كتب المؤرخ نبيل يوسف في “المسيرة” – العدد 1704
13 شباط 2001 غاب بِصَمْت الآباتي شربل القسيس الرئيس العام للرهبنة اللبنانية المارونية (1974 – 1980) ورئيس المؤتمر الدائم للرهبانيات الكاثوليكية، وعضو الجبهة اللبنانية: جبهة العمالقة التي ضمت إضافة إليه الرئيس كميل شمعون والرئيس سليمان فرنجية والشيخ بيار الجميل وكبار المفكرين: إدوار حنين وشارل مالك وجواد بولس وفؤاد افرام البستاني والتي إستطاعت قيادة الشعب المسيحي في أحلك الظروف، وواجهت العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، هذا العالم الراغب يومها بتهجير المسيحيين من لبنان إلى أميركا وكندا وإحلال الفلسطينيين في جبال لبنان فتحل مشكلة إسرائيل.
رحل الآباتي شربل القسيس بصمت وهدوء الراهب المتجذّر في صخور جبلنا المقدس.
من المؤكّد أن قلّة قليلة ما تزال تتذكّره وهو الذي عاش عقدين من العمر بعد إنتهاء رئاسته للرهبنة في ديره بعيداً عن الأضواء.
هائلة الأخبار عن الآباتي شربل القسيس، والتي قد يؤلّف منها مجلدات، ومن الظلم أن يضيع تراث هذا الراهب العظيم من دون أن يصدر عنه ولو كتاب واحد.
كثيرة هي المحطات في مسيرة الآباتي القسيس ، لاسيّما خلال الحرب اللبنانية منها:
1 – ظهر الخميس 11 أيلول 1975 شوهد الآباتي القسيس في دير سيدة النجاة في بصرما يبكي بحرارة وألم 3 من إخوته الرهبان، وهم : الأب بطرس ساسين 96 عاماً الفاقد نظره قبل أعوام، والأب أنطونيوس ثمينة 84 عاماً، والأخ يوحنا مقصود 66 عاماً، الذين كانوا ذبحوا ذبحاً ظهر الثلاثاء 9 أيلول في مقرهم في دير مار جرجس في عشاش بعد أن دخلته المجموعات الفلسطينية وخرّبته وأحرقته، وكان يومها هناك 3 رهبان آخرين مجهولي المصير هم الآباء: مرتينوس فهد وافرام سلامه وأنطوان شالوحي، الذين كان فُقد الإتصال بهم من نهار الأربعاء 5 أيلول (تبيّن لاحقاً أنهم كانوا معتقلين لدى منظمة الصاعقة الفلسطينية وأطلق سراحهم بعد أيام).
2 – فجر الإثنين 5 تموز 1976 تعرّضت بلدات شكّا وحامات وساحل بلاد البترون الشمالي لهجوم فلسطيني كاسح إرتكبت خلاله مجازر يندى لها الجبين.
إستنفرت الجبهة اللبنانية قواتها وهبّ المقاتلون بالآلاف للمشاركة في إسترداد شكّا وحامات وشكّل شارع البترون الرئيسي ملتقى معظم الوحدات العسكرية قبل انطلاقها إلى الجبهة.
لم تكن قد مرّت ساعات قليلة على الهجوم حتى وصل الآباتي شربل القسيس يرافقه الأب يوسف عجيل رئيس دير كفيفان وعدد من الرهبان إلى مبنى سراي البترون الذي تحوّل إلى غرفة عمليات عسكرية بقيادة العقيد (العماد قائد الجيش لاحقاً) فيكتور خوري.
وهو يدخل السراي تحلّق الصحافيون حوله فقال لهم: لا كلام قبل تحرير حامات وشكّا. وعن وضع الرهبان في دير شكّا قال:
أصبح الدير مركز التجمع الرئيسي لأبناء شكّا الهاربين من منازلهم، ومصير الرهبان مرتبط بمصير أهالي شكّا وقرارهم الإستشهاد مع أهالي شكّا، على أمل أن نتمكن من الوصول إليهم قبل ذلك.
لم يمكث الآباتي القسيس طويلاً في السراي معتبراً أن وجوده بين الضبّاط لا يفيد، فانطلق إلى مدخل البترون الشمالي مباركاً الآليات العسكرية المنطلقة محمّلة بالمقاتلين ووجهتها خطوط الجبهة، فكان يشدّ من العزائم مطالباً بالنصر، وعشرات المقاتلين يلوّحون له محيّين. وعلى رغم الخطر عاد وتوجه إلى سلعاتا حيث كان أعيد نصب مدفَعين لتأمين التغطية المدفعية لما تبقّى من أحياء صامدة في شكا، فراح يساعد بنفسه بنقل القذائف وتأمين إحتياجات المربض، وعصراً إعتذر عن المشاركة في اجتماع الجبهة اللبنانية في الكفور معتبراً أن وجوده بين المقاتلين الذين راح يجول عليهم في مواقعهم أهم.
3 – في أيلول 1986 حلّ موعد إنتخابات رئاسة الرهبنة اللبنانية المارونية، فسعت عدة قيادات مارونية على رأسهم الرئيس سليمان فرنجية لعودة الآباتي شربل القسيس إلى رئاسة الرهبنة، لكن يبدو أن تدخلات فاتيكانية أوصلت الآباتي باسيل الهاشم فغضب الرئيس فرنجية، وبعد فترة أوفد الرئيس شمعون أحد الوسطاء إلى الرئيس فرنجية محاولاً إقناعه بالآباتي الهاشم المستعد أن يزوره في قصر زغرتا.
ردّ الرئيس فرنجية أن لا شيء شخصياً ضد الآباتي الهاشم فأهلاً وسهلاً به، ولكن المرحلة القادمة على المسيحيين من الخطورة بمكان تستوجب أن يكون على رأس الرهبنة اللبنانية قائد حقيقي والآباتي القسيس خير من يستطيع أن يقود المرحلة القادمة.
هذا غيض من فيض تاريخ الآباتي شربل القسيس، الراهب الذي رحل بصمت وقلّة قليلة ما تزال تتذكره. رحمة الله عليه، وقد يكون من حسن حظه أنه غادرنا قبل أن يشاهد أحوال الموارنة الآن.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]