أشار رئيس جهاز التنشئة السياسية في “القوات اللبنانية” المحامي شربل عيد الى أن “البطريرك صفير هو بطريركٌ استثنائي في تاريخ الكنيسة المارونية، بدءًا من تاريخ ميلاده الموافق لولادة لبنان الكبير، مرورًا بحبريته وكل حقبات ولايته الاستثنائية، فتصرّف خلالها معتبرًا أن لبنان مولود الكنيسة المارونية وكأنه أحد بنيه، فعاش الى جانب جراح لبنان وآلامه، حمل مصائب شعبه، وامتلك روحًا قتالية من دون سلاح، فكان صلبًا بهدوئه وشامخًا بتواضعه، وهو الذي قال للمطارنة الموارنة قبيل انتخابه: لست بافضلكم ولست بأعلمكم، وسأسعى لأكون مستحقًا”.
واعتبر عيد، في حلقة خاصة عن البطريرك صفير عبر اذاعة لبنان الحر، “أن البطريرك صفير هو بطريرك من زمانٍ آخر، يذكرّنا بالبطريرك حجولا والحدشيتي، فهو من سلالة هؤلاء العظماء الذين قادوا جيوش المقاومة والدفاع عن الوجود الحر، أولئك الذين تحملّوا مسؤولياتهم الزمنية والوطنية والروحية معًا، فلم يستقيلوا من الوطن بل قادوا الوطن الى الاستقلال، حافظوا على ميثاقيته، وسلامة عيش مسلميه ومسيحييه سويًا”.
وأضاف عيد: “من نِعم ربنا ان يستلم هذا البطريرك مسؤولية الكنيسة المارونية عام 1986، فمنذ ترأسه لها كانت جميع خطواته ومواقفه استثنائية، فكان أول من كسر الحدود بين المنطقتين الشرقية والغربية في عزّ الاقتتال الطائفي، وأول من فتح أبواب بكركي لتقبّل العزاء بالمفتي حسن خالد”.
وتابع: “إن البطريرك صفير واجه التسوية الاميريكة – السورية إبّان معركة الرئاسة عام 1988، فرفض ان يؤتى برئيس خارج عن ارادة اللبنانيين، كما أنه لولا هالته الروحية والوطنية لما تمّ اتفاق الطائف الذي وضع حدًّا للحرب في لبنان، كما انه دفع ثمن مواقفه تلك، من جزء من ابناء رعيته، لم يدفعه أحد من اسلافه”.
وأكد عيد أنه بعد انتهاء الحرب، كان لبنان خارج اسوار بكركي محتلًا، أما داخل هذه الأسوار “فكان هناك من يصغي الينا ويتألّم معنا، ويقف الى جانبنا، فتحوّل هذا الرجل الى ضمير لبنان السّيد والحر والمستقل، واصبحت بكركي ملجأ لكل معتقل رأي ومضطهد ومظلوم، فراكم سلسلة مواقف تُرجمت باول صوت جدّي ومؤثّر يدعو الى انسحاب الجيش السوري من لبنان، ليضع اول مسمار في نعش الاحتلال السوري في لبنان، ممهدًا لمصالحة الجبل التاريخية التي ختمت جرحًا عمره مئات السنين”.
واعتبر عيد أن البطريرك صفير لم يتعاط السياسية من بابها الضيق، انما وكمثل كل البطاركة الموارنة، فقد تعاطى السياسة من باب العناوين الكبرى التي يجب ان تُحترم، “فلا يستطيع اي بطريرك ماروني السكوت عن احتلال او ظلم، وبالنسبة للكنيسة المارونية من الواجب دائمًا الانغماس بالشؤون الوطنية، لأن لبنان ان لم تعتنِ به الكنيسة فما من احد سيعتني به، هذا الميثاق والوعد بالعيش المشترك والمساواة والعدالة، كلها مفاهيم اطلقتها البطريركية المارونية، ولعب البطريرك صفير دوره حتى الرمق الأخير ومن دون خجل، مؤمنًا بأن الكنيسة هي التي انشأت لبنان، ولا بدّ من حارس لهذا المولود”.
وأشار الى أن البطريرك صفير امتنع عن زيارة سوريا في ظل احتلاها للبنان، وغياب القادة المسيحيين الحقيقيين المقصيين سياسيًا، طالبًا من البابا يوحنا بولس الثاني أن يعذره لأنه لا يستطيع الذهاب الى دمشق ورعيته ليست معه، مضيفًا: “لم يكن البطريرك صفير على ضفة العمل الوطني بل كان في الصميم، وقاد المسيرة والحركة الوطنية نحو الاستقلال الثاني”.
وعن اتهام البعض للبطريرك صفير بانحيازه لفئة دون أخرى، اعتبر عيد أنه عندما يصبح الاستقلال وجهة نظر عند البعض فمن الطبيعي ان يفكروا بهذه الطريقة، مضيفًا: “عندما يقول البطريرك صفير أن لبنان لا يمكن ان يُحكم بجيشين، فمعنى ذلك أنه قائد وطني غير هامشي وغير انهزامي، فماذا تنتظرون من بطريرك يرى مولوده محتلًا، وماذا تنتظرون ممن يعتبر سلاح حزب الله واقامته دولة ضمن الدولة خيرٌ لهذا البلد؟ وللأسف لا يزال هؤلاء يرشقون البطريرك حتى بعد مماته، فهم لا يدركون معنى ان يكون وطن اسمه لبنان ولا الهدف من نشأته”.
وأردف: “قاد البطريرك صفير معركة مقاطعة الانتخابات في العام 1992، ووقف ضد التمديد، وفي عهده أٌطلق الارشاد الرسولي الخاص بلبنان، في عهده أُطلق نداء الموارنة والذي لولاه لما تجرأ أي سياسي على الطلب علنًا بهذا الانسحاب، فكرّت سبحة المواقف السيادية، وانغمس البطريرك صفير عن حق في الحياة الوطنية بانتداب المطران يوسف بشارة لترؤس لقاء قرنة شهوان، متصرفًا كمؤتمن على العناوين الوطنية، وواقفًا في وجه كل من يمسّ بهذه العناوين، حتى وصلنا لثورة الاستقلال عام 2005”.
وختم عيد: “انا واثق من ان البطريرك الراعي الحريص والوريث لكل هذا التاريخ، سيكون في ولايته ضنين على كل الثوابت والمبادئ التي ارساها البطريرك صفير و75 بطريركٌ من قبله، وبرأيي هناك شعارٌ واحد يجب ان يكون لكل بطريرك ألا وهو “مجد لبنان أُعطي له”، وان يكونوا حراسًا حقيقين، فمعركة السيادة هي معركة الكنيسة، كما معركة نزع السلاح غير الشرعي، ومعركة العيش بحرية وكرامة واطمئنان، وعليها أن تكون أمينة ومحافظة على هذه المبادئ، فالبطريرك صفير واجه 40000 جندي سوري في لبنان بثلاث جمل، وهذا هو المطلوب من الكنيسة اليوم وغداً.”