كتب نجم الهاشم في “المسيرة” ـ العدد 1690
إذا كان العام 2016 انتهى إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية، وإذا كان العام 2017 هو عام محاولة استعادة الثقة مع حكومة الرئيس سعد الحريري قياسًا على الإستفادة من مفاعيل التسوية الرئاسية وعام إقرار قانون جديد للإنتخابات من أجل تجديد الحياة السياسية، وإذا كان العام 2018 عام هذه الإنتخابات التي أفرزت نتائج جديدة، فإنه شهد انهيار الثقة بإمكانية استعادة الثقة بعد العقد التي واجهت عملية تأليف الحكومة الجديدة التي اعتبر الرئيس عون أنها ستكون حكومة عهده الأولى بعدما استهلك عامين من عمره دخل فيهما لبنان مرحلة الخطر الحقيقي، حيث أنه بعد أعوام على الإستقرار في سعر صرف الليرة بدأ اللبنانيون يشعرون أن هذا الإستقرار مهدد نتيجة عدم الإستقرار السياسي. فهل سيتمكن العهد من تصويب البوصلة في العام 2019؟ أم أن الوضع سيتجه نحو المزيد من الإنهيار على مختلف المستويات؟
لم تجرِ الرياح كما تشتهي سفن العهد منذ بدأ في 31 تشرين الأول 2016. ولم يحقق العهد الإنجازات التي طالما وعد بها. وهذا الإخفاق لا يحسب عليه وحده إلا من زاوية أنه وضع في برنامج عمله الكثير من الأحلام التي يبدو أن تحقيقها صعب ويحتاج إلى مواكبة ومتابعة من أكثر من طرف شريك في السلطة وصناعة القرار أو عرقلته.
لقد انطلق عهد الرئيس عون بقوة مستندًا على مفاعيل التسوية الرئاسية التي أوصلته إلى بعبدا وكان في أساسها تفاهم معراب الذي تبنت فيه «القوات اللبنانية» ترشيحه وتبعها في ذلك الرئيس سعد الحريري ليكتمل النصاب في مجلس النواب الذي طالما عطله «حزب الله» متذرعًا بالتمسك بعون مرشحًا وحيدًا للرئاسة.
نتيجة تلك التسوية ولدت سريعًا الحكومة الأولى برئاسة الرئيس سعد الحريري التي سميت حكومة استعادة الثقة على أساس النأي بالنفس عن القضايا الخلافية والذهاب إلى القضايا التي تشكل عوامل مشتركة، وخصوصًا ما يتعلق منها بالقضايا الحياتية والمعيشية.
لعل أبرز إنجاز على المستوى السياسي كان إقرار القانون الجديد للإنتخابات في حزيران 2017 عندما رفض الرئيس عون التمديد لمجلس نواب 2009 ورفض العودة إلى قانون الستين مفضلاً الفراغ. كان هذا القانون هو المدخل الرئيسي نحو تصحيح التثميل النيابي وإعادة بناء المؤسسات، خصوصًا أن لبنان كان تحرر من الوضع الأمني الذي ساد عند حدوده الشرقية مع سوريا بعد معركة تحرير الجرود وإبعاد خطر التنظيمات الأصولية. ولذلك اعتبر جميع الأطراف أن انتخابات 6 أيار 2018 هي المدخل نحو إعادة تركيب السلطة. ولكن ما بعد هذه الإنتخابات كان قمة الإحباط.
نتيجة الممارسة السياسية لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لم يكن بالإمكان الفصل تمامًا بين ما هو خاص بالتيار وخاص بالعهد. لقد خاض باسيل الإنتخابات النيابية في 6 أيار تحت شعار العهد القوي ولم يكن الرئيس عون بعيدًا عن هذه المعركة. كان المطلوب أن تتشكل كتلة كبيرة من نواب التيار وحلفائه لتكون كتلة العهد انطلاقا من حسابات خاصة وضعت في خانة تحضير باسيل نفسه لرئاسة الجمهورية في تشرين الأول 2022. صحيح أن هذه الإنتخابات جعلت كتلة «العهد القوي» تضم 29 نائبًا ولكنها لم تجعل العهد يحافظ على قوته. وقد تظهرت خلفيات الوزير باسيل من خلال التحالفات التي نسجها في الإنتخابات، وبرز من خلالها إختلاف رئيسي مع «حزب الله»، خصوصًا في منطقتي بعلبك وجبيل، وابتعاد عن أي تنسيق وتحالف مع «القوات اللبنانية» حتى في الدوائر التي لا يمكن أن يفوز أي منهما فيها لوحده، وتقارب رئيسي مع تيار المستقبل خصوصًا على ضوء العلاقة التي نشأت مع الرئيس سعد الحريري على ضوء مفاعيل إستقالته التي كان أعلنها من المملكة العربية السعودية في 4 تشرين الثاني 2017.
