إيران الثورة… لا تطعم شعبها خبزاً

حجم الخط

لا تشبه حركة الاحتجاجات التي تشهدها ايران حالياً بشيء، الحركة الخضراء التي شهدتها عام 2009 لجهة القوى السياسية التي قادتها رغم أن مضمون هاتان الحركتان ودوافعهما والمطالب التي تقف وراءهما هي نفسها.

عام 2009 وقفت حركة إصلاحية واسعة قادها سياسيون وهم الثلاثي الرئيس السابق للبلاد محمد خاتمي، مير حسين موسوي ومهدي كروبي لتحتج بداية على ما قالت إنه تزوير في الانتخابات الرئاسية أدت الى وصول احمدي نجاد الى سدة الرئاسة، وحملت في طياتها مطالب برفض التزوير والفساد وبالخروج من أزمات المنطقة ومعالجة أوضاع الإيرانيين الاقتصادية والمعيشية، في حين ان الحركة الاحتجاجية الحالية لا قادة لها، وتحركها الشعارات المعيشية نفسها وقد تحولت بطبيعة الحال، بعد مواجهتها بالعنف، الى مطالبة برحيل رأس النظام والمسؤولين عن تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

مطالب المتظاهرين، بحسب الشعارات التي اطلقوها تختصر بعنوانين معضلتين: الفساد ووقف تمويل المنظمات التي يدعمها النظام خارج البلاد تحت شعار تصدير الثورة.

أحقية المطالب المعيشية للمتظاهرين اعترف بها معظم المسؤولين الإيرانيين، وخصوصاً الرئيس حسن روحاني، وهم حاولوا استيعاب الحركة الاحتجاجية باطلاق وعود لتلبيتها. يعرف المتظاهرون، وحتى المسؤولين، انهم لا يملكون القدرة على الوفاء بها. فالفساد معضلة تتطلب سنوات من العمل الجاد والدؤوب لمعالجة أسبابها والحد منها حتى في البلاد المتقدمة التي تتمتع قوانينها واداراتها بالشفافية، وحيث لا محسوبيات وازلام وحيث لا رجال دين يتحكمون بتفاصيل الحياة اليومية للمواطنين، وهو ما عبر عنه احد شعارات اليوم الأول للاحتجاج “نحن نتسول ورجال الدين يعيشون مثل الآلهة”، فكيف في بلاد مثل ايران، يتحكم رجال الدين ورجال الحرس الثوري الإيراني باقتصادها النفطي والمالي والتجاري، حتى ان الرئيس روحاني اشتكى لمرشد الثورة قبل اشهر من “الطريق المسدود للاقتصاد والفساد المستشري بسبب هيمنة الحرس على مفاصله”. ويقدر عدد افراد حراس الثورة الذين جنوا ثروات طائلة بحوالي 120 الفاً. وكان لافتاً تنديد طلاب تجمعوا في طهران تاييداً للنظام بالفساد وغلاء المعيشة.

العنوان الثاني الأشد تعقيداً في مطالب المحتجين يضرب احد ابرز المفاهيم الذي قامت عليها الثورة الإسلامية منذ انطلاقها عام 1979 وتتمثل بتصدير الثورة. فشعارات “لا غزة ولا لبنان حياتي لإيران” و”فكروا فينا لا بفلسطين” واضحة لا لبس فيها، وهي اقرب ما تكون الى دعوة للنأي بالنفس من خلال وقف دعم “حزب الله” و”حماس”. عملياً يطالب المحتجون بوقف تمويل نشاطات وتسليح المنظمات الموالية لايران في الخارج وصرف الأموال المخصصة لها في الداخل على المواطنين. وغني عن القول إن النظام ليس اطلاقاً بوارد وقف دعم اذرعه العسكرية في الخارج لان مثل هذا القرار، الأقرب الى الخيال، يلغي سبب وجود الثورة الى حد انتفائها، ومن غير الوارد طمرها داخل الحدود الحالية للجمهورية. فالهدف الاسمى للثورة اسلمة العالم والتحضير لمجيء المهدي، وما مرحلة ولاية الفقيه القائمة حالياً في ايران سوى مرحلة انتقالية. فالنظام ومنذ نشأته اعتمد على سياسة مواجهة أعداء الثورة في الخارج، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وباعتبار سياسة مواجهة العدو في الخارج ضرورة لعدم مواجهته بالداخل. وهو يضمّن سنويا ميزانيته بنوداً مالية تترجم سياسته هذه. فميزانية سنة 2018 التي تقدم بها الرئيس روحاني في أيلول 2017 لحظت زيادة بنسبة 24% في الانفاق على تسليح الحرس الثوري الإيراني، وتحديداً فيلق القدس والتصنيع العسكري للصواريخ.

لا ريب ان النظام في طهران كان واثقاً من قدرته على وقف الحركة الاحتجاجية، فهو رغم عشرات القتلى ومئات المعتقلين والجرحى في الأيام الأولى من الاحتجاجات، تمهل بالطلب من الحرس الثوري والباسيج التدخل مباشرة لوقفها. وان اكثر ما يخشاه هو اتساع زخم الحركة وانفلات زمام الأمور في الأطراف الشمالية والجنوبية وساحل الخليج حيث مناطق الاكراد والعرب والبلوش المناهضين اثنياً ومذهبياً وقومياً للنظام، وكان لافتاً في الحركة الاحتجاجية الحالية انطلاقها بزخم من المناطق المذكورة ومن خارج طهران.

يبقى ان “الجولة” الحالية للحركة الاحتجاجية آيلة للضمور بعد ان أوصل المحتجون مطالبهم، وكونها حركة عفوية غير مخطط لها وابعادها معيشية حتى ولوحاولت قوى سياسية عدة، خارجية وداخلية استغلالها. ويبقى أيضاً على حكام ايران وقياداتها الدينية الاتعاظ مما حدث والعمل على معالجته بعد ان أصيبت هيبة ثورة الجمهورية الإسلامية، التي تطعم شعباً غير شعبها خبزاً، من ثورة موازية انطلقت من عقر دارها.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل