عذراً، المشهد الشعبيّ يطغى على كل المستجدات السياسية التي أوصلت الشارع إلى ما هو عليه الآن! ضريبة الـ”واتساب” أثارت سخط المواطنين الذين أشعلوا لبنان من شماله إلى جنوبه بالإطارات المشتعلة منذ مساء أمس الخميس.
لكن لا، ليست المكالمة المجانية التي أحرقت الإطارات وأغضبت الشعب، بل كانت الشرارة التي دفعت المواطنين إلى القول كفى! كفى تجويعاً، كفى قهراً، كفى وجعاً، كفى ذلاً، كفى حرقاً للقلوب، كفى نهب الجيوب، كفى، ما عادت الأجساد تتحمل الألم بكل أصنافه… كفى!
الحكومة عملياً سقطت أمس! شاء من شاء وأبى من أبى. لبنان انتفض على الذلّ والفساد.
أسبوع أسود، بدأ مع حرائق الثلاثاء ولم ينته بالاحتجاجات اليوم. توّحد اللبنانيون بعد مشهد الحرائق التي اجتاحت لبنان، وها هم اليوم يواصلون وحدتهم باحتجاجات عمّت جميع المناطق اللبنانية من دون استثناء، حاملين علماً واحداً ألا هو علم الوطن، مقفلين الطرقات ومصرّين على عدم الخروج من الشارع قبل تحقيق المطالب.
أقفلوا الطرقات بوجه الظلم، مطالبين بالكثير، لأنهم بحاجة للكثير، لكنّ شعارهم الثوري حمل عنواناً عريضاً، “فليسقط النظام”.
أمام هذا المشهد، خرج السياسيون عبر الشاشات كل ليؤكد مطلب الشعب، منهم من دعا وزراءه إلى الاستقالة، وبعضهم طالب بضبط النفس، وآخرون نفوا استقالة الحكومة. وعلى الرغم من إطلالة وزير الاتصالات محمد شقير عبر إحدى المحطات، أمس، معلناً للشعب تراجعه عن قرار ضريبة الـ”واتساب”، بقي الأول في الشارع، بل وازداد عدد الغاضبين، وارتفع الصوت أكثر، ما يؤكد أن القضية يا حضرة القاضي لم تكن “قتل” المكالمة، بل بـ”ذبح” المتكلم.
وعلى وقع الاحتجاجات الغاضبة، وفور عودته من الخارج، أجرى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، أمس الخميس، اتصالات بكل من رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، آسفاً لحال البلاد.
ووجّه دعوة صادقة الى الحريري لاستقالة هذه الحكومة “نظراً لفشلها الذريع في وقف تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد مما أوصلنا الى الحالة التي نحن فيها”.
وأضاف جعجع في بيان صادر عنه، “أنا أعلم مدى الجهود التي بذلها الرئيس الحريري في سبيل استدراك الوضع، ولكن الأكثرية الوزارية، ويا للأسف، كانت في مكان آخر”.
وتابع، “أفضل ما يمكن ان يقدّمه الرئيس الحريري في هذه اللحظات الحرجة والعصيبة هو تقديم استقالة هذه الحكومة تمهيدا لتشكيل حكومة أخرى مختلفة تماما وجديدة تماما تستطيع قيادة عملية النهوض الاقتصادي المطلوبة في البلد”.
وقررت “القوات” عدم المشاركة في جلسة الحكومة المقررة اليوم، لأنها سعت حتّى اللحظة الاخيرة إلى وضع إصلاحات جدية، وكان وزراؤها يضغطون لآخر يوم لحصول ذلك، ولكن لم يحصل أي تقدّم فقرّروا عدم المشاركة في الجلسة.
تزامناً، اعلنت رئاسة مجلس الوزراء انه “تقرر نقل مكان انعقاد جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة في السراي الكبير عند الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم الجمعة الى القصر الجمهوري في بعبدا”.
لكن مصدر حكومي قال إن رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري يتجه لإلغاء جلسة مجلس الوزراء على أن يوجه رسالة الى اللبنانيين بعد ظهر اليوم.
واستيقظ اللبنانيون اليوم على اقفال الطرقات كافة، ساحلاً وجبلاً، على وقع اقفال المدارس والجامعات والمصارف، وبعض المحال التجارية، أبوابها، وسط استعداد المحتجين للانتقال إلى بعبدا تزامناً مع عقد الجلسة، للضغط على الحكومة مجتمعة للتراجع عن الضرائب أو الاستقالة.
فاقدو الأمل والثقة يملؤون الطرقات ويزداد عددهم، بشكل عفوي، ولا يبدو أنهم سيخرجون قبل استعادته… هل مَن يرحم وينقذ لبنان؟