مئة عام ونيّف مرت على ما ارتكب من مجازر بحق شعبٍ آمنٍ، مسالم يعيش في وطنه وأرض أجداده. فمنذ مئة عام ونيّف قرر أحدهم في السلطنة العثمانية أنذاك، إبادة المسيحيين وطردهم من أرضهم، وسلّم الأمر لضباط مرتزقة في جيشه فكان ما كان: “إحتلال، تدمير، سرقة، قتل، تنكيل ، تمثيل بالجثث، إغتصاب للفتيات والنسوة”، وهذا ما حصل مع أكثر من نصف مليون إنسانٍ مسيحييّ سرياني من بلاد ماردين واورفا وديار بكر وطور عابدين.
منذ مئة عام ونيّف، قتل جدّ والدي وأعمامه مِن مَن تجاوز الثانية عشرة وطردت جدته ومعها من اولادها من هو تحت الثانية عشرة ومنهم جدّي، طردوا من ارضهم في اورفا Orfa، ومثلهم بلدات مسيحية سريانية بأكملها، فحط الرحال في متصرفية جبل لبنان.
منذ مئة عام ونيّف، إختارت والدة جدي لبنان دون باقي دول الجوار لتنتمي عائلتها اليه بعد ان طردت من ارضها، فصار لبنان ” لبناننا” ارضنا ووطنا وهويتنا، اصبح سبب وجودنا وحضورنا، حضور المسيحيين في هذا الشرق المعذب بإضطهاداته لهم.
أما اليوم، في 23 نيسان 2015، بعد مرور مئة عام ونيّف على إستقرار جدودي في هذا الوطن، وأنا من الجيل الرابع من هذا الشعب السرياني المسيحي المضطهد، ولدت في لبنان “لبنانيّ سريانيّ مسيحيّ مشرقيّ”، ورافقني طوال فترة نمويّ ووعيي، ومعرفتي وفي كل ما تعلمت، أنني لبناني سرياني مسيحي، اعتنقت إسمه، آمنت بوجوده، انه وطني الذي لأجله حارب جدي ووالدي واعمامي وابناؤهم، لتثبيت الحضور المسيحي في هذا الشرق ناضلوا ونناضل،. وخطيئة اجدادنا لن نرتكب، لن نترك الارض دون قتال، لن نسلّم تاريخنا وحضورنا دون نضال، لأن الارض التي لا ترتوي بدماء ابنائها، لا تنبت فيها الحياة ولا تكون لهم موطئاً للحياة.
منذ مئة عام ونيّف، مات شعبي دون قتال، وبعد مئة عام ونيّف شعبي يموت ولكن بالنضال للبقاء والوجود والحضور المسيحي الحر والفاعل في هذا الشرق.
انظر في التاريخ، الى تاريخنا، فيترائ لي القديس بولس والكنيسة الاولى التي اضطهدت ونكّل بها لأنها أشهرت إيمانها بيسوع المسيح، اقرأ في ما تعرض له شعبي، فأجد نفسي في روما الوثنية التي رمت المسيحيين الى الأسود لمجرد أنهم مسيحيون رفضوا أن ينكروا المسيح المخلص. أغمض عينيّ لأتذكر أرض أجدادي كما وصفها لي الكبار من قومي، فإذ بي مع القديس أوغسطينس أحاول أن أمنع الشعب من الخوف والهرب من وجه المحتل المجرم، لأن الإيمان بالمسيح والشهادة له لا تعني أن نضع رؤسنا في الأرض مسلّمين أرواحنا لجزارينا، لأننا في ذلك كالذين ينحرون أنفسهم ويقتلون أرواحهم ويحكمون عليها بالقصاص الأبدي.