منذ أيام اطلق رئيس الهيئة الشرعية في “حزب الله” الشيخ محمد يزبك موقفاً، رفض فيه عودة ما اسماها “المارونية السياسية”.
اولاً: اذا كان كلام الشيخ محمد يزبك من باب الغمز من قناة المصالحة المسيحية بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، فان هذا الكلام دليل واضح على عقلية مستحكمة بالكثيرين من الفرقاء اللبنانيين منذ سنوات بمنع توحيد المسيحيين، لان في استمرار تشتتهم وانقساماتهم إضعافاً لهم، وبالتالي تسهيلاً لابتلاع القوى الأخرى لتمثيلهم وقوة شعبيتهم وتذويبها في احزابهم وتكتلاتهم. فقد ولى زمن استفراد المسيحيين وولى زمن اللعب على لأن وحدة المسيحيين اساس لوحدة لبنان كما كان اصلاً الوجود المسيحي الحر، اساساً لوجود لبنان. فاستضعاف المسيحيين عبر التاريخ الحديث جر الويلات على لبنان كله وقد اثبتت التجارب انه عندما وهن الجسم المسيحي وهن لبنان كله وبتعافي هذا الجسم يتعافى لبنان كله. فالمسيحي – ولانظن ان الشيخ يزبك يجهل تلك الحقيقة – لطالما كان جسر عبور وتواصل وتأخٍ بين المسلمين في البلد من دروز وشيعة وسنة، أينما وجد جغرافياً وديمغرافياً.
فاذا كانت المصالحة المسيحية المارونية تحديداً مزعجة لـ”حزب الله” وتثير لديه هاجس عودة مارونية سياسية ما، فليبدأ هو وحزبه اولاً بالتوقف عن السير في شيعية سياسية أخذت البلاد ولا تزال الى مدارك مقلقة داخلياً واقليمياً ودولياً، وخطفت لبنان دولة وشعباً ومؤسسات لحساب اجندات اقليمية ومحاور خارجية متصارعة.
ثانياً: طبعاً لسنا من هواة ولا دعاة عودة المارونية السياسية، مع اننا نجد هذا التعبير مبتذل وبائت، لأن الموارنة وحتى في عز تمتعهم بالسلطات الدستورية لرئاسة الجمهورية لم يمارسوا في غالبية الاحيان تلك السلطات والصلاحيات الا بالتوافق والتنسيق مع المكون اللبناني المسلم وبكامل مراعاة له ولدوره الأساسي والتأسيسي في الجمهورية، ونذكر كيف عندما ارد الرئيس بشاره الخوري في ايلول 1952 استخدام حقه في إقالة رئيس الوزراء والحكوم، بموجب المادة 53 من الدستور السابق، لجأ الى تقنية اعتبار حكومة الرئيس سامي الصلح مستقيلة كتعبير ملطف لاقالة رئيس الوزراء والوزراء، كما جاء في كتاب الرئيس بشاره الخوري (حقائق لبنانية – الجزء الثالث – ص. 466-467 )، في وقت لم يلجأ الرئيس الماروني في سائر الحالات الا الى عرف تكليف احد رجال الدولة السنة بتأليف الوزارة واصدار رئيس الجمهورية مرسوم منفرد بتسمية رئيس الوزارة ومن ثم اصدار مرسوم اخر بتوقيعه وتوقيع رئيس الوزارة بتعيين الوزراء .
فلو اراد اي رئيس ماروني يومها استخدام صلاحياته الدستورية بالاقالة والتعيين لما كان بحاجة الى العرف، وهو نفس العرف في اتفاق الطائف.
فاذا قارنا هذا المثال من عدم التفرد على المستوى الدستوري والوطني لرئيس جمهورية ماروني كان يمتلك من الصلاحيات الدستورية والشرعية ما يكفي للاستئثار والانفراد والتفرد، ومع ذلك فضل التنازل عنها واعتماد اسلوب تلطيفي وتوافقي وتألفي، فما بالنا بـ”حزب الله” الذي يفترض به ان يكون كمكون سياسي متساو مع المكونات الأخرى وطنياً ومذهبياً وطائفياً، لا ميزة دستورية ولا شرعية ولا وطنية له على سواه، ومع ذلك ضرب عرض الحائط ولا يزال بالتوازنات الداخلية والثوابت الميثاقية وراح يتفرد بقراراته غير الوطنية وغير الميثاقية ويستفرد بلبنان دولة ومؤسسات لشلها وشل قدراتها على مواجهة التغيرات الاقليمية المحيطة، وصولاً الى تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية من دون اي مراعاة للتوازنات الوطنية والحساسيات الطائفية والمذهبية، آخذاً لبنان واللبنانيين الى مواجهات مجهولة التنائج والعواقب .
فاذا كانت المارونية السياسية تألفية وملطفة، فماذا نقول عن شيعية سياسية حزباللهية (كي لا نظلم الطائفة الشيعية الكريمة بالتعميم) لا تألف في نهجها ولا تلطيف ولا مراعاة للخصوصيات والحساسيات المذهبية والطائفية بين الداخل والخارج ولا مراعاة حتى لمصلحة لبنان واللبنانيين عموماً؟
ثالثاً: يبقى ان نذكر الشيخ محمد يزبك ان البديل الطبيعي لزوال الطائفية السياسية او المذهبية السياسية يبقى في الغاء الطائفية السياسية التي نص عليها الدستور والذي يحجم الى اليوم رئيس المجلس النيابي حليف الحزب، عن وضع قطاره على سكة طريق الالف ميل، كما ان زوال اي طائفية او مذهبية سياسية يجب ان يكون لحساب الوطن والولاء للوطن ولمصالح ابناء الوطن اولاً، وليس انتقالاً من مذهبية سياسية الى مذهبية سياسية اخرى.