الطريق الى القدس … دائمًا من الجنوب

حجم الخط

 

 

انها العودة الى بدء… اعلان الرئيس الأميركي دونالب ترامب القدس عاصمة لإسرائيل فجر مشاعر العرب على مختلف اطيافهم وانتماءاتهم، واستنفر عواصم العالم العربي والإسلامي وبدأت الاجتماعات والقمم. وبدأت معها المسيرات المنددة والتظاهرات في عواصم عدة واشد حماسة واهمها على الاطلاق المواجهات الجارية على الأراضي الفلسطينية وتضاهيها فعالية وحماساً الحراك المتفاعل على الأراضي اللبنانية. الوضع العام في لبنان بعد قرار واشنطن اشبه بالوضع الذي ساد البلاد مطلع السبعينيات، فالفصائل الفلسطينية المسلحة حينها والداعية الى الكفاح المسلح بقيادة منظمة التحرير برئاسة ياسر عرفات، يقابلها الآن محور المقاومة الذي يضم سرايا ومنظمات بقيادة “حزب الله” والسيد نصرالله. والسياسة التي انتهجتها الثورة الفلسطينية في تلك الفترة، والداعية الى قلب الأنظمة العربية الحاكمة، بعد هزيمة 1967، وتأليف جيش عربي موحد لمواجهة إسرائيل وتحرير فلسطين، شبيهة بالدعوة التي اطلقها السيد نصرالله بكلمته امام المتظاهرين في الضاحية قبل أيام لجهة حشد الفصائل وقوى محور المقاومة لمواجهة إسرائيل وازالتها: “الموت لإسرائيل.. وللقدس رايحين شهداء بالملايين”. ومن سوء الصدف للبنان ان يكون وفداً من “عصائب اهل الحق” العراقية برئاسة قيس الخزعلي قد وقف على بوابة فاطمة في الجنوب، لافهام من يعنيهم الامر بأن طريق القدس مستقبلاً قد تمر من هناك.

طبعاً تختلف ظروف العالم العربي والإسلامي الآن عما كانت عليه قبل خمسين عاماً نظراً الى الأوضاع التي تمر بها دولها، كما تختلف مفردات الثورة المستخدمة، لكن التوجه يبقى نفسه، والجغرافيا أيضاً. فلطالما شكل لبنان منذ نشأته صفيحة متحركة ومتنفساً للقضايا العربية والإسلامية بحكم تركيبته الاجتماعية الهشة والدقيقة في آن. ولعل الموقف اللبناني الحالي من قضية القدس ابرز تعبير عن الازمة التي قد تلحق به في ظل هذه الأوضاع المتفجرة. فمن جهة لا ريب باحقية القضية، ولا ريب بأن قناعة اللبنانيين اجمعين تتمثل بضرورة دعم الفلسطينيين لاستعادة حقوقهم على امل إيجاد حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين على أراضيهم. ولا ريب من جهة أخرى ان خطر الاندفاعة في المواقف والتصعيد بلهجة الخطاب قد يتخطى حدود القناعة المبدأية، او حتى الشطارة لابعاد الداخل اللبناني عن الاهتزازات، الى حد تفلت الأوضاع عن مسارها وعدم القدرة على التحكم بها على الأرض. وما حصل في التظاهرة امام السفارة الأميركية مع ما رافقها من تداعيات خير دليل، فكيف بوجود لاجئين سوريين يقارب عددهم ثلث عدد سكان لبنان يمكن بالتعبئة والتجييش، واليأس من أوضاعهم الاجتماعية، ان يتفاعلوا مع ما يجري على الأرض، من “استراتيجية واحدة وواضحة ومحددة ولوضع خطة ميدانية وعملانية متكاملة تتوزع فيها الأدوار وتتكامل فيها الجهود” كما دعا “حزب الله”. ان موقف “حزب الله”، الطرف الوحيد الممسك بالسلاح خارج اطار الدولة، ودعوته للتركيز مجدداً على القضية الأساس مع فائض القوة التي يتمتع بها بدعم من محور المقاومة أحزاباً فصائل وبلدانا، يخاطر بجر الدولة اللبنانية معه مرة أخرى الى منطق المواجهة، لكن من دون أي سند من اشقائه المعتادين هذه المرة. ومن عجائب القدر، ومن سخريته، ان يكون لبنان، الذي ذهب بعيداً في موقفه هذا، بالكاد نجا من اتهام رسمي مباشر له منذ أسبوعين بدعم الإرهاب، لسكوته عن سياسات “حزب الله” على ارضه وتدخلاته في أزمات المنطقة من العراق مروراً بسوريا الى اليمن ودعمه وتدريبه عسكرياً وامنياً منظمات خليجية معارضة…

وجل ما يخشاه ان تزيد القدس من طين النأي بالنفس بلة ومن اعادته ساحة لسلسلة متفاعلة للصراعات، تبدأ في عوكر وقد لا تنتهي في جنوب لبنان.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل