شكّلت الأزمة الأخيرة التي عصفت بطائفة الموحدين الدروز في لبنان نتيجة مقتل الشاب علاء أبي فرج في مدينة الشويفات الساحلية على يد المرافق الأمني للنائب طلال أرسلان ، فسحة إضافية للأخير ليصّب جام غضبه مجددا على من يسميه “نائب الصدفة” أكرم شهيب .
غير أن الواقع يشي بأن شهيب قد يكون في الواقع شوكة في خاصرة أرسلان ، فقد تمكّن منذ ترشّحه إلى الإنتخابات النيابية في دائرة عاليه للمرة الأولى في العام 1992، وخلال كل دورة انتخابية لاحقة، من الفوز بأصوات تفوق بأضعاف نسبة أصوات من يفترض أنه حامل لواء زعامة “اليزبكيين” التاريخية، ما جعله رقما صعبا في خيارات وليد جنبلاط الانتخابية.
ولعلّ الشعور بالمرارة يكبر لدى أرسلان نتيجة انتماء عائلة شهيب تاريخيا إلى الجناح “اليزبكي” لدى الدروز، غير أن شهيب الذي انتمى باكرا إلى الحزب التقدمي الإشتراكي خاض في صفوف الحزب نضالا بدأه مقاتلا مع رفاقه من أبناء المدينة والمنطقة خلال الحرب الأهلية السيئة الذكر، ثم مسؤولا سياسيا مقربا من جنبلاط ، تمكّن بعدها بسبب تواضعه و”شعبيته” من :جذب” معظم أبناء عائلته إلى الجناح “الجنبلاطي” في الطائفة.
شهيب من مواليد العام 1947 ويحمل ماجيستير في التاريخ بدأ حياته استاذا للمادة في مطلع السبعينات من القرن الماضي قبل أن تلفح الحرب الأهلية منطقة الجبل. فانخرط مثله مثل سائر أبناء المنطقة في هذه الحرب دفاعا عن “القضية”.
في هذا الإطار يقول شهيب لصحيفة “العرب اللندنية”، إن “انخراطنا في الحرب كان دفاعا عن قضية لبنان من وجهة نظرنا كما كان الفريق الآخر يدافع عن القضية نفسها لكن من منظاره هو”.
مع الحريري الأب بشغف
غير أن شهيب انتقل من “العسكرة” إلى السياسة في العام 1984 عندما طلب منه جنبلاط الانتقال إلى دمشق لترؤس مكتب الحزب التقدمي الإشتراكي في العاصمة السورية، فبدأ فعليا مرحلة جديدة من نضاله حيث تعرّف إلى معظم القيادات السياسية وشارك في الاجتماعات التي كان يعقدها جنبلاط مع المسؤولين السوريين، وكانت نتيجتها أن اختاره رئيسه ليكون من ضمن الفريق الذي رافقه إلى مؤتمري جنيف ولوزان اللذين دعا إليهما الرئيس السابق أمين الجميل للبحث في إنهاء الحرب الأهلية، وهناك تعرّف شهيب إلى رفيق الحريري .
ومع عودة الفرقاء إلى لبنان اختار جنبلاط شهيب ليكون مسؤولا عن مكتب الحزب الإشتراكي في بيروت، فكانت بداية بناء علاقة مباشرة ووطيدة مع الرئيس نبيه بري كرئيس لحركة “أمل” التي تقاسم “الإشتراكي” معها السيطرة على بيروت الغربية بعد خروج جيش الجميل منها! وتصفية حركة “المرابطون” وعودة جيش الوصاية السوري إلى أحيائها.
ومع اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية ونص في بنوده على استحداث مقاعد نيابية إضافية في مجلس النواب، اختير شهيب ليكون نائبا معيّنا عن دائرة بيروت بعدما نقل المقعد الدرزي الإضافي الذي كان مخصصا لقضاء عاليه إلى العاصمة بيروت.
وتجدر الإشارة إلى أن المقعد الدرزي الإضافي الذي كان قد تم الاتفاق في مجلس الوزراء على تخصيصه لقضاء عاليه على اعتبار أن في هذا القضاء يشكّل الدروز نسبة 52 بالمئة من السكان مقابل 48 بالمئة للمسيحيين، في الوقت الذي يوجد فيه للدروز مقعدان مقابل ثلاثة مقاعد للمسيحيين، قد تم إسقاطه في القانون الانتخابي بعد تدخل من الأميرة خولة أرسلان ، والدة طلال، مع رئيس مجلس النواب في حينها الرئيس حسين الحسيني، لنقل المقعد الذي كان حكما سيؤول إلى من يسميّه جنبلاط، ولكي لا يتحكّم الأخير بالقرار الدرزي في القضاء الذي كان تاريخيا معقلا “لليزبكيين”. لكن جنبلاط الذي كان قد سمّى شهّيب لشغل هذا المقعد، أعلن في حينها أنه رغم نقل المقعد إلى بيروت إلا أن المرشح سيبقى نفسه، وهكذا كان.
