رغم حملات التشوية المتعمدة ضد المجتمعات الغربية بعامة من قبل من عُرف عنهم تاريخياً رفضهم الشديد للاختلاف وللتعددية ومقتهم الملاحظ للحرية وللتطور، تبقى العلامة الفارقة حول المجتمع الغربي بعامة هي تقديره واحترامه لكرامة الإنسان، فما يميز السلوك الاجتماعي الغربي التقليدي هو حثه على الصدق والحرص على الأمانة وعلى تقديس النفس البشرية، فالاهتمام الغربي بتكريس مبادئ الصدق والاستقامة الأخلاقية في الحياة الخاصة والعامة أدت إلى ترسخ قيم ومفاهيم احترام كرامة الإنسان مهما كان عرقه أو دينه أو ثقافته أو توجهاته الفكرية، فيكرس هذا النوع من البيئات الإنسانية المتميزة الاحترام المتبادل بين الافراد وتفضيل النظامية ما يؤدي إلى شعور الفرد بآدميته وباستقلاله وبكمالية وجوده الإنساني وقتما تطأ أقدامه أرضاً غربية! من يقرأ في كتب التاريخ الغربي يكتشف أنّ احترام المجتمع الغربي المعاصر لكرامة الإنسان نبع من سلسلة تجارب تاريخية وتطورات اجتماعية وثقافية وصل فيها العقل الجمعي الغربي لقناعة منطقية حول أهمية الحفاظ على كرامة الإنسان بهدف تحقيق التقدم، فيما عجزت عن تحقيق التقدم الحضاري ثقافات ومجتمعات أخرى طالما زعم منظروها بتميزهم الأخلاقي عن الغرب.
الغرب أخلاقي ومتقدم لأنّه يكرّس قيم أخلاقية يتفق عليها جميع بني البشر بمختلف أعراقهم ودياناتهم وثقافاتهم: فأحد الأسباب الرئيسية للهجرة لدول الغرب حتى مع صعود اليمين المتطرف لا تزال تتمثل في إمكانية العيش في مجتمعات مدنية تستند سلوكياتها العامة على التراحم المتبادل ولين التعامل بين أعضاء المجتمع واندماجهم السلس في بيئات إنسانية رحيمة مرجعياتها الرئيسة هي التنوير والتفكير العملي والرغبة الملاحظة في منح الفرد مكانته الأخلاقية الطبيعية التي يستحقها.
لا أعتقد أنني سأبالغ إذا جادلت أنه في الغرب يشعر الإنسان بكامل آدميته لأنه لا يُسمح في المجتمع الغربي بوجود قيود مفبركة تصطنعها أذهان سوداوية ونرجسية تمقت الآخر المختلف عنها أو تسعى لمنعه من التمتع بحياة طبيعية، فيشعر الإنسان في الغرب بأنه حر ويستطيع أن يحقق كل ما تتمناه نفسه وفق إمكاناته وقدراته، والغرب أخلاقي ومتقدم لأنه قلص من تأثير تلك العقول الظلامية والتي تريد فقط تقييد حرية الإنسان لتحقيق مصالحها الأيديولوجية، فعيش دقيقة حرية وكرامة في أغلب المجتمعات الغربية أفضل ترليون مرة من العيش وسط تجمعات بشرية سطحيَّة التفكير تغلب عليها الشخصنة والنرجسية والرغبة المجنونة في قمع الآخر نفسياً، إذا لم تتح فرصة لقمعه جسدياً.