يمكن تشبيه الوضع اللبناني بـ”لعبة الكراسي” التي تفرض على لاعبيها الجلوس على الكراسي عند توقف الموسيقى بشكل مفاجئ، ومن يظل من دون كرسي، يخرج من اللعبة. ومتى خرج أو شعر أي لاعب باحتمال خروجه من اللعبة، باعتبار أن هناك مَن هو أسرع بديهة منه، هناك المصائب. الكثير من الدماء أهرقت على مرّ الحروب اللبنانية إن كان عام 1948 أو 1956 أو 1967 أو 1973 أو 1975 أو 1982، وحتى عام 2006، والنتيجة واحدة: لا منتصرين، فقط ضحايا.
الخوف كان ولا يزال الدافع الأول والأكبر ليومنا هذا في نشوء أي خلاف أو مناوشة بين طرفين لبنانيين أو حتى بين طرف لبناني وآخر إقليمي. الخوف وما أدرانا ما الخوف، وإلى ما يؤدي. يمكننا على سبيل المثال الاستشهاد بأم خائفة على ولدها، فتضمحل لديها كل صفات الحنان والرقي وحتى الأنوثة في ثوان لتتحول إلى ذئب كاسر من أجل حماية ولدها عند شعورها الخوف. إذا، هل نلوم اليوم أطراف الحروب اللبنانية على أفعالهم المبنية على الخوف، لومنا أماً قتلت لحماية فلذة كبدها؟
لطالما تميز لبنان الحديث بتنوعه الطائفي في المشرق. انطلاقا من هنا، وانطلاقا من مبدأ الوجود؛ كان الخوف، وكانت الشراسة في الحفاظ على هذا الوجود. حتى أشجار الغاب المتلاصقة، تتصارع وتتسارع للنمو من أجل أن يظلّ رأسها شامخاً، يرى الشمس وتغذيه، ويحافظ على وجوده وكيانه. لذا، كان الخوف من انعدام الوجود، ومن العودة إلى التهميش لدى البعض، ومرة جديدة لدى البعض الآخر كان الخوف من انعدام الوجود والوصول إلى التهميش بعدما كان “الحاكم”.
الخوف من الآخر- الداخلي. ومن كل تهديد يمثله هذا الآخر. فالجميع بحكم الغريزة يريد البقاء، ولكن عملية البقاء في بيئة متنوعة مهددة فعلا، “فالسمكة الكبيرة لطالما أكلت الصغيرة”، وفعل الأكل محظور إن كان مراد البقاء! كما كان الخوف من النفس، أيضا. فرهبة الخوف عميقة جدا في نفوس اللبنانيين، ما منع حتى توحد أصحاب “الطبيعة” نفسها، لينقسموا على بعضهم ويشكلوا تهديدا على بعضهم البعض.
الخوف من الآخر – الخارجي. وهو ما كان يتوجب على كل الآخرين الداخليين الخوف منه، ولربما التوحد ضدّه! فعادة، المصائب توحدّ القوم، ولكن سنعود للدوران في الدوامة عينها، فاللبنانيون ليسوا قوما، بهذه البساطة. فكان الخوف من “الخارجيين”، و”الخارجيين – الإقليميين”، وفي الوقت عينه كان تحالف البعض مع من يخافه البعض الآخر.
آسف، إن تشربكت الأمور في رؤوسكم، لكنه الواقع. إنه الواقع الذي أرغم التاريخ وكتابته التوقف عام 1943. ومجددا، إنه الخوف من كتابة ما لن يعجب الآخر، الخوف من الآخر والخوف والخوف… أسيأتي من يعالجنا نفسياً من هذا الخوف المزمن؟ أسيأتي من يعالج أزمة هويتنا يوما؟ أسنعترف بلبنانيتنا يوما؟ أم سيأتي اليوم، الذي يتفجر فيه هذا الخوف المكبوت اليوم، مجدداً، ويطيحنا إلى غير عودة ولبناننا!