كتب الوزير السابق جو سركيس في صحيفة “النهار”
يكفي البلد شرّاً أن أزماته تتوالد فيما أهله منشغلون بألف شرّ إلا البحث عن مخارج تُجنِّب الناس ما يُحدِق بهم من مخاطر وويلات. ويكفي البلد أيضاً ما يواجه من صعوبات خارجة عن إرادته وعن طاقته، فلماذا نصُبّ الزيت مفتوحي العيون على نار بدأت تلتهم الأساسات والأساسيات؟ فالتراشق السجالي بين المكونات الوطنية عموماً، ولا سيما بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، يترك أثراً مدمّراً على الديناميكية السياسية من جهة، وعلى قوّة الدفع المسيحية – الوطنية من جهة أخرى.
فهل هذا قدر لا مفرّ منه، ولا حول ولا قوّة لنا إلا بالإستسلام؟
طبعاً لا. فالحس الوطني ما زال حيّاً، وما يعلّقه الناس علينا من آمال، كبير. وهذا ما يؤكد أن قنوات التواصل قائمة وأبواب التعاون غير موصدة. من هنا يجب أن نبدأ، وقد أثبتت التجارب أهمية التعاون وفعاليته. فعندما كنا منقسمين خرج الجميع خاسراً، وعندما كنا متفقين ربح الجميع والأهم أن المجتمع ربح، وربح لبنان، والمحطات – الأمثلة في التاريخ الحديث معبّرة وكثيرة. وبعدما توسّع التراشق الكلامي والإتهامات ونبش الماضي بين قواعد كل من “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، وعلا منسوب الكلام، كان لا بد من صرخة تصل إلى وجدان “التيار الوطني الحر” كما إلى وجدان “القوات اللبنانية”، لتنبيه الجميع إلى خطورة ما يجري على ثقة أبناء المجتمع واللبنانيين عموماً بأحزابهم، وأملهم بغد أفضل. لا تبنى الدول بالسباب ولا تنتصر الشعوب على مصائرها ومصائبها بالتناكف. وليس الفشل قدراً بل انعدام رؤية وانجراف خلف الإنفعالات.
معروف أن “القوات اللبنانية” ملتزمة بنود المصالحة ومندرجاتها، وهي في شأن الإلتزام لا تتعاطى برد فعل بل من باب الصدقية والثقة. وعليه فالمطلوب حصر التباين ضمن الملفات المُختلف حولها وعدم توتير الوضع السياسي في البلد، ما يؤثّر على الثقة العامة لدى الرأي العام في لبنان. فيما ثقة الناس مهزوزة أساساً بالسلوك السياسي السائد ونتيجة الأوضاع الإقتصادية والمالية الصعبة. وقد تركت الأجواء المشحونة بين مناصري كل من “القوات” و”التيار”، انطباعاً سيئاً لدى الرأي العام وهو الحزب الأكبر والأفعل في لبنان، والمتذمّر أصلاً مما يواجهه يومياً من صعوبات.
وعليه، كان لا بد من استفاقة ضمير وصرخة مسؤولة من داخل كل منّا، قبل أن تكون من أي شخص آخر. صرخة تنبّه إلى المخاطر العديدة المحدقة بالبلد، وإلى خطورة هذه السجالات العقيمة على ما تبقّى من ثقة ومن أمل، نحن في أمسّ الحاجة إليهما لإعادة التأسيس للوطن الذي ناضلنا في سبيل الحفاظ عليه سيداً مكللاً بالمجد، وللمؤسسات التي ننتظر بناءها لإطلاق عجلة النهوض من جديد متكاتفين متعاونين، قبل أن تستقر السفينة بمن فيها في أعماق هذا البحر الصاخب من المشاحنات.
وإذا كان لا بد من نداءٍ وسط هذه المعمعة، فلا بد من التوجّه أولاً إلى فخامة الرئيس العماد ميشال عون، الذي يُدرك بحكم موقعه ومتابعته، حجم المخاطر المحدقة بالبلد، والذي يستطيع بحكم التفاهمات المعقودة وخبرته المعهودة، أن يلعب دور الإطفائي فيحصر النار ويُخمدها، قبل أن تأتي على البلاد والعباد.