إنّهم إخوة الصليب وأخوات يسوع المصلوب الذين أتوا من لبنان الى إيطاليا برفقة العشرات من مُحبّي روحانيتهم في رحلة حجّ دامت أكثر من أسبوعين بقيادة مرشدهم وخبيرهم القانونيّ الأب حنا خضره الأنطوني.
إنهم رهبانيتان مارونيتان، واحدة نسائية وأخرى رجاليّة، تجمعهما روحانيّة واحدة ونمط حياة واحد وقوانين واحدة وتاريخ واحد. يُقيمون في بلدة مشحلان في أبرشيّة جبيل المارونيّة في الدير الذي بنوه بمال المحسنين وعمل العناية الإلهيّة، وقد ثبّتهم “تحت الإختبار” غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي يوم كان أسقفاً على أبرشيّة جبيل المارونيّة. وقد أنْجِزَت قوانينهم وهم ينتظرون مرسوم التثبيت النهائي.
أتوا من لبنان يشهدون في هذه الأرض الإيطاليّة بعيشهم وفقرهم وتجرّدهم وفرحهم وقناعتهم وبساطة حياتهم وإلتزامهم بتحقيق القداسة وعيش جذريّة الإنجيل ليسوع الفقير والمشرّد.
قد زاروا على مدى أسبوعين أماكن الحجّ في إيطاليا إنطلاقاً من روما الى شيتا دي كاستيلو حيث قبر ودير القديسة فيرونيكا جولياني، الى أسيزي وجبل لا فيرنا متتبّعين خطى مُلهمهم مار فرنسيس الأسيزي، وصولاً الى بادوفا وجيوفاني روتوندو وبومباي، وبولونيا وانتهاءً بروما.
كانوا يزرعون طرقاتهم بالصلوات والأناشيد، ويسجدون لساعات طويلة أمام القربان وقبور القديسين، مُستثْمِرين كلّ دقيقة بتمجيد الربّ. يسيرون في الشوارع حفاة القدمين، لا يحملون في جيوبهم فلساً واحداً، وجوههم متهلّلة بالفرح والسلام، لا يتركون إنساناً مُهمَلاً إلاّ وينْحنون عليه، ولا يجدون ضالاً إلاّ ويحملون له الفرح. طعامهم بسيط وفقير يأكلون على حفاف الدروب بقناعة وبدون تذمّر، شاكرين الله على كلّ عطيّة. المسابح لا تُفارق أيديهم، لباسهم محتشم يُغطّي كامل عري أجسادهم، لا يتعبون من السير ولا من الصلاة والعبادة.
كان الناس مُعجبين بهم وبروحانيتهم وتجرّدهم، فكانوا يتقرّبون منهم، يسألون عن موطنهم وكنيستهم وقدّيسيهم. وكان الأساقفة والكهنة يندهشون عندما يرونهم يرتمون على أقدامهم طالبين منهم البركة. ينهضون عند الفجر للصلاة ولا ينامون إلاّ بعد صلاة الليل وقد اعترف كلّ منهم بخطاياه صغيرها وقليلها.
لقد تتوّج حجّهم بلقاء البابا في ساحة مار بطرس في 16 تشرين الثاني 2016. فقد حضروا قبل بزوغ الفجر واحتلوا المكان المُخصّص لهم قرب كرسيّ البابا. وكان برفقتهم مرشدهم الأب حنا خضره الأنطوني. لقد ملأوا وقتهم بالصلاة الى حين بداية الإحتفال عند العاشرة.
لقد ذكرهم البابا في كلمته الترحيبيّة كما ذكره سكرتيره الخاص القبطي المنسنيور يوأنس لحظي جيد في سياق ترحيبه بالوفود العربيّة. كان الكرادلة والأساقفة يأتون إليهم ليتعرّفوا على روحانيّتهم وبلدهم، وكانوا يندهشون لسرعة ركوع هؤلاء الرهبان أمامهم لأخذ البركة. لقد تبادلوا العناوين مع عشرات الكرادلة والأساقفة.
فبعد نهاية اللقاء جاء سكرتير البابا القبطي الأصل وسلّم عليهم وشجّعهم على السير في هذه الروحانيّة الجذريّة، وأعطاهم موعداً لزيارته في مكتبه في الفاتيكان عند الرابعة وأرسل لكلّ واحد منهم سُبحة باباويّة. لم يتمكنّ الجميع من الحضور بسبب ضيق الوقت. أمّا اللحظات التاريخيّة التي انتظرها هؤلاء الرهبان والراهبات في لحظة مرور موكب البابا بقربهم وهو عائد من جولته على المؤمنين في ساحة الفاتيكان. فقد علت الهُتافات والأناشيد وانهالت الدموع وعندما اقترب منهم وشاهد عري أقدامهم والمسابح في أيديهم وهم ساجدون على ركبهم انحنى إعجاباً أمامهم وباركهم… وتابع سيره.
إنّ حياة هؤلاء الرهبان والراهبات ومحبّيهم تُجسّد روحانيّة البابا فرنسيس. فهم صيّادو الفقراء والمشرّدين والضالين والتائهين ومتعاطي المخدّرات والمجرّبين وفاقدي المعنى والرجاء “والزعران” يقصدونهم في أماكنهم وعقر دارهم حاملين لهم المسيح وسرّ السلام، ولا يعودون من عندهم إلاّ بعد أن يُعيدوهم الى الربّ والمسيح.