كتب الأدديب عمر سعيد عبر حسابه على موقع “فيسبوك” الأتي:
لا يُعدّ الشهداءُ بالألوف فقط ، بل بالقلوب التي تعشق الشهادة والشهداء ..
في تاسوع أيلول كانت معراب على موعد مع مزيج من الحب والقداسة والمطر ، بساطها حزن أمهات توافدن إلى سوحها من كافة أقاليم الوجع والصبر ، وقد مشين العمر صلاة وإيمانا ..
هناك أقام المطر علاقته الاصيلة مع الأرض ، فكأن السماء دنت دنوها الأخير من الأرض ، وكأن الأرض راحت تصعد صعودها المقدس صوب الله ..
هناك وقفت بعجزي الكامل .. أراقب صعود الأرواح ونزولها ، فكأنّ الشهداءَ قرروا حضور قداسهم فتوافدوا إلينا مطراً يحلّ فينا ومن حولنا محبة ونقاء ..
وكأن الوافدين قرروا الصعود إلى بنيهم في السماء ، فمدت إليهم بحبال من رحمة وخير .
فتلك أم تستند بقلبها على صورة شهيدها الذي لم يكبر ، وبقي في عشرينه الحمراء ..
وتلك أم قدمت على ثلاث ، تستند بقلبها على حزنها وانتظارها الطويل ، وتلتحق بالمطر دمعا وصلاة ..
أمهات وأبناء وأحفاد طحنوا ملح التحمل بأنياب الصبر ، إلى أن أتت معراب ..
هناك وقفت أقرأ أسماء شهداء ما عرفت منهم أحداً ، إلا أنهم عرفوني جميعاً ، فقد غدوا سجادة الحرية للعابرين ..
ونبتوا على شفاهي صلاة .. صلاة حلت في روحي دفعة واحدة ، فاختلط عليّ دق الأجراس باصوات الأذان ، ورحت أصعد في ملكوت أبيض ، لا زالت دماء الشهداء تنصّعُ بياضه ..
ورحت أتلوا قرآني سرا ، وأصلب على وجهي وصدري جهراً ، وأحاول تخبئة وجهي عن أرواح كانت تتبسم في عليائها ، فكأنها تقول لي: ” لقد قدّمنا كل ما قدّمناه لأجل لحظة كهذه ، ولأجل وطن بلا ضفاف وبلا خطوط تماس ” فدمعتُ ناراً ، واغتسلت بماء الشهادة ؛ يتساقط أمطاراً من سماء مقدسة على أرض مقدسة ..
هناك تجلى الشهيد إنسانا ، وكل الحضور شهداء .
وهمست في سري : ” حيّ على الحب “