أي دور للمسيحيين؟

حجم الخط

 

كتب رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب “القوات اللبنانية” شارل جبور في “المسيرة” – العدد 1691

أي دور للمسيحيين؟

نضال… فعالية… قضية

 

إرتكز الدور المسيحي في لبنان تاريخيًا على ثلاثة جوانب أساسية: نضال تاريخي هدفه العيش بحرية وسلام وأمان، حضور فاعل داخل الدولة ومؤسساتها الرئاسية والحكومية والنيابية والمالية والعسكرية والأمنية والقضائية، ومشروع سياسي حوّل لبنان بميزاته التفاضلية على مستوى التنوّع والحريات والعيش المشترك والحياد والسيادة إلى قضية.

 

وتشكل هذه الجوانب الثلاثة حلقة مترابطة بإحكام، وانفكاك أي عنصر من عناصرها يؤدي إلى إضعاف الدور المسيحي الذي يفقد قيمته في حال فقد جانبه النضالي أو السلطوي أو اللبناني. فالنضال هو قدر تاريخي للمسيحيين وفي اللحظة التي يتخلون فيها عنه يفقدون وجودهم في لبنان، فيما حضورهم الفاعل داخل السلطة يتيح لهم تحقيق الضلع الثالث المتمثل بالقضية اللبنانية التي تعلو ولا يُعلى عليها.

وقد أثبتت الأحداث أن أحد الجوانب الأساسية للحرب والوصاية السورية إضعاف الدور المسيحي في السلطة من أجل تغيير دور لبنان، وهذا الدور لم يُحفظ بالشكل المطلوب سوى في زمن الوجود المسيحي القوي في السلطة، الأمر الذي يعني بوضوح المعادلة التالية: لبنان يفقد دوره التاريخي بمجرد أن يفقد المكوّن المسيحي دوره الفاعل داخل الدولة، والوجود المسيحي يصبح مهددًا بمجرد تخلي المسيحيين عن نضالهم التاريخي.

 

فهناك إذاً معادلة ثلاثية مسيحية ذهبية: نضال + فعالية + قضية، بمعنى أن النضال الذي لا يمكن ولا يجب أن يتوقف يشكل الضمانة لاستمرارية الوجود المسيحي في لبنان، وفعالية الدور المسيحي داخل الدولة تشكل الضمانة لثمرة نضالهم التاريخي المتمثلة بلبنان.

 

أولا، على المستوى النضالي: النضال بالنسبة للمسيحيين ليس ترفاً أو خيارًا بل واجبًا وقدرًا، وعليهم تربية أولادهم على ثقافة نضالية حقيقية، وهنا أهمية دور الأحزاب، وهذا تحديدًا ما تقوم به «القوات اللبنانية» التي عملت وتعمل في ثلاثة اتجاهات: إعادة الإعتبار للدور الحزبي الذي تم تشويهه عمدًا من أجل ضرب الدور المسيحي الوطني الفاعل، وأقوى دليل أن «القوات» وحدها حُلّت في زمن الوصاية، فيما الشخصيات التي كانت تتكلم بنفس خطابها واصلت عملها السياسي كالمعتاد لأن لا قدرة لها على تغيير الوقائع.

 

الاتجاه الثاني توسيع قاعدة الإلتزام الحزبي من أجل زيادة الفعالية ومضاعفتها، لأنه لا يمكن لأي قضية أن تتحقق من دون دفع جماعي، فيما فرطعة المجتمع تشكل الطريق الأسهل لضرب القضية.

 

الاتجاه الثالث الذي تعمل عليه «القوات» يكمن في توسيع مساحة الإلتزام على قواعد فكرية باعتبار أن الصلابة الفعلية ليست غرائزية بل تستند إلى رؤية سياسية متكاملة لمشروع إنساني حضاري قابل للحياة والإستمرارية اليوم وبعد ألف عام.

فلا خيار سوى النضال والنهج النضالي والثقافة النضالية والتربية النضالية على أسس وطنية وفكرية وأخلاقية.

 

ثانيا، على مستوى فعالية الدور داخل مؤسسات الدولة: حسم المسيحيون خيارهم باكرًا لناحية أن أولويتهم بناء دولة لهم ولغيرهم وتشكل الضمانة لهم ولغيرهم وتفضي إلى بناء وطن حقيقي على غير معظم الأوطان في العالم. فالظروف الخارجية التي ساعدتهم في تحقيق هدفهم كان باستطاعتها مساعدتهم على بناء دولة مسيحية وجيش مسيحي، فيما هم أرادوا بناء دولة لبنانية وجيش لبناني، وهذا ما يفسِّر لجوءهم الإضطراري إلى السلاح في اللحظة التي شعروا فيها أن الدولة أصبحت عاجزة عن حمايتهم، وتخليهم عن هذا السلاح في اللحظة التي شعروا فيها أن الحرب انتهت بمساهمتهم الأساسية بإنهائها، لأن مشروعهم إقامة دولة لا دويلات.

