سألني اليوم ابني البكر “مجد”، البالغ عشرة سنوات، من هو كميل شمعون؟ ومن ذا الذي أطلق شعار الـ10452 كيلومتراً مربعاً؟ وذلك بعد ورود هذين التعبيرين في وثائقي متلفز كنت أشاهده في منزلي.
أجبته بأنّ كميل شمعون كان رئيساً للجمهورية اللبنانية في خمسينيّات القرن الماضي ولُقّب بفخامة الملك لصلابته وقدرته على فرض طاعته واحترامه على الآخرين.
أمّا الشيخ بشير الجميل الذي يعرف مجد جيّداً بأنّه هو مؤسس القوات اللبنانية، فأجبته بأنّه رئيساً للجمهورية اللبنانية، تمّ انتخابه في العام 1982، في 23 آب، واغتيل في 14 أيلول من العام نفسه. وهو مطلق شعار الـ10452 كيلومتراً، حيث ثبّت قوله بالفعل بتحويل المقاومة المسيحيّة الى مقاومة لبنانية وليس مذهبية طائفيّة.
هنا كانت المفاجئة، عندما قال لي مجد إبني، “عندما أكبر سأجعل المسيحيين في يوم ما ينسون زعامة كميل شمعون وتجربة بشير الجميل”.
من هذا المنطلق، وجدت نفسي مجبراً على إيضاح بعض المسائل التّاريخيّة لمجد، وهو لا يُلام لصغر سنّه. هو لا يعرف من التّاريخ إلا ما سمح له صغر سنّه وفضوله بمعرفته. فقلت له:
“إسمع يا مجد:
بالنّسبة إلى فخامة الملك، لتصبح مثله عليك أن تعمل جيّداً على صقل حبّك لوطنك بمسيرة نضاليّة لا تتوانى فيها عن بذل أغلى ما عندك. عليك يا مجد أن تشعر بوجع النّاس؛ فكما كان فخامة الملك يفتح منزله في بلدته دير القمر ليستمع إلى شجون أهله وناسه، عليك أن تتعلّم الإصغاء إلى هموم النّاس وما يؤرقهم، لا أن تجلس في برج عاجيٍّ بعيداً من النّاس وهمومهم وتعمل على إبرام الصّفقات المشبوهة لتكدّس الأموال التي سيأكلها الدّود والصّدأ بعد رحيلك عن هذه الدّنيا. عليك أيضاً يا مجد إذا التقيت بأغراب من أوروبا وأميركا أن تفرض احترامك بعملك النضالي وعبر سيرتك الحسنة، وليس أن تسمح لهم بالسّخرية نتيجة سخافتك واستخفافك بعقولهم لتحقّق مصالحك الذاتية.”
هنا نظرت إلى عيني ابني البارقتين والمغرورقتين بالدّموع وسألته ما بك؟ فأجابني مذهولا، “كم هو صعب يا أبي أن تكون ملكًا مكلّلا بالفخامة وتشعر بهموم النّاس”.!!!
وتابعت حديثي قائلا:
“أمّا بالنّسبة إلى فخامة الرّئيس الشّهيد بشير الجميل، فاصغِ جيّداً إلى ما سأقوله:
لتستطيع أن تنسي المسيحيّين واللّبنانيّين تجربة بشير الجميّل، عليك أن تكون صاحب مبدأ وقرار، وليس أن تبدّل آراءك ومبادءك كما تبدّل ثيابك لتحقّق مصالحك الشّخصيّة. واسمع يا حبيبي، إنّ بشير الجميّل مدموغ في ذاكرة أربعة أجيال تقريباً ولتنسي هذه الأجيال من هو بشير الجميّل، أنت بحاجة إلى أربعمئة سنة على الأقلّ. وهذا ما يفوق قدرة أيّ إنسان.
باختصار عليك أن تكون كبشير الذي لم يخف يوماً، ولم يسمح للخوف أن يدخل قلوب رفاقه. هو القائد الذي يسير أمام جنوده. هو القائد الذي أفنى ذاته حتّى الاستشهاد فداء لوطنه ورفاقه وأهله وناسه. هو الذي قال لرفاقه: إن لم يولد من بعدي 600 بشير فستمّئة سنة عليكم وعلى نضالكم. عليك يا ابني ألا تعمل على تأليه نفسك حتّى تصبح معبود جماهيرك، بل عليك أن تحترم تاريخك ودينك وتكون المدافع الأوّل عن كنيستك ووطنك متى دقّ الخطر أبوابها.
وأخيرًا يا ابني مجد لتستطيع أن تشبه بشير الجميّل عليك أن تقدم على الاستشهاد ببسالة فداء لوطنك لبنان”.
عندها اغرورقت عينا مجد بالدّموع وقال لي، “كم هو عظيم بشير الجميّل، سأجهد نفسي لأكون مثلما أوصيتني يا أبي حتّى لو استشهدت فداء عن وطني لبنان “ع دعسات البشير”. أرجوك يا أبي ألا تحزن”.
عندها قلت لمجد، “صلِّ يا ابني للبشير ولرفاقنا الشّهداء كما علّمتك، واطلب من ربّنا وإلهنا أن يعطيك من فيض نعمه وإن أرادك أن تكون بشيرًا فاطمئنّ : أنت حتماً ستكون وعندها سأسير مرفوع الرّأس لأنّني ربّيت بشيراً.