لبنان والحلول المؤقتة

حجم الخط

لم يعد خافيًا على أحد أن لبنان يقف على فوهة بركان، وزلة لسان! فما حصل على خلفية الفيديو المسرّب للوزير جبران باسيل، من اجتياح لمنطقة الحدت، ثم تسونامي الشتائم المتبادلة على مواقع التواصل الاجتماعي بين طرفي “النزاع”، أي “التيار الوطني الحر” من جهة، وحركة “أمل” من جهة أخرى، كاد أن يتحوّل الى “بوسطة” جديدة تحمل على متنها مصير الوطن الصغير الى المجهول.

“تحلحلت” الأزمة، و”مرقت” على خير، بفعل مساعي التهدئة المبذولة من قبل الرئيس سعد الحريري و”حزب الله”، مروراً باجتماع ميرنا الشالوحي، الذي تلاه اتصال الرئيس عون بالرئيس برّي، وصولا الى اجتماع الرؤساء في بعبدا يوم الثلثاء.

ولكن، يبقى السؤال المطروح: الى متى سيظلّ لبنان راسياً على التسويات الموقّتة، متجنّبًا الخوض في الحلول الجذرية ومشروع الدولة؟

لا يخطئ من يقول أن لبنان قام في الأساس على تسوية! فميثاق ١٩٤٣ هو عبارة عن تسوية جمعت بين مسيحييه الساعين آنذاك الى طلب الحماية الأجنبية، ومسلميه الذين كانوا متحمسين للوحدة مع سوريا. غير أنّ لبنان الذي خرج من الانتداب الى الاستقلال، لم يدخل في مرحلة ترجمة عمليّة لميثاقه الوطني، وبقيت “التسوية” معلّقة على حبال النوايا الحسنة، فلم تحتمل الرياح التي لفحت بها عام ١٩٥٨، فاهتزّ لبنان، لكنه لم ينكسر! عولجت المشكلة بتسوية حكومية، وبقي مشروع الدولة بندًا مدرجًا على جدول أعمال التأجيلات!

كرّت سبحة الأيام سريعة، فوجد لبنان نفسه أمام تحدٍّ أصعب من تحدّي العام ١٩٥٨، حاول معالجته بتسويات فرغ مضمونها من الحلول العملية! فصاغ اتفاقاً للهروب الى الأمام سمّي باتفاق القاهرة، شرّع السلاح غير الشرعي، وشرّع أبواب لبنان أمام الأخطار، فكان الانفجار… وتبعه الطائف.

اهتزّ لبنان، ولكنّه لم يقع!

ومع دخول لبنان مرحلة الطائف، لم تكن مصلحة الوصاية السورية آنذاك تسمح بإعادة بناء الدولة بشكل كامل، لعدة اعتبارات. فعلى الرغم من قرار حل الميليشيات، حرص النظام السوري على عدم نزع الفتيل المسلّح بشكل نهائي، ما جعله ضابط الايقاع “الضروري” الذي يحرّك، أو يهدّئ، طبول الصراع اللبناني – اللبناني من جهة، واللبناني – الاسرائيلي من جهة أخرى، فأمسك بأوراق السياسة والأمن في لبنان، وعلى الحدود مع اسرائيل، من دون أن يوقظ جبهة الجولان الغارقة في سبات عميق.

طال أمد الوصاية السورية، ولم يدخل خلالها اتفاق الطائف حيّز التنفيذ! وبقي لبنان مشروع دولة مع وقف التنفيذ!

وبعد خروج الجيش السوري من لبنان عام ٢٠٠٥، اضطرّ “حزب الله”، والذي كان متفرّغًا لجبهة الجنوب، أن يحلّ بديلاً عنه، وانتقل لبنان من مرحلة الوصاية السورية، الى مرحلة وصاية السلاح، وبقي وطناً معلّقًا بحبال اللا – استقرار، يستجيب أمنه لفعل التراضي، وتطبّق قوانينه بدعوات التمنّي، ويشوب استقامة حياته السياسية اعوجاج سببه غياب سيادة الدولة، بفعل السلاح غير الشرعي! فالسابع من أيار، والثلث المعطّل، والانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري، والقمصان السود، والفراغ في الرئاسة الاولى وغيرها، كلها مفردات هجينة دخلت نصوص السياسة اللبنانية من باب الأمر الواقع المفروض بسلاح قوّض الدولة، وأمسك بمفاصلها، وجعل من أمنها رهينة لمشيئة من يقبض على الزناد!

لعلّ مشاكل لبنان أكبر وأكثر من أن تذكر في مجلّد. أكثرها يعود لعمر الزمان، ولكن أكبرها هو ما نشهده في تاريخنا المعاصر من تقويض لدور الدولة، واستخفاف بالسيادة الوطنية وبقدرة الجيش والقوى الشرعية اللبنانية على الإمساك بالأمن. وما حدث منذ أيام ما كان ليكون أصلاً، لو لم يكن الشارع مشحوناً ومعبّئًا بترسانة تسمح له بايصال رسائل عالية النبرة، كادت أن تعيد لبنان أربعين سنة الى الوراء.

تدارك أهل السياسة الوضع، وأرسوا تسويةً “موقّتة” تحفظ الأجواء باردة بانتظار حرارة الربيع الآتي. فهل سيضع السادس من أيار حدًّا للحلول الموقتة، مطفئًا الشمعة الحادية عشرة ونار فتنة السابع منه في آن، يوم يقترع لبنان لصالح مشروع الدولة، ضد مشروع الدويلة، والتفلّت، والسلاح الغير شرعي؟

الجواب: نعم!

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل