يتهيَّب الجميع على المستويات كافة تقرير وكالة التصنيف الائتماني الدولية “ستاندرد أند بورز”، المرتقب صدوره يوم غد الجمعة، حول الواقع المالي والاقتصادي في لبنان. ومهما كابر بعض المسؤولين عن حسن نية ولمحاولة التخفيف من واقع الأزمة من جانب، أو عن سوء أداء أو مسؤولية وطنية “متواضعة” عند بعضهم الآخر، فحقيقة ما ينتظر لبنان في حال أتى التصنيف سلبياً، مرعب.
أما المواطن اللبناني “الغارق بالإكراه” في محيطات الفساد والهدر والتسيُّب والأزمات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية التي لا تدرك برَّ خلاص، والفاقد للثقة بمعظم المسؤولين ما خلا قلّة قليلة، فإن كان له أن يقول أمراً في ما بلغته حاله من سوء وتعاسة ويأس، لاستوحى “أبو الطيب المتنبي” وقال: أنا الغريق ويهوِّلون بالغرق/ فهل بعد الغرق من غرق؟.
حول العالم وكالات عدة للتصنيف الائتماني، لكن الأكبر والأهم والتي تستحوذ على أكثر من 90% من سوق إصدارات الديون في العالم هي ثلاث شركات أميركية المنشأ: “ستاندرد أند بورز” و”موديز” و”فيتش”. وكانت “ستاندرد أند بورز” قد وضعت لبنان في خانة (B-) في تقريرها الأخير الأول من تموز 2019 مع توقعات سلبية للمرحلة المقبلة، والخوف بفعل المؤشرات أن تقرير الجمعة المقبل سيخفض تصنيف لبنان إلى مرتبة أدنى، او ربما يترك التصنيف الحالي كما هو عليه لإعطاء لبنان مهلة ستة أشهر علّه ينقذ نفسه، وفقاً لبعض التسريبات.
الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور غازي وزني، يوضح لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني طبيعة عمل وكالات التصنيف الائتماني الدولية، وتأثير التقارير التي تصدرها وانعكاساتها الاقتصادية والمالية على واقع الدول والشركات والشعوب.
ويقول “هي شركات خاصة أهمها (ستاندرد أند بورز وموديز وفيتش)، يقوم عملها على تقييم الديون التي تأخذها الدول أو الشركات الخاصة، ونسبة لهذا التقييم يتم تصنيف هذه الدول والشركات ويضعون لها درجات معينة. مثلا درجة (AAA) لدولة ما، تعني أن الديون الممنوحة لها وضعها سليم ولا خوف عليها، وأن بإمكانها سداد الديون من دون أي مشاكل. كما أن درجة (AA) تعني أن هذه الدولة لا تزال قوية ولا خوف عليها”.
ويوضح أنه “في حال خُفِّضت درجة تصنيف الدولة أو الشركة من (A) إلى (B)، فهذا يعني أن مخاطر تسديد الديون تزداد. وخفض التصنيف إلى درجة (C)، يعني أن تسديد الدين بات أصعب وأصبح هناك إمكانية تعثُّر عن التسديد. أما درجة (D) فتعني أن الدين الذي مُنح لهذه الدولة أو الشركة لم يعد بإمكانها تسديده، وأصبحنا في وضع تخلُّف عن السداد”.
ويلفت وزني إلى أنه “انطلاقا من ذلك، حين ينوي أي مستثمر في الأسواق المالية العالمية شراء سندات دول معينة، ينظر إلى تصنيفها ويقيِّم مخاطر هذه السندات من جهة، والفوائد التي سيستفيد منها من جهة أخرى. فعلى سبيل المثال، مخاطر سندات الخزينة الأميركية محدودة جدا، لذلك فوائدها على عشر سنوات مثلا منخفضة بمعدل 2 إلى 2.25%”.
ويضيف: “أما بالنسبة إلى دولة مثل لبنان حيث مخاطر تسديد الدين في وقت استحقاقه مرتفعة أكثر، فمن الطبيعي أن المستثمرين في الخارج، خصوصا كبار الصناديق الاستثمارية في العالم الذين سيعتبرون أن لبنان دولة تعاني من صعوبات في حال خُفِّض تصنيفه إلى درجة (CCC)، سيطالبون بفائدة مرتفعة أكثر في مقابل المخاطر، وقد تصل إلى 8 أو 9 أو 10%. فمخاطر تسديد الدين بالنسبة لأي دولة، مرتبطة بالفوائد التي توضع على سنداتها”.
