لفتني يا ابن كورتي، العزيزة على قلبنا سوياً، افتتاح محاضرتك التي القيتها في مؤتمر الطاقة الاغترابية – لاس فيغاس، بتوجيه سؤالين لنفسك عن اهمية دعمك للبنان وعن اعتزازك بلبنانيتك، وقد أفَضْت بجوابك على هذين السؤالين من خلال محاضرة، عالجت من خلالها وبعمق، الصراع الأساسي الذي يمرّ به لبنان منذ اعلانه “لبنان الكبير”. فكأنك بسؤالك لنفسك تؤكد ضرورة الدعم كي تكون لبنانياً أصيلاً، وتؤكدك أيضاً اعتزازك، كي تحافظ على الثقافة اللبنانية التي نشأنا عليها في قرانا وبلداتنا. ثقافة انتميت اليها ليس فقط بفعل الولادة من عائلةٍ لبنانية، بل بفعل انتماء فكري وانساني وعلمي. فامثالك من اللبنانيين الذين نجحوا عالمياً، كانوا محط فخر للبلدان الذين نجحوا واقاموا فيها، وقد نالوا جنسيتها عن كفاءة، ولكنهم آثروا الإنتماء اللبناني الفكري وفضّلوا قضية لبنان، فادخلوا عليها الكثير من الأفكار الإنسانية والتطورية التي اكتسبوها من بلدان العالم الحر وأوطان العلم والإزدهار.
ان تخبّط لبنان الوطن منذ اعلانه “لبنان الكبير”، متمثّل بما شكّل وجوده من تهديد لقوتين متجاورتين له متناقضتين مع ثقافته وسبب وجوده، فجغرافيته الصعبة حكّمت عليه التجاور مع بلدٍ يرفض وجوده كوطن من الأساس ولا يعترف به، وأيضاً التجاور مع بلدٍ آخر يرفض صيغته التعدّدية ويعتبرها الخطر الأكبر على صيغته الوحدوية، فبات هدفاً لمحاولتهما للاستيلاء عليه والغائه، وما ساعد احدى هاتين القوتين، تعاون البعض من الداخل معهما لتغيير الروح والذهنية اللبنانيتين، التي على الرغم من كل المحاولات الخبيثة والمستمرّة، استطاعت ان تغلبهما وتطردهما، فبقيت الهوية الحقيقية للبنان الوطن.
إن النموذج اللبناني الذي اعتبرْته نموذجاً ضد التطرّف والارهاب، هو بالفعل اكثر من ذلك، لانه النموذج الذي استطاع ان يحوّل الصراع بين الحضارات الى عيش بين الحضارات، وكما اسميتها حضرتك ب”داية الحضارات من هذا الشعب الذي اقام هنا على ارض الارز”، فانني اؤكد انها ليست فقط البداية بل انها ايضاً النهاية والمرتجى للعالم اجمع، وما اقصده بذلك انه مهما ذهب العالم الى انعزاليات كما في اسرائيل او الى حروب ومواجهات كما في الشرق العربي او الى مجتمعات قوية ومنظمة والغائية للاخر كما في الغرب، فان الانسانية ستصل يوماً ما الى ما وصلنا اليه في لبنان منذ زمنٍ طويل وهو العيش المشترك الذي بفضله استطعت حضرتك ان تورد الأمثال الرائعة عن اللبناني وعن رسالته في العالم وعن مثال التعايش الذي يستطيعه اللبناني الاصيل ويفهمه جيداً. إن قدرة اللبناني على فهم الآخر واحترام وجوده كحضارة وليس فقط كأنسان، هي الخاصة التي ميزت لبنان عن غيره من شعوب العالم، ويرتكز النموذج اللبناني على قاعدة لا تنازل عنها الا وهي الحرّية، يصونها اعترافه بالآخر وليس محاولة الغائه باي سبيل من السبل، ولذا يجب ان يكون النضال الحالي للبنانين كأولوية، ضد الذمّية وأفكار بعض المسيحيين الذين يحاولون تسليلها الى ثقافة المسيحيين تحت شعار الضرورة للحماية والضرورة لتحالف الاقلّيات، كما يجب أن يكون النضال ضد الغاء الحرّية التي يحاول البعض القضاء عليها بقوة سلاحه التابع لمشروع استراتيجي اقليمي ضد مشروع الاحادية الاسرائيلية ولكن، باحادية فقهية أخطر منها على الداخل اللبناني.
ان الثغرة اللبنانية التي يستطيع المتآمر الدخول منها هي ضعف الكثير من المسؤولن اللبنانيين الذين لم يرتقوا الى مستوى “لبنان الرسالة”، مسؤولون ينشغلون بتبوقهم للمناصب والمراكز واستغلالهم للسلطة من اجل المحاصصات، وابقائهم للفساد من اجل استمرارهم وتفضيلهم لمصالحهم على حساب استمرار الوطن، وكأنهم يدركون ان ليس بمقدورهم خوض النضالات الكبيرة الاستراتيجية والوجودية. وهنا يأتي دوركم كلبنانيين منتشرين في العالم، ادركتم اهمية بقاء هذا الوطن، من اجل شعبه ومن اجل الانسانية ومن اجل حوار الحضارات في العلم، فدوركم كبير ومؤثر بتوعية اللبنانيين المقيمين على ارض الوطن كما المقيمين في الخارج، على اهمية حسن الاختيار، كي يبقى الوطن الذي تتغنّون به وتعتزّون بانتمائكم له، فبقاء هكذا نوع من المسؤولين بمراكزهم، يهدّد وجود وطنكم الحبيب اكثر من التهديدات الخارجية، فما من غازي الا وطردناه اما من يغسل ادمغة اللبنانيين كي يتخلّوا عن رسالة لبنان فهؤلاء هم السرطان الذي عالجت منه مرضاك فكم بالحري ضرورة معالجة وطنك.
أن تكون لبنانياً… أيّ معنى يجب أن يحمله لك الانتماء إلى لبنان؟