الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لروان الضّامن

حجم الخط

لقد سمحت لي الظّروف بأن أشاهد وثائقي يكشف القصّة غير المعروفة لصياغة الإعلان العالمي لحقوق الانسان، وذلك عبر صديق مشترك بيني وبين مخرجة الوثائقي السيّدة روان الضامن، وهو الصحافي علي الأمين الذي يقدّر معنى الحريّة، ويعتبرها قيمة إنسانيّة سامية، ويناضل في سبيل تحقيقها. وكان ذلك ضمن أسبوع حقوق الإنسان في بيروت في 11 كانون الأوّل 2018.

 

تعرّفت أوّلا إلى مخرجة الفيلم بعد اطّلاعي على سيرتها الذّاتيّة، على أمل أن نلتقي في يوم من أيّأم الحريّة. وهي مديرة مؤسّسة ستريم للإستشارات الاعلاميّة، ومتخصّصة في العمل الوثائقي. وتجدر الاشارة إلى أنّ المخرجة من الجنسيّة الفلسطينيّة. ما يعني أنّها ذاقت مرارة عدم تطبيق حقوق الانسان في وطنها، وهي حتمًا قد شهدت، عن قرب أو عن بعد، الانتهاكات التي تعرّض إليها أترابها.

 

من هذا المنطلق، أتى عملها الوثائقي هذا كفعل إنسانيّ مقاوماتيّ للإضاءة على مرحلة مهمّة من تاريخ البشريّة التي لولا الوصول إليها، لكان العالم كلّه اليوم أشبه بغابة أمازونيّة تتقاتل فيها الوحوش الضّارية.

كذلك، سلّطت الضّوء في هذا الوثائقي على الدّور الذي لعبته الدّول الصّغيرة  مثل كوبا وبنما وتشيلي ولبنان والهند والباكستان وغيرها من الدّول في صياغة مواد هذه الوثيقة العالميّة.

 

من هنا، وقد ذقنا الأمرّ من غياب الحريّة في تاريخنا البعيد والقريب، حيث خطّت سياط الجلادين في الأنظمة الأمنيّة الغابرة خرائط من نثرات جلدنا على جدران السّجون والمعتقلات لن تمحوها ملايين السنين القادمة، يهمّنا أن نسلّط الضّوء على دور لبنان في هذا الاعلان العالمي بمشاركة ممثّل لبنان في الأمم المتّحدة في فترة صياغته (1945-1948) وهو الدّكتور شارل مالك.

 

وقد أظهرت ” الضّامن” هذا الدّور بأدقّ تفاصيله، إن من خلال الصّور والفيديوهات المسجّلة التي استخدمتها في فيلمها، وإن في الحوار والسّرد التّوثيقي المرافق للفيلم. ونحن بدورنا وقد أخذنا على عاتقنا نشر فكر الدّكتور شارل مالك، إذ ننوّه بالجهد الذي قامت به المخرجة. ونشدّ على يدها حيث أخذت بدورها المبادرة في القيام بجولة عروض للوثائقي ستشمل الأردن وفلسطين وتونس والمغرب وبريطانيا وبلجيكا، إضافة إلى عرضه في أقسام الديمقراطيّة والعلوم السياسيّة في الجامعات العربيّة والغربيّة في العام المقبل.

 

وفي مبادرة ” الضّامن” هذه وظيفة دفاعيّة لتنقية الذّاكرة العالميّة بعدما تمّ تشويهها من خلال الممارسات الساقطة التي جرت في بعض الدّول العربيّة. وهذا ما حرف النّظر عن الممارسات بحقّنا كلبنانيّين وكعرب عندما تعرّضت حرّيّتنا وأرضنا للإعتداء  من كلّ حدب وصوب. وتجدر الاشارة هنا إلى أنّ الفكر الذي حمله مالك لم يستثنِ أيّ مظلوم في العالم. كيف لا؟ وهو الذي وضع مؤلّفًا تحت عنوان: “إسرائيل أميركا والعرب، تنبّؤات منذ نصف قرن”، حيث عرض فيه للقضيّة الفلسطينيّة ولانتهاكات حقوق الانسان التي تعرّض إليها الفلسطينيّون، وما زالوا، وقدّم الحلّ الدّولي لهذه القضيّة. كذلك، قدّم مالك في مؤلّفاته الأخرى، لا سيّما كتاب “لبنان في ذاته” فلسفة الكيان اللّبناني وأحقيّة الحياة لهذا الكيان.

 

لذلك، إنّ المبادرة التي أخذتها “الضامن” تُشكَرُ كثيرًا عليها. ذلك، لأنّها ستكون في المستقبل القريب مصدرًا تاريخيًّا وتأريخيًّا لهذه المرحلة. فهي، أي المخرجة، أضاءت على الدّور اللّبناني الذي يمثّل العرب كلّهم بوساطة الدّكتور شارل مالك، ليصبح عملها مستندًا علميًّا يستند إليه في تثبيت المعارف الحضاريّة للأجيال القادمة.

 

من هنا، وجب علينا اليوم، لا سيّما بعدما وصل إليه العالم من رقيّ في الصياغة، وانحدار في التّطبيق، أن نشبك اليد باليد لتحقيق ما هو خير للإنسانيّة جمعاء، متأمّلين أن نصل إلى عالم يسود فيه مبدأ حوار الحضارات لا صراعها بعدما يتمّ الوصول إلى الحدّ الأقصى من تطبيق الشّرعة العالميّة لحقوق الإنسان، ماذا وإلّا… سلام علينا وعلى عالمنا لأنّنا لن نكون مستحقّي نعمة الحياة التي  منحنا إيّاها ربّنا.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل