الكمية وهكذا اوقف تهريب “خبز اللبنانيين” إلى سوريا واستطاعت “القوات اللبنانية” أن تساعد الدولة للوقوف في وجه التدمير الاقتصادي للبنان وحرم اللبنانيين من لقمة عيشهم.

أما ما يختص في موضوع “سنّة” الشمال على العكس، لقد قامت “القوات اللبنانية” بحماية “السنّة ” من أهل الشمال الذين كانوا يقاومون السوريين حيث كان ينكّل بهم ويخطفوهم ويقتلوهم و ذلك بتوفير المأوى والمأكل والحماية لهم في المناطق المحررة.

حكّي الكثير عن حاجز البربارة، ولكن من أجل تبيان الحقيقة التاريخية كتبت هذا المقال الذي هو بمثابة وثيقة تؤرخ الاحداث وترد على التساؤلات بأجوبة شافية وانطلاقًا من هذه المعلومات  التاريخية اصبح لدى المتعاطين بالشأن السياسي وثيقة يستطيعون الركون اليها عند تناولهم هذه المسألة.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل