خيّم سقوط الطائرتين الإسرائيليتين المسيَّرتين في الضاحية الجنوبية لبيروت فجر الأحد على المشهد السياسي وتصدّر الأولويات، ودفع بالأزمات المستفحلة والهموم الاقتصادية وتقارير وكالات التصنيف الائتماني الدولية السلبية مسافة إلى الخلف، خصوصا بعد الخطاب التصعيدي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ردا على العملية الإسرائيلية.
مدير “مركز المشرق للشؤون الإستراتيجية” المحلل الاستراتيجي الدكتور سامي نادر، يرى في حديث إلى موقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، أنه “في وقائع المعادلة الكبيرة في المنطقة، لا بد أولا من الإشارة إلى توقيت ما حصل في الضاحية، إذ لا يمكن عدم ربطه بما حصل في العراق واستهداف مواقع إيرانية وميليشيات تابعة لإيران مثل الحشد الشعبي وغيره من قبل إسرائيل، واعترافها للمرة الأولى بهذا الوضوح بتلك العمليات”.
ويضيف، “ثانيا، لا يمكن أيضاً عدم ربطه بقصف المركز التابع لحزب الله في دمشق ليل السبت الماضي ومقتل عنصريين، واعتراف إسرائيل بذلك أيضا. وثالثا، سلسلة الأحداث في لبنان وما حصل في الضاحية الجنوبية”.
ويلفت إلى أن “ذلك يحصل من ضمن توجه اسرائيلي، أو استراتيجية اسرائيلية، تقوم على منع إيران من تشكيل أي خطر عليها من خلال الصواريخ أو أذرعتها التنفيذية في المنطقة. كما أنه يجري في وقت تقوم قوى إقليمية أخرى بإعادة وضع اللمسات الأخيرة على الحدود والخطوط النهائية لساحات ومناطق نفوذها في سوريا. فروسيا بصدد الانتهاء من مسألة إدلب. وتركيا تقرَّبت من الأميركيين بهدف الوصول لوضعية جديدة في علاقتها مع الأكراد. وبالتالي، إسرائيل بدورها تقول رسمنا خطاً أحمر وأبلغنا موقفنا بكل وضوح أننا لا نسمح بتغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، ولا نسمح لإيران أن تمسك علينا ورقة تهديد أمننا الداخلي بالصواريخ”.
وإذ يلاحظ الخبير الاستراتيجي أن “الجديد هو استخدام إسرائيل لطائرات الدرون للمرة الأولى”، يشير إلى “مسألتين لافتتين: الأولى، أن حزب الله أصرَّ على أنه ليس من أسقط الطائرات، بالتالي هذا يعني أنه لا يريد مواجهة، ويريد رفع أي مسؤولية عن نفسه، وعدم تحمُّل أي مسؤولية تصعيدية تؤدي إلى حرب وتلزمه، هذا من جهة”.
ومن جهة ثانية، يضيف نادر “حزب الله لا يريد المواجهة لأنه لا يختارها بتوقيته، إذ من الواضح أن الإسرائيلي هو من يفتعل. وبالتالي، التوقيت لا يناسب حزب الله، وربما أيضا لم تعد ساحة المعركة تناسبه. فمع الأزمة الاقتصادية التي نعيشها ونقيم في قعرها لم يعد لبنان ساحة المواجهة المفضّلة لإيران وحزب الله، لأن نتائج الحرب ستكون كارثية على لبنان وعلى حزب الله وجمهوره”.
ويلفت إلى أن “إسرائيل تدرك هذا الموضوع، ولذلك هي بدأت (تحركش) في حزب الله هنا في الأرض التي توجعه وفي التوقيت الذي لا يناسبه. كما علينا أن نأخذ في الاعتبار البعد الداخلي الاسرائيلي المتعلق بالانتخابات بعد أسابيع، وبالحملة الانتخابية التي يوجّهها خصوم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ضده، وتصويره بالضعيف وأنه ليس على قدر التحدي، وتعييره بعدم اللجوء لاستخدام القوة العسكرية والتراجع في آخر لحظة كل مرة”.
ويعتبر نادر أن “نتنياهو يقوم ردا على هذه الحملات بأخرى مضادة، فيخرج على التقليد الاسرائيلي بعدم الاعتراف بالعمليات الخارجية غالبا، ويقوم بالاعتراف بمسؤولية إسرائيل عن العمليات الأخيرة في العراق وسوريا ولبنان، كي يوظفها في الداخل الإسرائيلي انتخابياً”.
ويشدد على أن “حزب الله يرفض تحمّل أي مسؤولية في إسقاط الطائرتين الإسرائيليتين كي لا يدخل في عملية تصعيدية لا يريدها، ويكتفي بالتصعيد الكلامي. على الرغم من التهديد بإسقاط الدرون الاسرائيلية إذا ما عاودت الطيران فوق لبنان ومحاولة تغيير قواعد اللعبة القديمة القائمة، التي تسمح لإسرائيل بحرية الطيران فوق لبنان وسوريا وحزب الله لا يرد، والتي تعرقلت لفترة بعد إسقاط الطائرة الروسية فوق سوريا قبل أن يعود نتنياهو لترتيب أموره مع الروس، لكن معاودة إسرائيل إطلاق طائراتها المسيّرة صبيحة تهديدات نصرالله فوق الجنوب ومرجعيون وبيروت وبعلبك، تعتبر بمثابة ردّ من نتنياهو على نصرالله والقول له إن كلامك لا يُصرف في مكان معنا”.
ويعتبر الخبير الاستراتيجي نادر أنه “انطلاقا من هذه العوامل، فإن التوقيت ليس لمصلحة حزب الله لخوض عمل عسكري، والأرض وساحة المعركة لا يمكن أن تكون لبنان بالنسبة إليه نظرا للعوامل المذكورة”.
من جهتها، تستهجن مصادر سياسية مراقبة لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني “قيام نصرالله باستباق أي قرار حكومي أو عسكري لبناني رسمي، ورسم خريطة الطريق للدولة اللبنانية بأسرها وما يجب أن تقوم به للرد وطبيعته”. لكنها لا تستغرب “مواقفه المتفردة إذ هي تأتي في سياق ما هو معلوم من خروج حزب الله عن الاجماع اللبناني ومصادرته لقرار الدولة الاستراتيجي وتفرده بقرار الحرب والسلم في خدمة مشروع إقليمي لا علاقة للبنان به”.
وترى المصادر ذاتها أن “كلام نصرالله قد يرتب انعكاسات لا يمكن التكهن بنتائجها، لأنه يلغي أي تمايز بين حزب الله والدولة ويظهرها عاجزة ومستسلمة لا حول ولا قوة لها أمامه في نظر المجتمع الدولي. وهو من خلال توجهه إلى المسؤولين قائلا (إذا قتلت إسرائيل أي من إخواننا في سوريا نحن سنرد في لبنان وليس في مزارع شبعا. وإذا كان هناك أحد حريص في لبنان على ألا تحدث مشكلة فليتحدث مع الأميركي ليتحدث بدوره مع الإسرائيليين كي ينضبوا)، وكأنه يقول (أنا أقرر وأنتم تنفذون قراري)!”.
وتؤكد المصادر السياسية المراقبة لموقعنا “ألا خلاف على عدوانية إسرائيل تجاه لبنان”، لكنها تلفت إلى أن “أفضل مواجهة للمخططات والاعتداءات الاسرائيلية هي عبر الدولة بمؤسساتها الشرعية وبقواتها العسكرية وعلى رأسها الجيش اللبناني حين يستدعي الأمر، لا باختطاف قرار الحرب والسلم بشكل منفرد والانخراط في محاور ومشاريع إقليمية وتوريط لبنان بتحمُّل النتائج والتبعات”.