ويشير الخبير الاقتصادي والمالي ذاته لموقع “القوات”، إلى أن “المنتظر من تقرير ستاندرد أند بورز في حال صدوره غدا الجمعة، بحسب التوقعات، خفض تصنيف لبنان الائتماني من (-B) إلى (CCC). ومن الطبيعي في حال حصول ذلك، أن تزداد مخاطر قدرة الدولة على سداد مستحقاتها وديونها. ففي الأسواق الخارجية مثلا، من يريد شراء سندات يوروبوند سيطلب فوائد أكبر”.
ويشدد وزني على “انعكاسات التصنيف الجديد مباشرة على الدولة لناحية كلفة خدمة الدين العام، إذ إن الفوائد التي ستدفعها الدولة على الدين سترتفع، وذلك سيؤثر على الموازنة العامة وعلى نسبة العجز المتوقعة في الموازنة. وإذ يلفت إلى أن “أموال فوائد الدين مؤمَّنة لاستحقاقات العام 2019″، يشير إلى أنه “في حال أرادت الدولة أن تستدين في الأشهر المتبقية من العام الحالي ملياري دولار مثلا، فمن الطبيعي أن الفائدة ستكون مرتفعة جراء المخاطر مع التصنيف الجديد، ما يؤثر على نسبة العجز في الموازنة المقبلة”.
أما بالنسبة لانعكاسات هذا الأمر على المواطنين، فيوضح أن “وضع المواطن اللبناني سيكون أصعب، لأنه مع ارتفاع الفوائد على سندات الدين للدولة ستقوم المصارف تلقائياً برفع الفائدة على القطاع الخاص. بالتالي ستترتب كلفة إضافية على كل من يريد الاستدانة والاقتراض من البنوك للاستثمار في أي مشروع في مختلف المجالات، ما يؤثر على نسبة النمو ويؤدي إلى انكماش اقتصادي إضافي”.
ويأسف وزني لـ”الأجواء السلبية المحيطة”، موضحا أن “وكالات التصنيف حين تكون بصدد إعداد تصنيفاتها، تستند إلى عناصر متعددة، وغالبية العناصر التي تستند إليها بالنسبة إلى لبنان، سلبية، ويورد بعضها:
أحد العناصر مثلا هو العنصر السياسي، والوضع السياسي في لبنان كان متأزما في مرحلة إعداد تقرير ستاندرد أند بورز كما هو معروف.
وتستند وكالات التصنيف أيضا على مسألة المالية العامة والدين العام. والعجز في الموازنة مرتفع والدين على ارتفاع مضطرد ومستمر في لبنان.
أما العنصر الثالث فهو النمو الاقتصادي، الضعيف في لبنان، بمعدل أقل من نصف بالمئة في السنة.
والعنصر الرابع يتعلق بميزان المدفوعات المختل بشكل سلبي وكبير جدا في الأشهر الستة الأولى من العام 2019، بما يفوق الـ4 مليارات دولار.
والعنصر الخامس هو معدل نمو القطاع المصرفي. فصحيح أن هذا القطاع متين وقوي بحسب تقرير مصرف باركليز الأخير، ويقوم بتلبية كل المستلزمات والمتطلبات من الدولة، لكن نمّوه ضعيف”.
أما العنصر الأخير والنقطة الوحيدة التي لا تزال إيجابية حتى اليوم، متعلقة بالحفاظ على الاستقرار النقدي في لبنان، لكون مصرف لبنان يملك إمكانيات بالحفاظ على هذا الاستقرار. لكن كل المؤشرات الأخرى في غاية السلبية”.
ويوافق الخبير الاقتصادي والمالي وزني على أن الأوضاع سيئة، لأنه “حتى نسبة العجز المنخفضة المأمول تحقيقها في موازنة 2019 كما أقرَّت (7.59%)، والوعود التي أطلقها ويطلقها المسؤولون والحكومة للخروج من الأزمة، هناك شكوك حول إمكانية تحقيقها”.
ويحذر من أن “الاداء السياسي والحكومي الهزيل وعدم تبني إصلاحات جذرية في العمق بالمقارنة مع الوضع الصعب والخطير القائم، يدفع وكالات التصنيف الائتماني الدولية إلى خفض تصنيف لبنان، إذ تعتبر أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها لا تعالج بهذه الاجراءات الحكومية العادية الواردة في موازنة 2019 بالإجمال، بل بحاجة إلى معالجات واجراءات ثورية، وهذا ما لم تقم به الحكومة ولم تقدّم مؤشرات ملموسة كافية على نيّتها القيام به”.