ميليشيات النظام السوري

حجم الخط

كتب نجم الهاشم في افتتاحية “المسيرة” – العدد 1630

ماذا تعني عبارة “القوات الحليفة” للنظام السوري؟ هي ليست إلا ميليشيات تابعة لهذا النظام وتقاتل إلى جانبه في سوريا من أجل منع سقوطه وانهياره بعدما كانت تشكل أدوات عمله الأمني والسياسي في لبنان في ظل عهد الوصاية. هي في النتيجة ميليشيات تمثل أكثر من طرف وحزب على رغم تفاوت أحجامها وأدوارها. وإذا كانت مسألة مشاركة لبنانيين، أيًا كانت انتماءاتهم، في هذه الحرب تعتبر خروجًا عن القانون وتستوجب الملاحقة والمحاكمة، فماذا يمكن أن يقال عندما تتحول بعض شوارع بيروت أو المناطق إلى ساحات يستعرض فيها هؤلاء “الحلفاء” مسلحيهم وأسلحتهم من دون أي خوف ويستبيحون الأمن من دون سؤال؟

قبل الحرب في العام 1975 كانت هذه الأمور تحصل في ظل السلاح الفلسطيني. تحت أنظار الدولة كانت المنظمات الفلسطينية تستعرض قواتها في شوارع بيروت وفي المخيمات وتقيم معسكرات التدريب وتستضيف منظمات إرهابية من كل العالم وتخطط لعمليات خطف الطائرات والهجمات على المطارات والمستعمرات الإسرائيلية وكان لبنان يدفع الثمن. لم تنفع كل محاولات التحذير حتى وقع الإنفجار الكبير. فهل يمكن أن تنهش هذه الميلشيات المستجدة جسد الدولة مرة جديدة وهل يجوز أن يتم التغاضي عنها؟

استعراض الحزب السوري القومي الإجتماعي في شارع الحمرا كان إشارة خطيرة في هذا الإتجاه. أكثر من ثلاث ساعات تم إقفال الشارع في 28 أيلول الماضي حيث وقفت مجموعات عسكرية مقسمة إلى فصائل إلى جانبي الطريق وكان هناك مسؤول عسكري حزبي يصدر الأوامر قبل أن تسير هذه الفصائل التي بلغ عددها نحو 250 عنصرًا في عرض عسكري. على رغم هشاشة العرض وقلة التنظيم إلا أن ما حصل لا يمكن أن يكون عابرًا. فمن سمح به؟ وهل جرى من دون إذن؟

في الشارع نفسه في آخر آب 2012، بعد سلسلة اعتداءات وتجاوزات، اعتدى عناصر من الحزب نفسه على عنصر من قوى الأمن الداخلي وأخذوا منه مسدسه. على الفور طوقت عناصر من شعبة المعلومات التي كانت بقيادة اللواء وسام الحسن مركز الحزب وفرضت تسليم العناصر التابعين له المتهمين بالإعتداء مع المسدس. في 19 تشرين الأول من العام نفسه كانت تنفذ عملية اغتيال الحسن في الأشرفية. هل يعقل أن تكون الصورة تبدلت إلى هذا الحد بعد خمسة أعوام من الحرب السورية؟

لم يكن هذا الظهور العسكري هو الأول لهذا الحزب. هو لا يخفي مشاركته في القتال الدائر في سوريا دفاعًا عن النظام. الحزب في الأساس له قواعد وقيادة في سوريا، ولكن أن تشارك عناصر لبنانية منه في تلك الحرب فهذا ما يعتبر أنه يشكل خطرًا على الأمن في لبنان. في 21 شباط من العام الماضي سقط للحزب قتيل في سوريا هو أدونيس نصر من الشويفات ومراسم التشييع التي أجريت له لم تكن تقل عسكرية عما حصل في منطقة الحمرا. يحصل كل ذلك تحت نظر القوى الأمنية وكأنها مسألة طبيعية. وهنا تكمن الخطورة.

كما الحزب السوري القومي الإجتماعي لا ينفك ما تبقى من حزب البعث السوري في لبنان عن المجاهرة أيضًا بأنه يشارك في الحرب في سوريا ويفقد بعض عناصره. حزب التوحيد العربي الذي يرأسه الوزير السابق وئام وهاب أيضًا يعلن عن أمور مشابهة، واللافت أيضًا أن وهاب كان نظم استعراضًا لـ”سرايا التوحيد” في بلدته الجاهلية في 20 تشرين الثاني 2016 وأعلن: “أن سرايا التوحيد ليست سرايا عسكرية، وليست أمنية، ولا تخريبية، كما يقول الخائفون الهلعون، نعم، إنها سرايا التغيير الآتي، التغيير الجارف، التغيير نحو غد أفضل لنا ولجبلنا ولأهلنا من إقليم الخروب، إلى آخر الجبل، إلى آخر بقعة في لبنان”.

