كتبت “المسيرة” – العدد 1704
الأباتي شربل القسيس:
• نحن حيث يجب أن نكون
• سنبقى مدافعين عن وجودنا وعن حقنا
هذا الحديث للأباتي شربل القسيس مع الصحافي غسان صقر نُشر في جريدة «الجريدة» في 5 تشرين الثاني 1977، في المرحلة الفاصلة بين حرب السنتين وحروب الأعوام التي تلتها، وبعد إعلان الراهب الماروني شربل قديساً في الفاتيكان ليكون القديس اللبناني الماروني الأول في سلسلة قديسي الرهبانية اللبنانية المارونية. في هذا الحديث يحدد الأباتي القسيس مهمة الرهبانية ويركز على أهمية دور الراهب في أن يكون قدوة في الدفاع عن إيمانه وأرضه وشعبه. ويفسِّر بكثير من الوضوح معنى التعددية والمشاركة، ويركز على ضرورة الحوار بين الطوائف.
لمناسبة تطويب شربل قديسا تجلّت في لبنان وفي حاضرة الفاتيكان بالذات ظاهرة تؤكد أن لبنان ملتقى الديانات الكبرى، كيف تفسِّرون عدم إنسجامها على أرض لبنان خلال محنة السنتين، وكيف ترون وجوب العودة الى هذا التعايش؟
يوم تقديس الطوباوي شربل في الفاتيكان كان أكثر مما قاله الغير، إذ قالوا إنه يوم لبنان في الفاتيكان، أو يوم عالمي، والحقيقة أن ذاك اليوم كان يومًا سماويًا، كان يوم إلتقاء الأرض بالسماء، كما كان يوم إرتفاع الإنسان الى مستوى الألوهة، كان تجسيدًا للمعجزة الأولى التي صنعها يسوع في أول حياته، إذ حوّل الماء الى خمر، والمعجزة الأخيرة في حياته أنه حوّل الخمر الى دمه. هاتان المعجزتان الأولى والأخيرة لو تعمّقنا بهما لرأينا أن الغاية من مجيء يسوع الى الأرض وتجسّده هي تأليه الإنسان، هي رفع الإنسان من الإنسان الطبيعي الى الإنسان الإلهي. ويوم الفاتيكان لم يكن سوى إعلان تدرّج شربل في الإنسانية وبلوغه نوعًا ما الدرجة الإلهية. إذن كان يومًا سماويًا يوم اللقاء بين الإنسان وربه ويوم إعلان هذا الإنسان.
إنعكاس هذا اليوم على لبنان لن يكون له مفعوله إلا بقدر ما يعود الإنسان الى تحديد الديانة بمفهومها الحقيقي.
الديانة كما قلت وأردد هي علاقة الإنسان بالله، وانعكاسًا، ومن خلال هذه العلاقة، علاقة الإنسان بأخيه الإنسان. لقد أوجز يسوع في إنجيله الكريم الوصايا بقوله: «أحبب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك»، والثانية التي تشبهها ولا تقلّ عنها مطلقاً: «أحبب قريبك كنفسك». فبقدر ما يجسِّد الإنسان هذه الحقيقة، أي يلتصق إلتصاقاً كليًا بالله تعالى ويجعل قلبه الى حدّ ما شبيهًا بقلب الله، في رحابته وغفرانه وسعته، بهذا المقدار يتسع قلب الإنسان لأخيه الإنسان، وبهذا المقدار فقط نستطيع نحن اللبنانيين أن نعود الى إلتقاء الديانات الكبرى، الى عيش حقيقة هذه الديانات، والى جعل لبنان، على ممر الزمن، أرض لقاءات بشرية ولقاءات سماوية.
هذه هي الطريقة المثلى للعودة بلبنان الى وطن الحوارات ووطن اللقاءات.
ولكنكم لم تفسِّروا سبب عدم الإنسجام على أرض لبنان خلال محنة السنتين، لأن ما قلته هي مبادئ مسيحية عن مفهوم التعايش؟
إقتتالنا في مدة السنتين لم يكن كما سبق، وقلت مرارًا في ابتدائه وفي أسبابه إقتتالاً لبنانيًا ـ لبنانيًا، إنما كان في حقيقته وأسبابه الأولية لبنانيًا ـ فلسطينيًا، ولدى تطوّره أصبح لبنانيًا ـ لبنانيًا، كون سيرورة هذا الإقتتال في تطوّره لبنانيًا ـ لبنانيا، دون أن يفقد سببه الأساسي يعود الى تنازل، أو الى إبتعاد اللبنانيين عن حقيقة أديانهم، وأصح وأقرب طريق، بعد التخلّص من سبب حرب السنتين للعودة الى حقيقة لبنان: موطن لقاءات وديانات الطريق الأصحّ والأقرب، هو عيش كل من اللبنانيين حقيقة روحانية دينه، لأن الحوار الذي ننشده جميعًا هو ثلاث: حوار باطني مروحن، حوار حياتي معيوش، وحوار عقلاني. وهذا الأخير لن يكون فعّالاً إلا إذا سبقه الحواران الأولان: الحوار الباطني المروحن، هذا الحوار بين الله والإنسان ومن خلال الله بين الإنسان وأخيه الإنسان.
أما الحوار الثاني الذي عنيت به الحوار الحياتي، فهو العودة بلبنان وباللبنانيين الى حقيقة تاريخية، جهلها كثيرون وظنوا أن لبنان الكبير لم يولد إلا يوم ضمت إليه الألوية. أما الحقيقة التاريخية فهي غير ذلك: لولا وحدة لبنان الحياتية لما كانت ضُمت الأولوية في العام 1923 الى لبنان الحالي.
واستطرد الأباتي القسيس في تعزيز وجهة نظره المعارضة لمن يدّعي أن اللبنانيين على درجات في الولاء قياسًا للأقضية التي يعيشون فيها وقال:
إذن هذا الحوار الحياتي حققته الرهبانيات في أديرتها المنتشرة في جميع المناطق اللبنانية من الجنوب حتى الشمال، ومن الشرق حتى البحر، إذ كان حول كل دير من الأديرة كيان حقيقي للحوار الحياتي، فكانت مدرسة الدير تضم تلاميذ من جميع الطوائف، وكان حقل الدير يعمل فيه عمال من جميع الطوائف، وكانت قاعة الإستقبال في الدير تضم لبنانيين من جميع الطوائف، وهنا في قاعة الإستقبال وفي المدرسة وفي الحقل وحول الدير، كان يقوم الحوار الحياتي الذي بطبيعة عيشه أوصل اللبنانيين الى الحوار العقلاني، الى الحوار الفكري. وهذا الحوار الفكري كما قلت سابقاً، في هذه الظروف الحرجة وبعد سنتي حرب لن يكون في بدئه إلا ثنائيًا، أي بين رجال مخلصين من الفئات كلها وعلى صعيد ضيّق وشبه مغلق في بدئه. ومن خلال هذا الحوار الثنائي سنتوصل الى حوار عقلاني أوسع بواسطة الصحافة والمحاضرات والندوات والإجتماعات المتتالية والموسّعة، ويأتي الحوار العقلاني الفكري متوّجًا للحوارين الأوليين: الحوار الباطني المروحن، والحوار المعيوش.
قدس الأباتي، في سياق كلامك هناك حرص على إبراز تعددية الأديان والروحانيات في لبنان، ومن هذا المنطلق بالذات كان تفكير الجبهة اللبنانية، وأنتم أحد أقطابها، بمعنى أنكم قلتم إن الإنسان اللبناني يعيش باطنية مروحنة ويحرص عليها، إذن معنى ذلك أن اللبناني متمسك بالدين الذي يعتنق ويُصرّ على ممارسته، هل من هنا كانت إنطلاقتكم حفاظاً على هذا التراث أن يكون لبنان متعددًا في وحدته؟
من يستطيع أن ينكر هذه الحقيقة أن في لبنان تعدد ديانات، وأن اللبناني روحاني بطبعه ولن يتنازل عن روحانيته، وما ضرّ اللبنانيين إذا كانوا خدامًا حقيقيين «للكلمة»، خدامًا حقيقيين لروحانية أديانهم ومجسّدين لها؟ هل يستطيع البشر أن يعطوا الإنسان مثلاً روحانية أسمى وأقدس من المثل التي تعطيها الديانات؟
وأضاف الأباتي القسيس: إن التعددية التي نتحدث عنها ونرغب فيها في واقعنا الحاضر، هي إسم جديد وعلمي لواقع تاريخي ولحقيقة إجتماعية أردت بها الطائفية، ومشكلتنا مع الطائفية ليست من مفهومنا الحقيقي للطائفية إنما من «البهدلة» التي وسمها بها بعض السياسيين، لدرجة أننا بتنا نستحي أن نقول إننا «طائفيون»، بقدر ما لحقها من مهانات. إنهم استعملوها أداة إستثمار سياسي، أما الحقيقة، إن الطائفية هي تعبير حضاري لكل من الأديان الكبرى، وبقدر ما يكون هذا التعبير الحضاري تعبيرًا مخلصًا وصحيحًا للدين الذي ينتمي إليه أو ينبثق عنه، بقدر ما تكون الطائفية تعبيرًا حضاريًا يساعد المؤمن للإنفتاح على الله تعالى، وانعكاسًا للإنفتاح على قريبه. وبقدر ما يكون هذا التجسيد تجسيدًا لأنانياتنا الشخصية لا للوحي الإلهي، بقدر ما تكون الطائفية بغيضة. فنحن ضد هذه الأخيرة لأنها تتلبّس بالدين، وهي أبعد ما تكون عن الدين، ونحن للطائفية الأولى، أي تلك التي تجسّد حضاريًا واجتماعيًا وفكريًا حقيقة ديننا.