لكن في العام 1992، وفي الإنتخابات النيابية الأولى التي تجري بعد الطائف، ترشّح شهيب عن المقعد الدرزي في قضاء عاليه وحاز على 10 آلف صوت أكثر من الأصوات التي نالها أرسلان رغم ترشحهما على الائحة نفسها، ويستمر في شغل هذا المقعد منذ ذلك الحين.
وبعدما فاز في انتخابات العام 1996 عن دائرة عاليه، عيّن للمرة الأولى وزيرا للبيئة في حكومة الرئيس رفيق الحريري بين 7 أكتوبر 1996 و4 ديسمبر 1998، وفي هذه الحقيبة الوزارية بالذات، يقول شهيب لـ”العرب” إنه “تولاها بشغف انطلاقا من حبّه للطبيعة ورؤيته لبيئة نظيفة شبيهة بمحمية أرز الشوف التي أتولى نيابة رئاستها وأمارس في ربوعها رياضة المشي أسبوعيا”.
ويضيف أنه حاول “الوقوف بوجه وحوش الكسارات والمرامل قدر الإمكان، لكن المعضلة الأكبر التي كانت تؤرقني في حينها هي مسألة النفايات التي كنت متيقنا أننا سنصل إلى أزمة كيفية التخلّص منها بعدما كانت التقارير التي تصلني تفيد بقرب وصول مكب الناعمة إلى طاقته الاستيعابية القصوى وعدم وجود خطة بديلة”.
وتابع شهيب اهتمامه بهذا الموضوع الشائك بسبب توليه رئاسة لجنة البيئة النيابية واستقطب خبراء بيئيين “غير سياسيين” للاطلاع على مشاريعهم للحلول، ثم بعد جميع هذه المشاريع تقدّم بخطة من جزأين؛ مؤقتة ومستدامة لحل أزمة النفايات، لكن “النفايات” السياسية حالت دون إقرارها واعتمادها.
وفي انتخابات العام 2000 التي أجريت بموجب قانون ضم قضاءي عاليه وبعبدا في دائرة انتخابية واحدة، فاز شهيب بالمقعد النيابي، غير أن ذلك العام شهد انعطافة في مسار كتلة “اللقاء الديمقراطي” التي يرأسها جنبلاط إذ بدأ بالتحول تدريجيا نحو
معارضة النظام الأمني السوري اللبناني الذي كان يهيمن على البلد في ظل عهد الرئيس السابق أميل لحود، ثم أطلق موقفه الشهير من مجلس النواب مطالبا بالانسحاب التدريجي للقوات السورية باتجاه البقاع تطبيقا لاتفاق الطائف، ملاقيا بذلك موقف المطارنة الموارنة الشهير ولقاء “قرنة شهوان” المعارض.
كان شهّيب من بين الذين نشطوا إلى جانب جنبلاط في إتمام وإنجاز المصالحة الشهيرة التي تمت من خلال زيارة البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير إلى المختارة، ودافع عنها ولا يزال من خلال الانفتاح على المكّون المسيحي “الشريك في الجبل”، حيث تولّى ولا يزال إلى غاية اليوم، ملف العلاقات مع القوات اللبنانية ورئيسها سمير جعجع الذي يلتقيه بانتظام.
ولم تكن تلك المرحلة لتمر بهدوء وخصوصا بعدما بدأت ملامح سعي الرئيس لحود إلى التمديد مدعوما من النظام السوري، فكان الاجتماع الشهير للمجلس النيابي الذي أقر التمديد للرئيس لحود في العام 2004 في حين كان شهيب من ضمن “لائحة الشرف” التي لم تصوت لصالح التمديد، فبدأت الظروف الأمنية تشتد على كل أعضاء اللقاء الديمقراطي وفي مقدمهم شهيب الذي كان صوته معارضا للحود مدويا.
في السجن تحت التهديد
وبعد اغتيال الحريري تصاعدت حدة المعارضة بوجه نظام الوصاية السوري وكان شهيب يعتبر أحد صقور فريق 14 آذار. يقول لـ”العرب” عن تلك المرحلة “لا أنسى تلك الفترة التي اضطررنا خلالها إلى الإقامة في فندق الفينيسيا كما لو كنا داخل سجن. فالخطر الأمني كان يلاحقنا وتم اغتيال مجموعة من رفاقنا سقطوا أمامنا الواحد تلو الآخر، ونحن ننتظر متى يحين دورنا. لكن إرادة الصمود كانت أقوى”.
وبعد الإنتخابات النيابية التي جرت في العام 2005، فاز شهيب إلى جانب زميله السابق والحالي فيصل الصايغ عن المقعدين الدرزيين في دائرة عاليه، في رسالة صارخة أرسلها جنبلاط إلى أرسلان الذي كان من مؤيدي لحود والنظام الأمني السوري، فجاءت أرقام شهيّب الانتخابية لتؤكّد المؤكّد؛ لولا سماحة جنبلاط مع أرسلان، لتكرّرت النتيجة في كل دورة انتخابية: شهيب هو الرقم الصعب في عاليه.
لكن الفترة الرئاسية الممدة للحود انتهت، ولم يتمكن المجلس النيابي من الانعقاد لانتخاب خلف له، وكادت الأحوال الأمنية تتدهور في ظل المواقف المتشجنة من قبل مختلف الفرقاء السياسيين، فكانت دعوة فرنسية إلى عقد مؤتمر للحوار في ضاحية “سان كلو” الباريسية، فشارك شهيب فيها إلى جانب الوزير مروان حمادة ممثلين لرئيس اللقاء الديمقراطي في محاولة للوصول إلى تفاهم ينهي الفراغ الرئاسي ويفضي إلى انتخاب رئيس جديد.
غير أن الرياح لم تجر كما اشتهت السفن الفرنسية، فعاد الوضع إلى التأزم مع بقاء حكومة الرئيس فؤاد السنيورة المحاصرة في السراي الحكومي من أنصار فريق الثامن من آذار بقيادة “حزب الله” وكان أثناءها شهيّب يزور من حين إلى آخر السنيورة في السراي موفدا من جنبلاط لشد أزره ودعمه في الصمود”.
غزو حزب الله لبيروت
وقعت أحداث 7 و11 أيار في العام 2008 التي نجح فيها “حزب الله” في السيطرة على العاصمة بيروت، لكنه عجز عن استكمال حملته باتجاه الجبل، وبطبيعة الحال كانت منطقة عاليه محورا رئيسيا في مواجهة قوات الحزب، وبطبيعة الحال كان أكرم شهيب في القيادة مجددا.
وبعد مؤتمر الدوحة الذي انعقد بعدما لاحت ملامح الحرب الأهلية مجددا أمام اللبنانيين، تم انتخاب الرئيس العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية وعادت الحياة النيابية لتنتعش مجددا ولعب شهيب دوره الطبيعي كرئيس للجنة البيئة في دفع القوى السياسية نحو تبني مشروع لحل أزمة النفايات “الآتية لا محالة” لكن السمسرات وتضارب مصالح حيتان المال حالت دون ذلك.
وفي الحكومة الأولى التي ألّفها الرئيس سعد الحريري، عيّن شهيب وزيرا للمهجرين، لإدارة الملف الذي كان عايشه في يومياته منذ مطلع الحرب الأهلية وبعد نهايتها، فرعى العديد من المصالحات في قرى الجبل، وساهم في إقفال بعض ملفات التعويضات العالقة، لكن عمله في الحكومة لم يكتمل بعدما مارس فريق التيار الوطني الحر بقيادة رئيسه الوزير جبران باسيل لعبة “الاستقالة” من الحكومة مع الثالث الضامن ما أدى إلى دخول البلاد في أزمة سياسية جديدة.
دخلت البلاد مجددا في الفراغ الرئاسي، لكن هذه المرة بوجود شهيّب كوزير للزراعة في الحكومة التي شكّلها الرئيس تمام سلام، فكان أحد “الرؤساء الـ24” في الحكومة وهو الوصف الذي أحب باسيل أن يطلقه عليها، حيث أنها توّلت مؤقتا صلاحيات رئيس الجمهورية “مجتمعة” إلى حين انتخاب رئيس جديد، وهو ما حصل في أكتوبر 2016 مع انتخاب الرئيس ميشال عون.
محاصرة المختارة
خاض شهيب انتخابات العام الحالي وفقا لقانون النسبية والصوت التفضيلي، وهو القانون الذي يصفه بأنه “قانون أغدر بأخيك أو قانون الخنجر المسموم”.
ويقول شهيب لـ”العرب”، إن هذا القانون أقر وغايته الواضحة “تحجيم وليد جنبلاط ومحاصرة المختارة. ورغم مبادرة مدّ اليد التي أعلنها جنبلاط إلا أن باسيل رفض اليد الممدودة، وتحالف مع أرسلان وقوى أخرى في الجبل، بوجه لائحة المصالحة التي أعلنها جنبلاط مع القوات اللبنانية وتيار المستقبل وشخصيات مسيحية مستقلة”.
ويضيف “الحادثة الأليمة التي وقعت في الشويفات زادت من الطين بلة، خصوصا أن القاتل هو من أقرب المقربين إلى أرسلان ، وقد تم تهريبه إلى سوريا حيث ظهر مؤخرا برفقته، واستشرس أرسلان في هجومه علينا، خصوصا بعد تمسّك وليد بك بحقنا الطبيعي في التمثيل بثلاثة وزراء دروز في الحكومة العتيدة”.
واللافت في نتائج الإنتخابات أن شهيب فاز بضعف عدد الأصوات التفضيلية التي حصل عليها أرسلان ، وفي مسقط رأسه في مدينة الشويفات تحديدا، حيث حاول القاتل نفسه تحطيم صندوق الاقتراع لإلغاء النتائج بعدما كانت نسبة الاقتراع فيه تظهر بوضوح تفوّق شهيب عليه.
واليوم، ينتظر شهيب تشكيل الحكومة العتيدة التي رشّحه جنبلاط لتولي إحدى الحقائب الدرزية الثلاث فيها التي يطالب بها، ما يزيد من امتعاض أرسلان وقلقه.