الشهادة للبنان

حجم الخط

تحولت ذكرى الشهادة في لبنان الى مناسبة شكلية تتكرر كل عام هائمة على سطح الاحداث لا تؤثر ولا تتأثر بها… وكأنها باتت في عالم آخر مختلف عن العالم الذي من اجله سقط للبنان شهداء على مر تاريخه.

اذا عدنا بعجالة الى تاريخ الشهادة في لبنان لاكتشفنا ان القسم الاكبر من شهدائنا سقطوا دفاعاً عن مثل عليا اعتنقوها وامنوا بها حتى التضحية البنفس والحياة… وليس اخرهم من سقط اثناء الحرب الاهلية وابان انتفاضة الاستقلال الثانية عام 2005.

لكن تلك المثل لحقها التشويه والتحريف وللاسف احيانا من قبل المؤتمنين على الشهادة وعلى تضحيات الشهداء – وعدنا جميعا نتيجة لذلك وفي بعض المفاصل الاساسية من السايسة اللبنانية الى المربعات الاولى التي استشهد من استشهد من اجل تجاوزها … ليس اقلها مربع الطائفية والمذهبية وصولا الى مربع التبعية والانفصال عن لبنان من اجل اللحاق بالخارج.

دعونا نتشارك في وقفة ضمير وصراحة بعض الملاحظات الآتية:

اولاً: الى اي حد تمكن لبنان وعلى الرغم من الفاتورة البشرية الباهظة التي تكبدها في خلال احداث تاريخه الحديث – من الخروج من تبعية اللبنانيين وتأثرهم بالخارج المحيط والبعيد؟ فبعدما كنا نتأثر بالحملات الصليبية ومن ثم الحملات الاسلامية ومن ثم الانتدابات ومن ثم الاحتلالات والوصايات، بتنا اليوم نتأثر ببقاياً ما زرعه كل هؤلاء في نفوسنا… حتى تأثرت ولاءاتنا للوطن –  بشكل او باخر – بهذا الموروث التاريخي والفكري والثقافي الذي تركه المستعمر والغازي والمحتل والمنتدب…

والحق يقال ان البعض عرف كيف يقلل من تأثره في سبيل لبنان اولاً اكثر من البعض الاخر… كما ان الحق يقال ان البعض عرف كيف يغلب لبنانيته على عواطفه ومشاعره انتمائه الفكري – الثقافي الى خارج من هنا او هناك – فيما اثبتت التجارب يوماً بعد يوم ان قسم اخر من اللبنانيين – وعلى الرغم من انخراطه الشكلي واحيانا الدستوري المؤسساتي في العمل الوطني – لا يزال قلبا وفكرا وثقافة في الخارج ومرتبط به اكثر بكثير من ارتباطه بدولته ووطنه وهويته الوطنية الذاتية.

ثانياً: لطالما رأى المستعمر والمحتل والغاصب لبنان من زاوية انه لا يعدو كونه  تجمع طوائفي مذهبي متناحر يسهل في اي وقت الهابه وشقه وتقسيمه – كما يسهل في اي وقت اعادة توحيده ولو بالشكل – خدمة ليس لمصالح لبنان… بل لمصالح المنطقة والعالم ووفق ما تقتضيه تلك المصالح… وفي المقابل لم يفعل اللبنانيون شيئا لكسر هذه الحلقة المفرغة الا اذا استثنينا محطتين اساسيتين: الوحدة الوطنية لنيل الاستقلال عام 1943 … والوحدة الوطنية للبنان اولا عام 2005 … وحتى في تلك المحطتين كانت ثمة فئات لبنانية لم يرق لها التوحد ولم يرق لها ان ترى لبنان اولاً واستقلالاً لبنانياً اولاً… لان الثقافة المتوارثة لهذا البعض كانت ولا تزال ترى في الاستقلال والسيادة الوطنية نقيضاً طبيعياً لمصالح الخارج المنتمي اليه والتابع له…

فكم كان ولا يزال الى الان من السهل على بعض اللبنانيين اعلان ولائهم وانتمائهم للخارج اكثر من سهولة اعلان ولائهم وتبعيتهم للبنان، رغم ان دستور الطائف قد حاول بجملة سحرية بقيت الى الآن مفرغة من اي محتوى بقوله “ان لبنان وطن لجميع ابنائه…”.

فهل عنوا بالوطن مربض خيل موقت لحراس قافلة المصالح الاقليمية الدولية المحليين؟ ام قصدوا بالوطن ارضاً وشعباً ودولة وسلطة وسيادة واستقلالاً…؟

ثالثاً: شهداؤنا على مر التاريخ وعلى اختلاف مشاربهم وعقائدهم وانتماءاتهم سقطوا فداء للبنان تصوروه مثاليا يستحق الموت والدماء والدموع … فماذا فعلنا نحن بهذا اللبنان؟ ونحن جميعنا سقط في امتحان الدستور والحافظ على الحياة الدستورية بدءا من انتخاب رئيس للجمهورية بديهية البديهيات.

ماذا فعلنا باستقلالنا وسيادتنا وبتنا كلنا ننتظر من هنا وهناك حلحلة ما في ملف اقليمي او تفاهماً ما في ملف دولي… فحولنا ولا نزال لبنان الى ساحة وسلعة ولربما عملة مقايضة… نرتضيها على انفسنا وبانفسنا وعلى حساب انفسنا واجيالنا الطالعة؟

اهكذا يكون الوفاء للشهداء؟

اهكذا نكرمهم بالفعل لا بالقول والشعر والمواقف الفولكلورية؟

اهذا هو اللبنان الذي اؤتمنا عليه بدمائهم الذكية؟

اي شهادة ستشهد لنا من العلى ونحن اهل الارض والتاريخ والثقافة والارث والتراث تنكرنا لذواتنا ولا نزال؟

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل