كتب البروفيسور الأب يوسف مونّس في “المسيرة” – العدد 1692
الكسليك و«الجبهة اللبنانية»
الأبَّاتية الثلاثة: شربل قسيس ـ بطرس القزي ـ بولس نعمان
والمحترم الأب توما مهنا، والمهدوية التأسيسية
الكتابة عن تلك الحقبة البهية المجيدة المصيرية والدقيقة يصعب عليّ تذكر كامل أسماء وأفكار وطروحات الذين شاركوا في بلورة طروحاتها ومضامين مواقفها، ويصعب عليّ تذكر أسماء المفكرين والمقررين السياسيين الذين تحلقوا حول أهمية تشكيلها وإيصالها الى المجتمع اللبناني بمسيحييه ومسلميه، والإحاطة بجميع العوامل الخارجية المتداخلة فيها. ولذلك فإنني مع البعد عنها وتقدم العمر سيعترضها الكثير من النواقص والتذكر والنسيان، لذلك فإنني أقدم إعتذاري لجميع الذين لم تحضرني أفكارهم وطروحاتهم وأسماؤهم وهم كثر ولهم الإحترام والتقدير.
عواصف الأفكار
كنا في جو يدعو الى الإنصهارية الكاملة والأحادية الخانقة التي تدمِّر حق الآخر بالوجود والإختلاف والمغايرة والتنوّع والفرادة والغرق في عنف الكراهية والحقد وتدمير العلاقات بين مكوّنات المجتمع اللبناني وتستهدف وحدته الوطنية، وعلت عواصف الفكر المتطرف والغلوّ متناسية الخصوصيات الحضارية والثقافية والتاريخية والدينية لمكوّنات المجتمع اللبناني.
رهبان وعلمانيون هبّوا لإنقاذ لبنان
تنادى بعض الآباء المحترمين بطرس القزي والأباتي شربل قسيس والأباتي عمانوئيل خوري والأباتي يوحنا تابت والأباتي بولس نعمان والأب أنطوان كرم والأب يوسف مونس والمحترم الأب توما مهنا والأب إسطفان صقر… روبير عبده غانم، شارل مالك، نسيب طربيه، سعيد البستاني، فؤاد افرام البستاني، إبراهيم النجار، إدوار حنين، صلاح مطر، أنطوان نجم، قيصر نصر، سعيد عقل، جواد بولس، وليد الخازن، خيرالله غانم… كميل شمعون، نبيه عطاالله وغيرهم الكثيرين الذين صعب علّي مع مرور الزمن أن أتذكرهم بأجمعهم…
المجموعة Gamma
كنا مجموعة من 82 مفكرًا من الإختصاصات المتنوّعة كافة، وكان مصير المسيحيين في خطر داهم بعد أن شوِّهت وشُنِّعت صورتهم في جميع وسائل الإعلام والمجتمعات السياسية المدنية والعسكرية وحوّلتهم الى «الضحية» التي يجب ذبحها لأنها آتية من المجتمع البورجوازي والسياسي الذي إستغل الإمتيازات وقهر وأفقر جميع المجتمعات الأخرى، من فلسطينية الى إسلامية سنيّة أو شيعية أو درزية، وهمّشتهم وأكلت حقوقهم ولم تحترم لا كرامتهم ولا حقهم بالمشاركة في الدولة اللبنانية. إنها الرأسمالية المسيحية والسياسية، وحرمتهم من جميع حقوقهم في المواطنة والعيش الكريم. وصارت صورة المجتمع المسيحي صورة الجلاد القاسي الذي يشرب ويمتص دم الضحية. فلذلك حق للمجتمع الدولي الوقوف ضدهم وتهجيرهم وانتزاع السلطة منهم، وهذا ما حدث في مؤتمر الطائف وتهجير الجبل وحرق وتدمير وغزو القرى المسيحية وذبح أهلها لدفعهم الى الهروب والهجرة والرحيل عن أرضهم وأرزاقهم. فكانت المقاومة المسلحة اللبنانية مع بشير ورفاقه، والتي كان يلزمها غطاء فكري وتنظير عقائدي منوّر، فكانت الجبهة اللبنانية وجبهة الحرية والإنسان.
أين ولدت جبهة الحرية والإنسان؟
ولدت جبهة الحرية والإنسان في مكتب الأباتي بطرس قزي وبدعم من الأباتي شربل قسيس والدكتور شارل مالك والدكتور روبير عبده غانم والقاضي نسيب طربيه، والكثير سواهم من المفكرين والمؤرخين والفلاسفة. ووُلدت الجبهة اللبنانية جبهة الحرية والإنسان بتأسيس مميّز خاصة من الدكتور شارل مالك.
الجبهة اللبنانية ومجموعة الكسليك
وصار هناك مجموعتان واحدة مصغّرة هي الجبهة اللبنانية ويرأسها قدس الأباتي شربل قسيس، وفريق Gamma المؤلف من 82 مفكرًا يرأسه قدس الأباتي بطرس القزي والأباتي بولس نعمان والمحترم الأب توما مهنا. الأولى تجتمع في صالون دير مار أنطونيوس الكبير في بيروت ثم دير عوكر، والثانية تجتمع في الكسليك.
الجبهة اللبنانية بيدها القرار السياسي وفريق Gamma هو الخزان والموجّه الفكري والمنظّر الفكري والفلسفي والعقائدي.
عن المحرقة الجديدة Holocauste
«والشباب» يدافعون ويستشهدون كي لا يصبح لبنان الأرض البديلة والوطن البديل للفلسطينيين، لأن الهمّ الأساسي للقوى الأميركية والعالمية مستند على ثلاث ركائز: البترودولار، أمن وسلم إسرائيل، وحل القضية الفلسطينية. فإذا مُسَّ الفلسطينيون قامت قيامة العالم الإسلامي وضرب البترودولار في العالم الإسلامي العربي. وإذا مُسَّت شعرة من إسرائيل جعلت منهم هولوكستاً Holocauste جديدًا، وقامت قيامة أميركا وأوروبا. فلم يبقَ إلا المجتمع المسيحي اللبناني «المبروص» والقذر والذي يجب التضحية به لإنهاء القضية الفلسطينية على حسابه، وإعطاء السلم لإسرائيل وحفظ مصادر البترودولار وحل القضية الفلسطينية، فانطلقت حركة الكسليك تقاوم وتستنهض الشباب للدفاع عن لبنان وترفض التقسيم وترفض حل القضية الفلسطينية على حساب مسيحيي لبنان وإرضاء العالم العربي والإسلامي، وإراحة إسرائيل ومصدر التهديد على وجودها. فاتُهمنا بالتعصب والإنعزال والتقسيم ولم نفكر يومًا في هذا، بل كان همّنا إنقاذ لبنان بصيغته الفريدة المميّزة، وعيشه المسيحي الإسلامي المشترك كنموذج لمستقبل الجماعات المتنوّعة في العالم، وإنقاذ أرض لبنان من أي إغتصاب أجنبي مهما كان ومن أين أتى.
إنقاذ لبنان
وهكذا، إستشهدنا وأنقذنا وطننا الحبيب لبنان، وطن رسالة ومحبة وتنوّع واحترام للآخر، والبُعد عن الكراهية والحقد، والعيش معًا، مسيحيين ومسلمين، باحترام ومحبة واغتناء أحدنا بالآخر من نبع تنوّعنا وتعددنا.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]