بعد تلك الأزمة الحكومية كان هناك كلام عن عزل «القوات اللبنانية» وإبعاد وزرائها عن الحكومة. لم يتحقق هذا الأمر. كان الرهان على أن تدفع «القوات» الثمن في الإنتخابات بحيث يتم تحجيمها وتقليص عدد نوابها، ونتيجة ذلك يكون إبعادها عن الحكومة تلقائيًا ونتيجة حتمية لتلك النتائج. إلا أن حسابات الحقل إختلفت عن حسابات البيدر.
ذهبت «القوات» إلى الإنتخابات متسلحة بدراسة جيدة للواقع الشعبي والإنتخابي وللدوائر ولقوتها الذاتية ولتحولات الرأي العام. كان في سجلها الكثير من الإنجازات على صعيد الممارسة السياسية النيابية والوزارية الشفافة بشهادة الأصدقاء والخصوم، خصوصًا من خلال تصديها لملفات الفساد وتعاطيها مع الشأن العام بخلفية دولة المؤسسات والمواطنية، وهذا ما جعلها تحقق أهم إنجاز في هذه الإنتخابات عندما رفعت رصيدها من 8 نواب إلى كتلة من 15 نائبًا وأثبتت حضورها وتمثيلها الشعبي من الشمال إلى الجنوب. وهذا ما جعلها الرابح الأكبر والأول بين الأطراف الأخرى. فـ»حزب الله» وحركة «أمل» احتكرا التمثيل الشيعي، وتيار المستقبل خسر بعض المقاعد، والحزب التقدمي الإشتراكي حافظ على تأثيره وحضوره، وتيار «المردة» كذلك، بينما حزب الكتائب تقلص حضوره. وهذا ما جعل «القوات اللبنانية» من بين الكتل النيابية الكبرى المقررة في التركيبة الحكومية والمشاركة في صناعة القرار السياسي، وبالتالي سقطت محاولة عزلها وأعطت نتائج عكسية بحيث بات من غير الممكن تجاوزها.
هذا الإنجاز القواتي الإنتخابي أعطى أيضًا مفاعيل عكسية. وبدل أن يبادر رئيس التيار الوطني الحر النائب المنتخب الوزير جبران باسيل إلى ترميم العلاقة مع «القوات» حاول أن يستمر في معركة التحجيم من خلال تحديد عدد وزراء «القوات». وبدل من أن يعمد إلى تعزيز تفاهم معراب ذهب إلى إسقاطه والتخلي عنه عندما تنصل من الشق السياسي الذي كان وقع عليه في 18 كانون الثاني 2016 والذي ينص على المشاركة مع «القوات اللبنانية» في الحكومة بحصة متساوية مع لحظ حصة لرئيس الجمهورية. كان الإتفاق ينص على أن تتمثل «القوات» مع حلفائها بستة وزراء مثل التيار الوطني الحر في حكومة من ثلاثين وزيرًا، وأن تكون حصة رئيس الجمهورية ثلاثة وزراء، ولكن باسيل اختار الإنقلاب على هذا التفاهم معطيًا لنفسه الكثير من المبررات التي لا تتفق مع الواقع، ولا سيما لجهة إتهامه «القوات» بأنها لم تدعم العهد وركزت على الفضائح التي تمس التيار، خصوصًا في ملف استئجار بواخر الكهرباء، مع أن قوة العهد الأساسية كانت من قوة تفاهم معراب، وأن «القوات» لم تقف وحدها ضد صفقات البواخر بل كانت تقف خلف تقارير إدارة المناقصات التي رفضتها، ولم تكن لها أي علاقة مثلاً بما سُمي فضيحة مرسوم التجنيس التي طالت شظاياه رئيس الجمهورية، ولا بالخلاف بين باسيل ورئيس مجلس النواب نبيه بري بعد كلام باسيل عن تكسير الرؤوس والإشكالات التي حصلت على الأرض مع مؤيدي الحركة الذين تظاهروا وقاموا بأعمال شغب في منطقة ميرنا الشالوحي أمام المركز الرئيسي للتيار الوطني الحر وفي الحدث.
يتبع
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]