كما في العراق كذلك في لبنان، تنفجر الشوارع منذ نحو أسبوع بمختلف أطياف الطبقات المتوسطة والفقيرة الغاضبة، وتتوسع التظاهرات والاعتصامات احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية المزرية، في وجه سلطات متهمة بالفساد وبسوء الإدارة وتبديد وسرقة المال العام. ولا شيء يوحي أن غضبة العراقيين واللبنانيين ستنحسر في المدى المنظور، علماً أن في العراق سقط أكثر من 160 قتيلاً وآلاف الجرحى حتى الأمس، فيما اقتصرت التظاهرات اللبنانية على بعض “الجروح الطفيفة” حتى الساعة.
وعلى الرغم من بعض الفوارق الموضوعية بين التظاهرات في البلدين، إلا ان وجه الشبه الأساسي الذي لا يمكن إغفاله هو أن قسماً كبيراً من المتظاهرين كان حتى الأمس، وربما لا يزال، من أنصار الطبقة السياسية الحاكمة في كل من لبنان والعراق. وهذه نقطة تحمل الكثير من المعاني وتؤشر إلى حالة القرف واليأس التي بلغها المواطنون.
ويقول مدير “مركز المشرق للشؤون الإستراتيجية” الدكتور سامي نادر، في حديث إلى موقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، إنه “من الممكن أن تتوسع التظاهرات في لبنان وتفلت بلحظة معينة، لأن أوجه الشبه بين ما يحصل عندنا وما يجري في العراق كبيرة جداً”.
ويشير إلى أن “نظام المحاصصة القائم في البلدين، والذي يتبع منطق توزيع المغانم ومرافق الدولة وقطاعاتها ما بين الأطراف، في حكومات وحدة وطنية تغيِّب المعارضة وتلغي أي دور للمراقبة والمحاسبة، نموذج اقتصادي فاشل لكونه الوجه الآخر للفساد”.
ويلفت إلى أن “هذا النظام قائم منذ أكثر من عشر سنوات، سواء في العراق أو في لبنان، وأدى إلى مزيد من الركود والبطالة والفساد ودفع الناس إلى الشارع”، معتبراً أن “الأمور والاحتجاجات مرشحة إلى التفاقم إذا لم يتغيَّر هذا الـ”Operating System” أو النظام التشغيلي بشكل جذري، وطالما أن العجز إلى ارتفاع والنمو إلى انخفاض”.
ويضيف، “هؤلاء الشباب الذين يتظاهرون في بغداد وبيروت لا يطلبون أكثر من فرص عمل وحياة كريمة. يريدون حقهم من إعادة توزيع الثروة الوطنية والفرص، التي تقتصر على الأفرقاء السياسيين في السلطة والنظام في ما بينهم”.
ويؤكد نادر أن “الاجراءات المعتمدة في لبنان حتى الآن على صعيد الإصلاحات المطلوبة وتلبية مقتضيات مؤتمر سيدر، ليست على مستوى خطورة الوضع”، مشيراً إلى أن “سيدر مرتبط بالإصلاحات، والإصلاحات لم تتم بعد، وبالتالي (انسى سيدر). لذلك ركضوا نحو الإماراتيين لتدبير أوضاعهم قبل أن تفرط الليرة اللبنانية”، في إشارة إلى مؤتمر الاستثمار اللبناني ـ الإماراتي بداية الأسبوع في دبي.
ويعرب عن اعتقاده أنهم “يسعون لتكون المساعدة الإماراتية الموعودة التي يحكى عنها، مشابهة للمساعدة القطرية قبل فترة، أي من خلال شراء سندات يوروبوند”، لافتاً إلى أنه “سواء نُفِّذ سيدر أو لم ينفَّذ، ولنفرض أنهم بسحر ساحر مشوا غداً بالإصلاحات وبدأ التنفيذ، فإن نتائج سيدر على الوضع الاقتصادي والمالي تحتاج إلى سنة أو سنة ونصف كي تظهر”.
ويشدد نادر على أن “وضعنا المالي والنقدي (ما بيضاين) إلى هذه الفترة. ومن متابعة تقارير مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية، خصوصاً تقرير موديز الأخير الصادر بداية شهر تشرين الأول الحالي، يتضح أن الوضع بحاجة إلى ضخ كمية كبيرة من الأموال كي يعود مصرف لبنان ويعزز الاحتياطي لديه من العملات الصعبة، خصوصاً الدولار. وزيارة رئيس الحكومة سعد الحريري والوفد المرافق إلى الإمارات أتت في هذا السياق، بطلب من الإماراتيين، لكن بدفع ودعم فرنسي من الأساس، فمحور باريس ـ أبو ظبي فاعل في المنطقة”.
ويرى أن “هذه هي خلفيات ما يحصل على صعيد سيدر، فالإماراتيون يقولون: يمكن أن نساعد مصرف لبنان والمؤسسات الشرعية اللبنانية، لكن في الوقت ذاته لا نريد أن يتم الالتفاف على العقوبات ولا تعويم حزب الله. لذلك فإن مساعدة لبنان دقيقة جداً، ومن غير الواضح كيف ستتم وما هو الثمن، إذ لا يمكن أن تذهب إلى الإماراتيين لتشحذ ومن ثم تعود لمهاجمتهم وتقول لهم (بيتكم من زجاج… أوعا)، كما فعل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أخيراً”.