نترحم اليوم على زمن الوزيرين فؤاد بطرس وشارل مالك والرئيس كميل شمعون عندما كانت سياسة لبنان الخارجية تلزم الدول العربية مجتمعة بمسار دولي واضح المعالم في رحاب الحرية الشخصية الكيانية. فالدرْك الذي وصلنا إليه اليوم في ملف السياسة الخارجية، يعود إلى حقبة سيطرة مصالح فئوية لبنانية على مصلحة لبنان العامة.
لكن أن تتحول السياسة الخارجية في لبنان من المصلحة الوطنية العامة لتصبح على حساب صحة اللبنانيين، ففي ذلك ضرب من أوسخ ضروب الدناءة السياسية عندما تتحول صحة اللبنانيين إلى حالة فردية تتأثر بسياسات بعض اللبنانيين التي تفضل مراعاة مصلحة بعض الدول على مصلحة أهل بيته. من المعيب جدا ألا يتم حظر الطيران مع إيران مراعاة لموقف حزب الله السياسي من إيران! لكأن صحة اللبنانيين ترتبط بموقف سياسي من هنا، أو بمصلحة دبلوماسية من هناك.
قد يقول بعضهم إن غير دول قد تفشى فيها فيروس “كورونا”، أو على الأقل سُجلَت فيها بعض الاصابات كإيطاليا مثلا. صحة اللبنانيين لا تقبل أي مساومة مع أي مصلحة دبلوماسية. فليتم حظر الرحلات الجوية والبرية والبحرية من أي دولة فيها إصابات وموضوعة على لائحة الحجر الصحي من دون أي مراعاة لأي طرف كان. لأن صحة اللبنانيين وحدها تفرض العمل على قاعدة ” كلن يعني كلن.”
وقد يقولون أيضاً ماذا نفعل باللبنانيين الذين أصيبوا بهذا الفيروس في بلاد الاغتراب ويريدون العودة الآن؟ فليخضعوا للحجر والعلاج في الدول الموجودين فيها، وعلى حساب وزارة الصحة في تلك الدول، وبعد التثبت من شفائهم، يُرحب بهم في بلدهم.
هذه الشعبوية بالتعاطي في ملف السياسة الخارجية، ولو على حساب صحة اللبنانيين، لن تضر صاحبها فقط، بل ستضر المواطنين جميعهم. فلا بد هنا من العمل بشكل حثيث على إعادة ترميم علاقات لبنان الخارجية بعدما تم تدميرها بسبب الرحلات الاستثنائية والحزبية الخاصة على حساب وزارات الخارجية السابقة منذ زمن الرئيس الهراوي وحتى اليوم.
يكفينا ما نعانيه من سوء سمعة اقتصادية، لا سيما بعدما أوعز من الجهة الحزبية نفسها بالتعاطي السلبي مع وفد صندوق النقد الدولي، وذلك على قاعدة “تكلموا ما شئتم وسنفعل ما شئنا”. هذه الشعبوية السياسية ستجلب الويلات إلى لبنان؛ ولن يكون مردودها إيجابيا بعد اليوم حتى على من يأخذونها نهجًا لعملهم السياسي. فضلا عن أن سياسة النكث بالوعود التي اعتدنا عليها، لن تجلب إلا العار لأصحابها.
هذه الرؤية غير الاستراتيجية في السياسة الخارجية التي يفرضها حزب الله على لبنان، إن بشكل مباشر وإن عبر حلفائه، لن تجلب إلا الويلات. لقد آنَ أوانَ التعاطي بملف سياسة لبنان الخارجية على قاعدة وطنية جامعة، وليس فئوية ضيقة؛ لا سيما إذا كان الموضوع يتعلق بصحة اللبنانيين مجتمعين. لقد اكتفينا من الدعوات السفسطائية لوضع لبنان على لائحة البلدان التي تتصدر حوار الحضارات، وهو بلد يديره حزب منبوذ من الحضارات كافة، إلا من حضارة القتل والارهاب. لقد آن أوان فتح حوار داخلي جازمٍ وحازمٍ حول موضوع الاستراتيجية الدفاعية من دون أي التفاف على الأعراف والقوانين الدولية عوض البحث عن مساحة دولية بالالتفاف على الأعراف.
المطلوب اليوم واحد وواضح. إعادة الاعتبار للدور الخارجي الذي لعبه لبنان أيام شارل مالك وفؤاد بطرس وإعلان حالة طوارئ في السياسة الخارجية لاستعادة الاحترام الدولي للبنان. لكأنه لا يكفينا ما استجلبته طريقة التعاطي السلبي بالملف الاقتصادي مع المجتمع الدولي من عار علينا! جمهورية الموز تناشدهم للبدء بإصلاح قطاع الكهرباء، وهم يرفضون حظر الرحلات من إيران لاعتبارات سياسية. الملف الصحي هو الملف الأكثر إلحاحًا للتعاطي به على قاعدة ” كلن يعني كلن.” وصحة الناس لا تقبل المساومة، ولا تؤخذ رهينة سياسية لحزب الله وحلفائه وأسياده. اكتفينا.