 

فهناك وجهة نظر داخل البيئة المسيحية لا تعطي لفعالية الدور داخل السلطة الأهمية، بل يقتصر دور المسيحيين، بنظرها، إلى دور ثقافي يروِّج للسلام والتعايش والتفاعل، والخطأ الجوهري في هذه النظرة أن الدور النظري الذي تطرحه لا قيمة له في حال عدم إرتكازه على حضور فاعل داخل بنية الدولة قادر ليس فقط على ترجمته، إنما بجعله النموذج الذي يجب أن يُحتذى.

 

ومن ثم لبنان بتركيبته المجتمعية والميثاقية قام على الشراكة المسيحية-الإسلامية، ولا بأس بالتذكير أن الشعور بعدم المساواة كان أحد عوامل الحرب اللبنانية، ولذلك لا يجب التهاون بالمعطى الميثاقي الذي لا يقل أهمية عن المعطى السيادي، فإذا كان لبنان لا يقوم من دون سيادة كاملة، فإنه لا يقوم أيضًا بهيمنة فئة على فئات أخرى، ومن هنا قدسية الشراكة والمساواة، وما تحقق من خلال القانون الانتخابي الأخير والانتخابات التي تلته شكل تصحيحًا لخطيئة بحق لبنان واللبنانيين.

 

فلا دور للمسيحيين في جعل لبنان رسالة للعيش المشترك من دون حضور فاعل في السلطة، والسعي إلى هذا الحضور ليس عيبًا، بل ضرورة ملحة من أجل إنجاح التجربة اللبنانية القائمة على الشراكة في السلطة بين المكوّنات المسيحية والإسلامية الممثلة لمجتمعها.

 

ولا يُخفى على أحد أن أحد أهداف النظام السوري بضرب الفعالية المسيحية كان من أجل وضع يده على لبنان، لأن الدور المسيحي قطع الطريق أمام سورنة لبنان، وحقد النظام على «القوات» سببه أنها كانت السد المنيع أمام مآربه في لبنان، ولم ينجح لا في كسرها ولا في استمالتها، وبالتالي أهمية الفعالية المسيحية أنها تشكل ضمانة للسيادة والإستقلال والعيش المشترك.

 

ثالثا، على مستوى القضية يمكن الكلام عن مجموعة مفاهيم ومبادئ وثوابت، فقيمة لبنان ليست بمساحته الجغرافية فقط، أي نهائيته كدولة وكيان، إنما أهميته تكمن في أنه بلد الحريات والديموقراطية التوافقية والتنوّع والتعدد والشراكة والمساواة والسيادة والإستقلال وأحادية السلاح والعيش الحر والحضور الفاعل في السلطة والحياد، وبالتالي كل هذه العناصر وغيرها تشكل مجتمعة القضية المسماة لبنان بميثاقه وصيغته وجوهر وجوده، وأي محاولة لتغيير دوره يعني الإنقلاب على معنى لبنان وفلسفته.

 

فالقضية هي هذا المزج بين البعد الجغرافي والإنساني والمجتمعي والقيمي، فلا قيمة  للبنان الـ10452 كلم من دون حرية وشراكة وعدالة ودولة، وبالتالي القضية هي تجسيد للبنان التاريخي بتكوينه وجوهر دوره ورسالته.

 

وهناك من يخطئ في النظرة إلى لبنان ويتعامل معه وكأنه طبقة واحدة، أي طبقة السيادة، وهي أساسية بطبيعة الحال، لأن لا دولة من دون سيادة، ولا شراكة من دون سيادة، ولا حريات من دون سيادة، ولكن لا يجب إغفال ولا إهمال أن لبنان ليس مكوّنا من أفراد فقط، بل من جماعات يجب أن يكون حضورها مؤمّناً على مستوى السلطة في شراكة كاملة ومساواة فعلية بعيدًا من لغة العدد وهواجس الغلبة، فضلاً عن أن هناك طبقة إدارة الدولة التي يجب أن تكون نزيهة وشفافة بعيدًا من الزبائنية والفساد «المعشش» الذي أفلس الدولة وهجّر الناس.

فلا دور للمسيحيين خارج ثوابتهم الوطنية وتجربتهم التاريخية، وكل محاولات تغيير هوية لبنان ودوره لن تنجح، فيما نجحوا بعبور أسوأ مرحلة في تاريخهم في زمن الوصاية السورية على لبنان التي كان هدفها كسرهم إلى الأبد، مستعيدين عافيتهم النضالية من أجل استعادة لبنان التاريخي.

 

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل