كثرت التحليلات والتأويلات لموقفَي وزيري المالية الفرنسي والسعودي، برونو لو مير ومحمد الجدعان، من الأزمة اللبنانية، على هامش انعقاد الاجتماع المالي لمجموعة العشرين، الأحد، في الرياض. وفسَّرت دوائر السلطة موقف الوزيرين إيجاباً، كالغريق الذي يتعلَّق بقشة. علماً أن قراءة متأنية، بحسب مراقبين، تنصح بعدم بناء “آمال كاذبة” على ما قد يظهر في النهاية أنه مجرد سراب، أو فهم خاطئ لحقيقة الموقفين، فتكون “الصدمات والخيبات” مضاعفة.
أما موقف وزير الخزانة الأميركية ستيفن منوشن فكان الأشد وضوحاً حول الحلول الدولية للأزمة اللبنانية، إذ عن كشف مناقشة الملف اللبناني مع صندوق النقد الدولي، خلال ترؤسه اجتماعاً لمجموعة السبع (G7)، مؤكداً على ضرورة تلازم “الاستقرار السياسي والاستقرار الاقتصادي في لبنان.
وإنْ أضيف إلى مجمل المواقف ما تردد عن انطباع سلبيّ خرج به صندوق النقد الدولي من لقاءاته مع المسؤولين في لبنان، وأن السعودية ومجموعة من الدول الداعمة لمؤتمر “سيدر” تعيد النظر في موقفها، مع الأخذ في الاعتبار أن الحرص الذي تبديه فرنسا على لبنان نظراً للعلاقات التاريخية بين البلدين لا يعني الموافقة على ارتمائه في محور معادٍ لدول الخليج والدول المانحة، يصبح لزاماً على “مسوّقي الآمال” بَدَل “الجهود المجدية والخطط والإجراءات الإنقاذية”، إعادة النظر باستنتاجاتهم المضلّلة.
مدير “مركز المشرق للشؤون الإستراتيجية” الخبير الاستراتيجي والاقتصادي الدكتور سامي نادر، يرى، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أنه “أولاً، من الواضح اليوم أن هناك كلمة سرّ واحدة، خلاصتها الآتي: تريدون مساعدات؟ مطلوب إصلاحات”.
ويلفت إلى “ألا خلاف بين مختلف هذه الأطراف على ذلك، لا بل هناك انطباع أن هناك تنسيقاً بين الجميع، وأنهم يأتون إلى الموضوع اللبناني كفريق لا بشكل إفرادي”. ويقول، “صحيح أنه تم التعبير عن الموقف في الاجتماع المالي لمجموعة العشرين في الرياض، كل على طريقته، لكن الملفت أن الجميع كان يتكلم بصوت واحد حول ربط المساعدات بالإصلاحات، علماً أن لبنان كان حاضراً في مؤتمر (G20) وسمع ذلك مباشرةً”.
ويضيف، “ثانياً، هناك تمايز بين الموقفين الفرنسي والأميركي، إذ من الواضح أن الولايات المتحدة تتحدث عن الاستقرارين السياسي والاقتصادي بالتوازي، فمنوشن أعلن صراحة أن “هناك خطوات عملية مطلوبة ننتظرها من الحكومة اللبنانية”، أي أن الموضوع له علاقة بتصرفات حزب الله وبالمواجهة مع إيران. وهنا تتمايز واشنطن قليلاً عن الموقف الفرنسي. أما الموقف السعودي، فلم يدخل في هذه النقطة بالذات، وبقي في إطار الموقف المعروف عن المملكة بالتضامن مع لبنان بشرط الإصلاحات”.
ويوضح نادر أنه “صحيح، موقف باريس يقول إنه لا يجب ربط عملية إنقاذ لبنان اقتصادياً بالصراع مع إيران، وتمايز عن الموقف الأميركي الذي ربط نوعاً ما بين الوضعين في إيران ولبنان. لكن الموقف الفرنسي يلقي على الحكومة اللبنانية مسؤولية كبيرة، التي يبقى على عاتقها أن تتخذ الإجراءات المطلوبة وتبرهن أن لبنان محيَّد عن الصراع مع إيران، وألا يأتي فريق سياسي في الداخل ويقحمه في هذا الصراع”.
ويتأسف الخبير الاستراتيجي والاقتصادي ذاته، “لأن ورقة صندوق النقد الدولي الوحيدة لإنقاذ لبنان اقتصادياً بعدما وصلنا إليه، أصبحت رهينة الصراع مع إيران. وإن صحَّ ما نُقل عن الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) وقولهما (لا لوصاية صندوق النقد)، فهما بصراحة يجيبان على موقف ستيفن منوشن بالأمس”.
وعن الانطباع غير الإيجابي الذي خرج به وفد صندوق النقد من لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين حول جديتهم ووضع خطة حقيقية فعلية واضحة، كما تسرَّب، يلفت نادر إلى أنه “بغض النظر عن الشق التقني وأن المسؤولين غير جاهزين ولا يملكون دراسات، لكن إذا نظرنا إلى المسألة من الناحية السياسية، نرى أن هناك فريقاً اسمه أميركا، وهو غير معني أساساً بلبنان فهذه ليست بلاده، يقول: المطلوب من الحكومة اللبنانية أمور في السياسة وأخرى في الاقتصاد”.
ويوافق نادر على أن “وزير المالية الفرنسي يعترف بدوره أن الوضع متصل بالسياسة ولا يمكن فصله بشكل جذري”، ويعتبر أن “الفرنسي لا يريد حشر لبنان كثيراً في المواجهة. إنما في النهاية بالنسبة للفرنسي والأميركي يبقى لبنان ليس بلدهما بل بلدنا، والأهم، موقف أمل وحزب الله، ماذا لديهما ليقدماه كخيار ثانٍ؟”.
ويضيف، “كي لا نقول إن غياب وخطأ السياسات أوصلنا إلى ما وصلنا إليه، والثنائي الشيعي هو جزء من (كلن يعني كلن) وكي لا نضع اللوم عليه وحده، لكن ما هو خيارهم الثاني؟ هل يريدون الذهاب إلى السعودية لطلب وديعة؟ ما هو الخيار البديل؟ الانهيار؟”.
ويسأل، “هل يعتقدون أنهم إن ارتدّوا إلى المصارف ووضعوا ضريبة على الثروة واستقطعوا قسماً من الودائع، تُحلّ الأزمة؟”. ويشدد في هذا الإطار على أننا “بحاجة إلى سيولة نقدية، فمن أين نأتي بها؟”.
ويتأسف نادر “لأننا وقعنا رهينة”، لافتاً إلى أنه “كانت لدينا فرصة لتحييد لبنان عن الصراعات، لكن يبدو أنها تبدَّدت”، موافقاً على أنه “كما يبدو، إن الأولوية بالنسبة لحزب الله تبقى لمشروعه الإقليمي لا للاهتمامات والهموم اللبنانية الداخلية”. ويضيف، “مع الأسف، الأفق أسود”.