لبنان وكيل إيران بموجب دستورها!

حجم الخط

 

بالأمس أثار التصريح المنقول عن مستشار قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء مرتضى قرباني عبر وكالة أنباء «ميزان» الذي قال إنه «في حال ارتكبت إسرائيل أصغر خطأ تجاه إيران، سنسوي تل أبيب بالتراب انطلاقاً من لبنان» غضباً لدى الأوساط السياسيّة والشّعبية التي اعتبرت الكلام غير مسؤول وينمّ عن تعدٍّ على سيادة لبنان.

 

لكن الأمر يتخطّى علاقة الصداقة الرسميّة القائمة بين الجمهوريّتين اللبنانيّة والإيرانية، ولا تقف عند حدود الدعم المادي والسياسي لـ«حزب اللّه» الذي يرتبط بالثورة الإسلامية في إيران عقائدياً بشكل وثيق، حتى بات يُقال انّه يعمل بالوكالة للنظام الإيراني أينما كان في الشرق الأوسط والخليج، فهناك عدة جوانب في الدستور الإيراني يجب الاحاطة بها في هذا الخصوص.

 

السياسة الخارجيّة في الدستور الإيراني

 

بطبيعة الحال إن السياسة الخارجية للجمهورية الإيرانية هي حصيلة مصالحها الذاتية، المُتمثِّلة بحماية الحكم الإسلامي في إيران من التهديدات الخارجية. وقد نصّت المادّة ١٥٢ من الدستور الإيراني على أن «تقوم السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية على رفض كل اشكال التسلط، سواء ممارسته او الخضوع له، والمحافظة على الاستقلال الكامل ووحدة اراضي البلاد، والدفاع عن حقوق جميع المسلمين، وعدم الانحياز لأي من القوى العظمى المتسلطة، والاحتفاظ بعلاقات سلمية متبادلة مع جميع الدول غير المعادية»، امّا المادة ١٥٤ فتشير الى دعم إيران لـ«النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في جميع بقاع العالم، ولكنها تمتنع امتناعاً تاماً عن جميع اشكال التدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى».

 

وقد تبدو هذه السياسة الخارجية تارةً هجومية وطوراً عملانيّة، لكن ثمة زاوية طائفية لها أيضاً. فبسبب عزلتها منذ ثورة ١٩٧٩ عن الدول وخصوصاً تلك المجاورة، انتهجت إيران خطّة تقوم على نسج علاقات مع كيانات غير دُولتية لمساعدتها على ترقية مصالحها الاستراتيجية وتدرّ عليها مكاسب من خلال دعم ومساندة المنظمات الشيعية وبعض الجماعات السنّية المناصرة لإيران، إضافة الى انتهاج السياسة غير المعلنة المتعلقة بتصدير الثورة، ممّا يُسهم في نشر نفوذها في الشرق الاوسط وترجيح كفتها على منافسيها.

 

تصدير الثورة بحُكم الدستور

 

استكمالاً لما سبق، أعدّ الدستور الإيراني في تمهيده وتحت عنوان «أسلوب الحكم في الإسلام» الظروف لاستمراريّة الثورة الإسلامية، التي كانت حركة تهدف الى نصرة جميع المستضعفين على المستكبرين، داخل البلاد وخارجها، خصوصاً بالنسبة لتوسيع العلاقات الدولية مع سائر الحركات الإسلاميّة والشعبيّة حيث يسعى الى بناء الأمة الواحدة، ويعمل على مواصلة الجهاد لإنقاذ الشعوب المحرومة والمضطهدة في جميع انحاء العالم.

 

ومبدأ «تصدير الثورة» إلى كل بقاع الأرض هو رخصةٍ سياسية ألبسها المشرّع الإيراني ثوبًا دينياً وإنسانياً ودستورياً، تسمح لإيران بزعزعة استقرار بعض الدول «المستكبرة» المناوئة لها، وخلق أنظمة حكم موالية لها وفق رؤية مذهبية شيعية تضمن لها السيادة على مقدرات هذه الدول بغض النظر عن القيود الحدودية المصطنعة. وقد وضعت إيران آلية لمأسسة فكرة تصدير الثورة من خلال نص الدستور الإيراني على أن تكون إحدى مهام «الحرس الثوري» – المؤسسة الثورية التي توازى الجيش النظامي داخل إيران – القتال بغرض توسيع حكم الشريعة الإسلامية في العالم.

 

علاقة حزب الله بإيران

 

تتميّز العلاقة بين «حزب الله» اللبناني وإيران بتداخل البعدين السياسي والديني فيها، فاللبنانيون الشيعة الذين يمثلون كوادر الحزب تربطهم بالمرجعيات الدينية الإيرانية روابط روحية عميقة، ومن المعلوم انّ حزب الله التزم بولاية الإمام الخميني، ومن بعده بالولي الفقيه الإمام الخامنئي، كحلقة من سلسلة الولاية.

 

وهو اختيار يُحمِّل حزب الله مسؤولية التزام أوامر قيادة شرعية لا تحدها الأوطان، اتخذت نمطاً معيّناً للإدارة والحكم، ولها نمط مختلف في لبنان يتعلّق بتبني حزب الله لقيادة الفقيه الشرعية. ويمكن القول إن مرشد الثورة الإيرانية الإمام علي خامنئي هو أكبر مرجعية دينية بالنسبة لحزب الله، ويسمّى أمين عام حزب الله الوكيل الشرعي للخامنئي، وبالتالي فإن الولي الفقيه هو القائد الشرعي الفعلي الدائم لحزب الله الذي يلتزم بأوامره.

 

وفي الجانب السياسي، لا يمكن فصل المسار الإيراني عن مسار حزب الله، ذلك ان الحزب جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الإيرانية ومشروعها في المنطقة، وبالتالي يكون تقييم سلوك حزب الله في مواقفه وافعاله مرتبط بسياسة إيران ومصالحها وأوجاعها وقرارها.

 

القرار يبقى لُبنانيّاً

 

بناءً على ما تقدّم يكون كلام اللواء قرباني المنقول مستنداً الى اتباع إيران حزب الله وكيلها الشرعي في لبنان، ومن خلاله يكون جنوب لبنان امتداداً لإيران، ذلك بموجب الدستور الإيراني الذي يرعى تصدير الثورة الاسلاميّة الى بلدان العالم.

 

وإذا كان من حق أي دولة أن تسعى إلى دور ونفوذ، لكن ليس من حقّها أن تفرض نفسها لاعباً داخل خرائط الآخرين، ولا استخدام الكيانات غير الدُولتية لشنّ حروبها انطلاقاً من حدود الغير. كذلك من الصعوبة أن تتمكَّنَ أي دولة من بناء علاقات طبيعية ومستقرة مع جيرانها في المنطقة إذا احتفظت في دستورها بمادة تجعل من تصدير الثورات واجباً لمؤسساتها العسكرية والأمنية والدبلوماسية.

 

ليس هناك أدنى شكّ بأن كيان «إسرائيل» هو عدو محتلٌّ لدولة فلسطين الشقيقة وجزءٍ من أرض لبنان، ويشكل خطراً يومياً على الوطن، وله أطماع سياسية واقتصادية توسعية في لبنان والمنطقة. ولكن يحتفظ لبنان وحده بحق قرار الحرب والدفاع عن اراضيه، وليس وارداً ان يدخل في حرب بالوكالة عن أي دولة أُخرى.

 

المصدر:
اللواء

خبر عاجل