وإذا كانت حركة “أمل” لا تعلن أنها تشارك في المعارك في سوريا فإن هذا الأمر لم يمنع من الكشف بالخبر والصور عن أكثر من عرض عسكري نظمته في أكثر من منطقة بينما يلعب “حزب الله” الدور الأكبر في تلك المعارك وعلى كل المستويات إلى الحد الذي بات فيه يستشعر بقوة زائدة جعلت أمينه العام السيد حسن نصرالله ينصح الصهاينة بالخروج من إسرائيل قبل أن تصل إليهم قواته وصواريخه الكاسرة للتوازن.

في أحد خطاباته كان السيد حسن نصرالله قد دعا اللبنانيين الراغبين بالقتال ضد النظام السوري أن يقاتلوه أيضًا في سوريا لكي يبقى لبنان بمنأى عن تلك الحرب. بعض هؤلاء كانوا ربما يدعمون المعارضات السورية وقد قاتلوا وقتلوا هناك ولكن الفارق بين من هم مع النظام ومن هم ضده يترجم في لبنان. لقد تم القضاء على كل الحالات المسلحة المؤيدة للمعارضة التي حاولت أن تفرِّخ فروعًا لها في لبنان كحالة الشيخ أحمد الأسير وغيره. من عبرا إلى باب التبانة إلى بحنين وبعض مناطق عكار تم استئصال هذه الحالات. هذه المعالجة يجب أن تكون القاعدة وأن تطبق على الجميع من دون استثناء، إذ لا يجوز أن تستبيح ما تعرف بـ”سرايا المقاومة” مدينة صيدا كما حصل في 2 تشرين الحالي بعد خلاف حول عمل المولّدات الكهربائية في الشوارع. ما حصل في صيدا يحصل مثله في عرمون وفي خلده وفي السعديات وفي الطريق الجديدة وفي مناطق أخرى. وحصل مثله أيضًا في مخيم عين الحلوة وعلى مداخل مخيم برج البراجنة وفي ما تبقى من مخيمي صبرا وشاتيلا. الأمر الذي يستوجب أيضًا فتح كامل ملف السلاح والمسلحين في كل المخيمات الفلسطينية في لبنان وفي خارجها.

قد يكون من الصحيح أن المطر لا يمكن أن يسقط في سوريا من دون أن تعبر الغيوم من فوق لبنان. ولكن لا يمكن أن يتم السماح بأن تشتي الغيوم السورية في لبنان. ولا يمكن القبول بأن تهدد الميليشيات الحليفة للنظام السوري الأمن والإستقرار في لبنان. ولا يجوز أن تتحول استعراضاتها العسكرية وكأن المسألة طبيعية. لأن هذه الميلشيات من خلال ما تفعله تريد أن توصل رسائل تهديد إلى الدولة أولاً بأنها عاجزة عن التصدي لها وإلى اللبنانيين الآخرين بأن ما حصل في 7 أيار 2008 في بيروت وعاليه والجبل يمكن أن يتكرر من دون أي رادع. لذلك على الدولة أن تضع حدًا لهذه الظواهر حتى لا تصبح المسألة طبيعية. فمهما حصل لا يمكن أن يتم القبول بهذا الوضع. ولذلك فعندما يبدي السيد حسن نصرالله حرصه على استمرار الإستقرار الداخلي لا يمكن أن يغفل عن كل ما يهدد هذا الإستقرار. لأنه أيضًا لا يمكن أن يكون هناك اتفاق على تسوية سياسية من دون الأخذ بالإعتبار أخطار كل تلك الظواهر العسكرية والميليشياوية والفلتان الذي تسببه والخطر الذي تولّده. ولا يجوز بالتالي أن تصبح الدولة عاجزة أمام التصدي لهذه الظاهرة أو متجاهلة لها لأنه لا يمكن القبول بهذا التجاهل بعد الإنجاز الكبير الذي حققه الجيش اللبناني في عملية «فجر الجرود”. ولذلك قد يكون من الجائز السؤال عما إذا كان “حزب الله” دفع ثمن التسوية مع تنظيم “داعش” عندما أمّن انتقال مسلحيه إلى مناطق دير الزور حيث ارتدت عليه النتيجة من خلال سقوط أكثر من ثلاثين من عناصره في مواجهات مع هذا التنظيم ونتيجة نيران القصف الروسي الذي تعرض له أحد مواقعه في بلدة حميمة في أقصى ريف حمص الشرقي.

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل