من “الأرض مقابل السلام” إلى “المال مقابل السلام”؟

حجم الخط

فرضت رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، المسماة بـ”صفقة القرن”، نفسها على سطح الأحداث والتطورات المتسارعة في المنطقة. ويشكل مؤتمر البحرين، المنعقد اليوم الثلاثاء وغدا الأربعاء في العاصمة المنامة، أول تظهير علني رسمي لتفاصيل عن الخطة، في الجانب الاقتصادي منها، بعدما كشف مستشار وصهر ترمب الذي يقود الملف، جاريد كوشنير، بعض بنودها السبت الماضي، وتتضمن استثمار نحو 50 مليار دولار، يخصص أكثر من نصفها لتنمية الأراضي الفلسطينية، فيما الباقي يخصص لبلدان الجوار (مصر والأردن ولبنان). علماً أن حصة بيروت، بحسب التسريبات الإعلامية بلغت 6 مليارات دولار.

وفيما أعلن كل من الأردن ومصر عن مشاركتهما في مؤتمر المنامة، أكد لبنان عدم مشاركته، لكن ذلك لا يمنعه من متابعة الموضوع عن كثب. ولا تخفى الأخطار التي ترتبها انعكاسات “صفقة القرن” على لبنان، في حال صحة ما يتسرب عن جوانب تخفيها البنود السياسية للخطة، وتتضمن توطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان التي نزحوا إليها، والمخاطر البنيوية التي يرتبها ذلك على تركيبة لبنان السياسية والاجتماعية والديموغرافية الحساسة، وهو الذي يأوي مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين، مع ارتباط هذا العامل بذكريات سوداء في أذهان اللبنانيين منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، وكان من أبرز مسببات انفجار البلد والمآسي اللبنانية منذ العام 1975.

رئيس مجلس النواب نبيه بري سارع إلى التعليق على ما كشفه كوشنير، “كي لا يُفّسر البعض الصمت الرسمي اللبناني قبولا للعرض المسموم”. وأكد أن “الاستثمار الوحيد الذي لن يجد له في لبنان أرضاً خصبة، هو أي استثمار على حساب قضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني بالعودة الى أرضه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف”. وأضاف، “يخطئ الظن من يعتقد أنّ التلويح بمليارات الدولارات يمكن له أن يُغري لبنان الذي يئن تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة، على الخضوع أو المقايضة على ثوابته غير القابلة للتصرّف، وفي مقدّمها رفض التوطين، الذي سنقاومه مع الأشقاء الفلسطينيين بكل أساليب المقاومة المشروعة”.

بدوره، نائب رئيس حزب “القوات اللبنانية” النائب جورج عدوان، جدد التأكيد على موقف “القوات” من “صفقة “القرن”. ورد على كوشنير، أن “الأوطان لا تشترى وتباع. ولبنان لن يقايض بأموال العالم كله على ثوابته ومبادئه، وقد دفع اللبنانيون غاليا للحفاظ عليها، ولن يغيروا موقفهم”.

علما، أن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، يؤكد مرارا، أن “صفقة القرن ولدت ميتة، وهي لن يكتب لها النجاح. فلا يمكن الحديث عن مشروع سلام في المنطقة، ويتم التمهيد له بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والموافقة على ضم الجولان إلى إسرائيل. وطالما أن اللبنانيين مستمرون بالتمسك بالدستور، لا يستطيع أحد ولو اتفقت كل دول العالم على تمرير قرار التوطين. وأي انعكاس لصفقة القرن على لبنان، ومن ضمنه التوطين أو غيره، غير ممكن ولن يحصل. ولا يستطيع أحد الضغط على لبنان بالتوطين، لأنه أمر سيادي ملك للحكومة اللبنانية وحدها”.

ويؤكد جعجع “للعالم والمجتمع الدولي بصراحة إن في لبنان بين 250 و270 ألف فلسطيني، وعليكم استيعابهم خارج لبنان. عدد الفلسطينيين الذي سيبقى في لبنان هو صفر”.

تزامنا، لفت الانتباه عشية مؤتمر البحرين، أن وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو حطَّ في السعودية، وعقد لقاء مع الملك سلمان بن عبد العزيز، ومن ثم مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. والملاحظ، استكمال المباحثات بين ولي العهد وبومبيو على طاولة الغداء في أحد المطاعم على كورنيش جدة، ما عكس أجواء “ودّية” بين الطرفين. في حين ينتظر أن ينتقل وزير الخارجية الأميركية إلى الإمارات استكمالا لجولته، التي، وإن كان الإعلان عن أن أهدافها تتمحور حول تأكيد واشنطن دعمها لحلفائها في مواجهة التهديدات والاعتداءات الإيرانية، وبهدف الضغط على إيران “أكبر دولة داعمة للإرهاب في العالم”، بحسب تعبير بومبيو، غير أنه لا يمكن فصلها عن مؤتمر البحرين، والتمهيد له عربيا.

ولا شك أن كوشنير سيستفيض في عرض تفاصيل الخطة الأميركية، على المستوى الاقتصادي، في مؤتمر المنامة. وسيؤكد على حسنات رؤية ترمب والآفاق التي تتيحها نحو السلام وعلى صعد التنمية والازدهار والاستقرار للجانب الفلسطيني، وللمنطقة عموما. لكن اللافت، هو “تحفظ” الإدارة الأميركية، وخصوصا كوشنير الذي يدير الملف منذ نحو سنتين، عن الكشف صراحة عن الجانب السياسي من الخطة، وتأخيره إلى وقت لاحق يلي الانتخابات الاسرائيلية في أيلول المقبل.

ولعل الموقف السلبي الذي قوبل به اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل وضم هضبة الجولان من قبل الفلسطينيين والدول العربية، دفع الإدارة الأميركية إلى تأجيل الإعلان عن الشق السياسي لخطة ترمب للسلام، ففضّلت الرهان على عرض الشق الاقتصادي في الوقت الحاضر في المنامة تحت عنوان “من السلام إلى الازدهار”، لما قد يحمله من وجهة نظرها من “إغراءات” مالية واستثمارية وتنمية اقتصادية لقبول الخطة. في حين أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس عدم مشاركة السلطة الفلسطينية في مؤتمر البحرين، وألا بحث في أي أمر قبل التأكيد على الحل السياسي على أساس الدولتين والقدس الشرقية عاصمة لفلسطين.

نادر: الأميركيون يضعون العربة أمام الأحصنة

مدير مركز المشرق للشؤون الإستراتيجية المحلل الاستراتيجي الدكتور سامي نادر، يعتبر أن ما كُشف حول ما يسمى “صفقة القرن”، “كمن يضع العربة أمام الأحصنة”. ويرى أن في ما يُطرح، “ما يشابه وضعنا في لبنان بما يتعلق بطريقة إعداد الموازنة، بحيث نقوم بإنجاز الموازنة ومن ثم نبدأ التفتيش عن رؤية اقتصادية!”.

ويوضح نادر، في حديث إلى موقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، أن “هذا ما يحصل فعلا على صعيد صفقة القرن، إذ يبدؤون بالاقتصاد ويقولون لنترك السياسة إلى ما بعد، وهم في ذلك كمن يمشي على رأسه بدل رجليه!”.

ويضيف: “فلنعد إلى الثوابت الأساسية. الصراع العربي ـ الإسرائيلي في مسبباته وجذوره الأساسية تاريخية ـ سياسية، وليست مسببات اقتصادية يمكن معالجتها بخطة اقتصادية. نحن أمام مسألة عمرها نحو 100 عام تعود إلى بدايات القرن العشرين منذ وعد بلفور بإنشاء كيان إسرائيلي، وهي قضية سياسية ـ تاريخية لا يمكن اختصارها بحلول اقتصادية”.

ويلفت نادر إلى أن “الحل الاقتصادي، أو الخطة الاقتصادية، أكثر من ممتازة إذا أتت لدعم رؤية سياسية وحل سياسي ما، كما حصل مثلا بالنسبة لمشروع مارشال لإعادة الإعمار في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، الذي قضى بتحفيز الاستثمارات وإشراك القطاع الخاص في عملية الإعمار والنهوض الاقتصادي، لكن في إطار الدعم لرؤية سياسية لأوروبا الجديدة”.

ويرى أن “ترحيل الرؤية السياسية من الخطة إلى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية في أيلول المقبل، يطرح أكثر من علامة استفهام، ويثير المخاوف. وما يزيد الشكوك، هو القرار الأميركي بنقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس والاعتراف بضم إسرائيل لهضبة الجولان”.

ويشير إلى “الموقف العربي الذي أقرته القمة العربية في بيروت عام 2002، بإجماع عربي، والقاضي بقبول مبدأ (الأرض مقابل السلام)”، مؤكدا على “ضرورة التمسك بهذا الموقف، إذ لا يمكن استبدال (الأرض مقابل السلام) بـ(المال مقابل السلام)”.

ويشدد نادر على أن “الخطة الاقتصادية كان يمكن أن تكون خطوة في محلها الصحيح، في ما لو أتت لدعم خطة سياسية. أما في غياب الخطة السياسية، لا يمكن أن تشكل بديلا عنها، ويُطرح حولها علامات استفهام”، لافتا إلى أنه “حتى الآن، لم يقر ترمب، أو أيا من مستشاريه ومن بينهم كوشنير، بحل الدولتين، والذي يشكل المدخل الأساسي لحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي”.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل