قبل الاحتفال بذكرى الاستقلال بيوم واحد، جعلوك ذكرى…لنقل حاولوا أن يجعلوا منك تلك الذكرى الموجعة المدمرة الحزينة، قتلوك وتركوا لنا مشكورين والله، حرية اعتبارك شهيداً بطلاً ولنقل فيك ما شئنا من كلام كبير يقال عادة في سيرة الابطال، فالمهم بالنسبة اليهم انهم قتلوك وسكنت الصورة الاطار الاسود ودمع الايام وخيبتها، هل هذا صحيح بيار الجميل؟ هل فعلاً انت رحلت وصرت الذكرى؟!
في العادة اكتب عنك كمن يكتب قصيدة حلوة، عن وطن حلو حاضر بكل تفاصيله الممتلئة عنفوان، اليوم اعجز ان اكتب بالاسلوب ذاته، لا اجد الكثير يا شب الحلو من تلك التفاصيل الحلوة لامزجها مع سيرتك النظيفة المتعالية على ما يجري من صغائر في الوطن الصغير، كل يوم مذ دوي تلك اللحظة التي جعلت جسدك سماداً للارض، كل يوم والوطن يخسر من حاله يا بيار بعضاً اكثر بعد، ينضوي الوطن الذي احببت وبسببه استشهدت في صفحات الحلم، وكل يوم يصبح الحلم مستحيلاً اكثر، مرهقاً متعباً مدمراً يا صديقي.
هذه صورتك الحلوة وانت تقبّل العلم، قلت لك مرة، وانت تقبّل العلم مروق بدربك على هالكم قبلة وابعتن نثر ورد لعمرك الشهيد، لشبابنا السكران معك بخمرة وطن كلما شربنا كأسه كلما ارتفع فوق ترابه بخور شهداء، ازح بوجهك بيار عن هذا الاحمر، أزح يا رجل بيكفينا هالقد غياب، أشح بوجهك عن الرحيل بيكفينا هالقد شهداء ودمع فراق و…خيبة. كلام كبير اليس كذلك، والارجح لن يعجبك، ستخرج من الغياب لتصرخ فينا “بتحبوا لبنان؟ ما تستسلموا كفّوا للنهاية”، معك حق، عيب الاستسلام، دفعنا الكثير الكثير ليس لننتهي في الخيبة، نحزن عليك من هون للمطرح لـ انت صرت ساكن فيه، ولكن نحب هذه الارض من حيث تنبت الجذور شجرة ارز وسنديان ويصرخ فينا التراب لا تتركوني، ازرعوا الوعر من انتمائكم، اسقوني من دم شهيد وانا اثمر لاجلكم كل الحب، والحب في ارضنا بيار هو انت ومن سبقك ومن لحق بك، اعرف كل هذا واكثر بعد بكثير، لكن لا تزعل منا عندما تهب علينا عاصفة الخيبات، فها هو الوطن في احتلال جديد صعب مضني بشع كريه، احتلال لا يشبه كل ما سبقه من احتلالات وها نحن من جديد في قلب قلب المقاومة، نتحضّر للمواجهة، لاجلك واجل الشهداء على مر سنين الكرامة، لاجلك بيار ولاجل وطن لن نريده بعد اليوم حلماً، نريده حقيقياً، نريده الحقيقة المطلقة التي حملتك ذات لحظة الى ضياء يسوع. قل له وحياتك، قل له الا يتركنا، الا يجعلنا نترك حالنا لنبقى فيه وليبقى لبنان فينا ولتبقى الايام هي لبنان.
وانت تقبّل العلم يا شب الحلو، نحن يصفعنا العلم علناً نعود الى رشدنا، ويهتدي من ضاع منا عن طريق الوطن، وانت تقبّل العلم انا اقبّلك على جبين الكرامة والمحبة والعز، واطبع على وجهك الجميل سلام لبنان وبقلّك “إي رح نضل نحب هالبلاد ونحب صناعتو، وانت والشهداء اجمل من اجمل اي صناعة لان موادكم الاولية هي حرير الحب الخالص ولا يليق بلبنان الا الحرير المقصّب المتغاوي المنهمر عنفواناً على جسد الارض التي رغماً عن الذين قتلوك، ستبقى ارضنا ارضك ارض الشهداء والكرامة بيار”…