من أجل حسم كل جدل حول الصلاحيات في تشكيل الحكومة، لا بد من التوضيح بدلاً من التلميح، ووضع الأمور في نطاقها الدستوري الصحيح:
نعم، لا تُشكّل حكومة إلّا بتوقيع رئيس الجمهورية.
وتوقيعه ليس شكليًا.
وهو شريك في التأليف، له موقفه ورأيه ومطالبه وملاحظاته.
لكن… وهنا الأساس:
ليس من صلاحيات رئيس الجمهورية أن يوجّه الرئيس المكلف او يُملي عليه آليات ومعايير.
هو يعرض ولا يفرض.
يوافق أو يرفض.
وليس له ان يُطلق “أسسًا ومعايير” للتشكيل.
فهي موجودة أساسًا في نصوص الدستور من مقدمته عن السلطة التي “لا تناقض العيش المشترك”، إلى الصلاحيات والأسس والآلية في المواد 49 و53 و64…
هذه الأسس والآلية المكتوبة يلتزمها الإثنان معًا وعفوًا، وعلى قدم المساواة، وبالتكافل والتضامن، فلا يُملي أحدهما على الآخر شروطًا أو أسسًا أو معايير إستنسابية. ويد الرئيس المكلف طليقة لا يربطها غير الدستور وآلياته ونصوصه الواضحة.
وأي خروج على معايير الدستور، سواء بالإضافة عليها، أو بالانتقاص منها، أو بسوء تفسيرها، يُعتبر خرقًا له. وهذا يؤسس لفتح الأزمة على مأزق حكم ونظام ودستور، ويحرّك الحساسيات الطائفية، ولا يبقى الأمر مجرد عراقيل وعقبات وحصص وأحجام وفيتوات أمام التشكيل.
والواضح أن الأزمة الجديدة لم تسبب بها عبارة “الملاحظات” في البيان الرئاسي، لأن من حق رئيس الجمهورية إبداء الملاحظات، بل سببتها عبارة “الأسس والمعايير التي حددها الرئيس” مسبقًا، فلا هو ولا الرئيس المكلف مخولان وضع أسس ومعايير لأن الدستور حددها وألزمهما بها، وهو نصّ موضوع قبلهما ويعلو عليهما معاً. وقد بات ضروريًا سحب العبارة الإشكالية كي تعود الأمور إلى استقامتها الدستورية.
ولذلك، فإن أي توسّع في تفسير الدستور تحت ستار نزاع الصلاحيات، أو بحجة استعادتها، يشكل مدخلاً خطيرًا لأزمة مفتوحة على المجهول.
وتكون الضحايا إذذاك بالجملة: حكومةً وحكمًا وصلاحياتٍ ودستورًا ونظامًا برلمانيًا ديمقراطيًا (توافقيًا)… وصولاً إلى الدولة والشعب والأرض والعيش المشترك، والكيان في حد ذاته.
فقليل من الحكمة يبرّد الرؤوس الحامية، ويهدّىء من غلواء النافخين في مقولة “القوة”.
وحذارِ الولوغ في التهوّر… والمغامرة.