إنكم تحاولون جهدكم أن تفسّروا الواقع اللبناني ليكون معيوشًا بصورة أسلم نحو مجتمع رخاء أفضل. قيل عن لسانكم إنكم أيضًا من دعاة العلمنة، فكيف وفقتم بين التعددية والعلمنة؟ هل كانت العلمنة حل «فكة مشكل» للخلاص من المحنة؟
البنيات السياسية ليست هي بحقيقتها إلا أداة تفاهم وتعايش بين أفراد المجتمع. عندما تحدثنا عن العلمنة واقترحناها كإحدى البنيات السياسية التي يمكن أن تُخرجنا من واقعنا اللبناني، أو يمكن أن تكون وسيلة لخلق مجتمع منصهر لا تعددي، كنا مخلصين أيضًا كما نحن اليوم مخلصون عندما نتكلم عن التعددية. ولكن كما تعلم، إخلاصنا لا يتنافى مع إحترامنا لمواقف الغير. لبنان كما هي حقيقته تعددي، أي تعددي بأديانه، بحضاراته وبمجتمعاته، ولما كانت الفئة الأخرى لا ترغب في العلمنة، وكما يقول بعضهم، لأنها تتنافى والدين إحترامًا لمعتقد الغير، وتقديرًا لإخلاصهم الديني، إخترنا بنية سياسية أخرى هي أيضًا ممكنة لتجعل من المجتمع اللبناني مجتمعًا واحدًا في التعددية.
إذن أباتي دائمًا الجبهة وأنتم من خلالها تجتهدون لتفسير واقع لبناني يتعايش ويمنع الإحتكاك؟
تعبيرك «يمنع الإحتكاك» يتضمن الإحتكاك بمعناه السيئ. نحن لا نرغب في منع الإحتكاك، نحن نرغب في التفاعل. كل تشريع يتنافى وواقع المجتمع هو معد لخزائن الآثارات. المدينة الأفلاطونية من أجمل التشريعات الإنسانية، لكنها لم تطبّق يومًا. عندما ندعو نحن الى التعددية نريد أن يظل لبنان موطن لقاءات، موطن تفاعل ديني وفكري. وعندما يقول الغير لا نريد لبنان لا كنيسة ولا جامعًا ولا كنيسًا، أنا أريد أن أزيد لئلا نظل في السلبية، نريد لبنان منبرًا حرًا للديانات الكبرى، نريده منبرًا حرًا يستمع إليه كل لبناني بدوره. أما إختيار الدين فيعود الى قناعة اللبناني الباطنية. لا الدولة ولا التشريع يفرضان الدين في لبنان، إنما الذي يفرض الدين هو القناعة الباطنية، لذلك نرغب أن يبقى لبنان منبرًا حرًا للديانات الكبرى فيه تتعايش وتتفاعل وتكون متكاملة.
ليس علينا نحن المخلوقات أن نوحّد الدين، لأن الدين لا يوحّده إلا ربه، أي الله تعالى. ساعة يشاء هو وحده يستطيع أن يوحّد الأديان، أما نحن المؤمنون فعلينا أن يعيش كل منا دينه بإخلاص، وبالتالي يخلّص نفسه ويخلّص المجتمع الذي يعيش فيه.
على ما يبدو، قدس الأباتي، إنكم تحاورون أنفسكم إعدادًا للوفاق الوطني، فأهلية الحوار لمن ترون إعطاءها؟
ليس علينا أن نعطي شهادات في أهلية الحوار، لأننا إن كنا لا نريد أن نحاور إلا الذين هم من تفكيرنا، فحوارنا يكون شيئاً من «المونولوج» لا من «الديالوج». كل لبنان أصلاً وهوية هو أهل للحوار معنا، شرط أن يريد هو ذلك، وما دام هو لا يريد فعلينا نحن بدورنا أن نعمل المستحيل لنحمله الى إرادة هذا الحوار.
بمعنى أن الرئيس كرامي الذي كان مسؤولاً عن سقوط أجهزة الدولة، هو مؤهل في نظرك للحوار، أو مقبول لديكم للحوار؟
عقائديًا البابا والكنيسة تمتنع عن إعلان قداسة رجل لا يزال على قيد الحياة، وسبب ذلك أن الإنسان متطوّر متقلّب، قد يكون اليوم قديسًا ويصبح غدًا شيطاناً، كذلك قد يكون شيطاناً ويصبح قديسًا.
وبعد هذه المقدمة التي تعني شروط التوبة في تعاليم الكنيسة، أضاف: الحوار مرتكزه أو مصداقيته لا حياتك الماضية إنما موقفك الحاضر واستعداداتك المستقبلية. فكل إنسان كما قلت هو صالح للحوار شرط أن يدخل هيكله وهو مُعدّ نفسه لا الى الكلام فقط بل الى السماع أيضًا ليأخذ ويعطي في آن معًا. فإن كان فلاناً أو فلاناً في ظرفه الحاضر هو في حالة نفسية تؤهله للحوار فأهلا به سواء كان قبلاً قديسًا أو شيطاناً.
يعنى أنك تعيش حياة كهنوتية مئة في المئة، ولا ترفض إنساناً على الإطلاق؟
أصبو الى هذا العيش، وأشكرك على هذا التفكير.
قضية الجنوب هي الآن الشغل الشاغل لكل المسؤولين، حيث بات ما يزيد على الـ300 ألف مهجّر جنوبي نتيجة إتفاق شتورة. ما هي الوسيلة الكفيلة بنظرك لحل هذه المشكلة؟ الكل يقولون مصرون على تطبيق هذا الإتفاق، ولكن حتى الآن لم ينفذ هذا الوعد بحجة المطالبة بالإنسحاب المتوازن أو الأمن المتوازن أو ربط الإنسحاب بفرص مؤتمر جنيف، ما رأيك؟
بصورة عفوية ملؤها المعاناة من مآسي التهجير التي عاشها الداموريون في أديار الرهبانية، إنطلق قائلاً: ويحهم؟ ماذا يعنون بالإنسحاب المتوازن؟ أينسى الذين يطالبون بالإنسحاب المتوازن أن وجودهم اليوم في الحالة التي هم فيها أن عيشهم مأساتهم اليوم كما يعيشونها، هو نتيجة لعدم صمودهم في قراهم؟ ألا يرون أن صمود اللبناني في قريته الجنوبية هو أمثولة حية لهم؟ هو الطريق الذي يدلهم عليها اللبنانيون للعودة الى أرضه. صمودنا في الجنوب هو أبلغ أمثولة يمكننا أن نعطيها للذين يرغبون في العودة الى قراهم، لن نقبل بالإنسحاب المتوازن وسنظل متمسكين بصمودنا حتى يرعوي الغير ويرى فيه الطريق التي تؤدي به الى حيث يصبو، إن كان مخلصًا في هدفه وفي غايته.
الطريق المثلى للعودة الى الأمن ولإعادة المهجرين هي إخلاء الأرض من الطارئين عليها ليعود أهلها إليها، هي نزع السلاح من الطارئين لا تجريد الصامدين في قراهم من سلاحهم.
الإنسحاب المتوازن هو إقرار عالمي بصدق ما نحاربه اليوم، أي باغتصاب الأرض، يريدون أن يغتصبوا أرضًا وأن نساعدهم على إسترجاع أرضهم؟ ليكونوا منطقيين مع أنفسهم، ليخرجوا من قرى اللبنانيين حتى يستطيع اللبنانيون، كما كانوا سابقاً مساعدتهم أقله عالميًا ليعودوا الى بلادهم.
نحن اليوم لا نجهل قضية المأساة الفلسطينية، إننا نتجاهلها وسنظل نتجاهلها، وستظل سواعدنا لا كما كانت قبلا ترفع الخيمة التي كانت تظلل رأس الفلسطينيين، ستظل سواعد اللبنانيين شئنا أو أبينا نحن رجال الدين، مشدودة وأصابعهم على زناد بنادقهم للدفاع وللصمود في أرضهم. ويوم يصبح اللبناني آمنا في قريته على حياته وحياة أفراد عائلته، يومها يرجع فيجعل من سواعده أعمدة للخيمة التي كانت تظلل رأس الفلسطينيين ويساعده في جميع المجالات المتاحة له في العالم.
حيثما وُجد دير، يقول المثل اللبناني، وُجد إنسان، بالنسبة للقضية الفلسطينية بالذات هناك وجود ماروني فلسطيني في الأراضي المحتلة، كيف الآن هذا الوجود، على أي صورة هو؟ وكيف استطاع المارونيون في الأراضي أن يستمروا بوجودهم؟
مشكلة الرهبانية اللبنانية المارونية ، إن كان هناك من مشكلة، هي أنها ترفض أن تعيش بعيدة عن شعبها، وحيثما حلّ الموارنة ترى الرهبانية من واجبها أن تتبعهم وأن تعايشهم.
قديمًا عايشوهم في الشرق العربي وما زالوا يعايشونهم، ويوم تجمّع أكثريتهم في لبنان، يومها جعلوا من لبنان مركزًا إشعاعيًا لهم، أو محور وجودهم، ويوم هجر الموارنة الى القارات الخمس تبعهم الرهبان الموارنة من أميركا الشمالية الى أميركا الجنوبية الى أوروبا الى أفريقيا الى، مؤخرًا، إوستراليا. فلا عجب إذن إذا بقيت الرهبانية اللبنانية المارونية في فلسطين ولها هناك من الموارنة ما يزيد عن 7000 ماروني في الجليل الأعلى وحيفا وعكا. كل هذه المدن لا يزال يوجد فيها موارنة لبنانيون. لذلك لا تعجب إذا كان للرهبانية أديار هناك. فالراهب لا يرحل إذا كان هناك من رحيل، وأول من يدعو الى البقاء والصمود كلما دعت الحاجة الى ذلك. ولنا في موقف راهبنا بولس عبود خير برهان على صحة ما أقول. ولنا في حوادث قبرص أكبر دليل لما أقول. صحيح أنه رحل بعض الموارنة هناك عن قراهم، لكن الراهب بقي صامدًا في ديره، في حين بقي بعض منهم مع الأهالي للإهتمام بهم على أمل عودة الذين رحلوا الى بيوتهم. بقي ليحافظ على أرضهم هناك وليساعدهم على العيش حيث هم. لن نكون البادئين بالرحيل بل البادئين بالدعوة للبقاء والصمود، لأننا نعرف أن المسيحي هو خميرة يجب أن تخمّر الأرض كلها، وحيثما يبقى الراهب يبقلا خمير الدعوة الى السلام.
يكثر الكلام عن الراهب بولس عبود. من هو؟
هو من الرهبانية اللبنانية المارونية التي لي شرف رئاستها اليوم. وهو من بلدة غوسطا، من المحلّقين في دنيا القانون ويحمل دكتورا في الحق القانوني، وكان رئيسًا لديرنا في يافا.
ما المأثور عنه؟
أولاً المأثور عنه روحيًا ورهبانيًا هو المأثور عن كل راهب. كان من الرهبان الورعين للكنيسة وللطائفة ولشعبه حيثما تدعو الحاجة وتطلب إليه الكنيسة يتوجه. ويوم كان في فلسطين لم يغب عن لعب دوره السياسي، فكان رئيسًا للهيئة العربية الإسلامية ـ المسيحية، وقد تولى الدفاع عن أرض فلسطين، وقد ألقى أكثر من محاضرة في هذا الموضوع، وهذا الموقف إستحق عليه الطرد من الإنكليز لأنه كان أول من حذر العرب من ترك أراضيهم.
من هنا رفضكم لمبدأ الإنسحاب؟
يظهر أن المارونية ملتصقة حياة وعيشًا بكل ما هو رفضي. منذ بدأت كانت ولا تزال رفضية. ترفض الإستسلام. ترفض النزوح. ترفض الإنسحاب، سواء أكان متوازناً أو غير متوازن. نحن حيث يجب أن نكون وحيث نحن موجودون سنبقى مدافعين عن هذا الحق وعن وجودنا.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]