لم تؤت كلمة رئيس الحكومة حسان دياب التي وجهها إلى اللبنانيين، مساء الخميس الماضي، حول الأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية والصحية التي ترزح تحتها البلاد وخطط الحكومة للتصدي لها، بالثمار التي كان يؤمل بها. بل هي أدت، بالإضافة إلى ما تسرَّب عن خطة الحكومة المالية للإنقاذ ونوايا الهيركات المبيَّتة وتحرير سعر صرف الدولار، إلى نتائج عكسية في سوق الصيرفة وتداول الدولار.
فعلى الرغم من العطلة الرسمية وإقفال الأسواق لمناسبة الجمعة العظيمة لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الشرقي، اندفع الدولار، يوم أمس الجمعة، بسرعة جنونية ليلامس 3300 ل.ل في السوق السوداء بعدما كان أقفل مساء الخميس بحدود 3100 ليرة، متأثراً بالعوامل المذكورة.
مصرف لبنان سارع للتدخل وضخ كميات من الدولار للصرافين لمحاولة لجم هذه الاندفاعة الصاروخية للدولار وفرملتها، منعاً لتفلت الوضع وانزلاقه إلى مستوى يصعب بعده السيطرة عليه. ونجح البنك المركزي في عودة الهدوء النسبي إلى سوق التداول عند حدود 3000 ل.ل أو أكثر بقليل. لكن يبقى من المبكر القول إن الأمر بات تحت السيطرة، ومحاولة المركزي دونها عقبات كما يبدو، إذ ان الدولار واصل ارتفاعه اليوم السبت ليلامس 3250 ل.ل، بانتظار الأيام المقبلة لمعرفة علام سيستقر السوق وكيف سيتعامل مصرف لبنان مع المسألة.
مرجع اقتصادي كبير، يوضح، لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، خلفيات تدخل مصرف لبنان، وكذلك الأسباب الموجبة لاستمرار إصراره على اعتماد سعر رسمي للدولار بمعدل 1507.50 ل.ل في تعاملاته، على الرغم من دخول البنك المركزي إلى سوق الصيرفة متعاطياً بشكل واقعي بالسعر الفعلي للدولار.
ويقول إنه “من المعروف أن الودائع في القطاع المصرفي هي بالدولار الأميركي بنسبة تفوق 80%، ويفرض هذا الواقع شروطه على الاقتصاد والتعاملات المختلفة، ولا يمكن لمصرف لبنان إنكاره وعدم التعاطي معه سواء كان الدولار بـ1500 أو بـ3000 ل.ل. بالتالي، عليه التحلي بليونة معينة مع مسألة سعر الصرف، في ظل الشح المعروف في السيولة، لا ترك الأمور من دون تدخل”.
ويوضح أن “ضخ المركزي الدولار بالأمس في سوق الصيرفة لضبط التفلت، يأتي من ضمن تطبيق تعميمه الأخير الرقم 149 الصادر في 3 نيسان الحالي، والذي أعلن فيه عن إنشاء وحدة خاصة في مديرية العمليات النقدية في مصرف لبنان تتولى التداول بالعملات الأجنبية وخصوصاً بالدولار الأميركي وفقاً لسعر السوق، كما إنشاء منصة إلكترونية، وذلك بهدف تأمين الدولار لحاجات الإقتصاد الوطني الأساسية. ويمكن القول إن تدخل المركزي في سوق الصيرفة بالأمس، هو أول تحرك ميداني في هذا الإطار “.
ويلفت المرجع الاقتصادي الكبير، لموقع “القوات”، إلى أن “استمرار مصرف لبنان في التمسك بالسعر الرسمي للدولار مقابل الليرة، يصب في مصلحة المواطن اللبناني. فالمواد الأولية الأساسية، من محروقات وقمح وأدوية ومعدات طبية وفواتير الهاتف والإنترنت وغيرها، كلها مدعومة وتحسب على سعر 1500 ل.ل للدولار، ومصرف لبنان يغطي الفارق عن سعر السوق”.
ويضيف، “في حال تم رفع دعم مصرف لبنان عن هذه المواد وألغي التسعير الرسمي للدولار واعتمد سعر السوق، سترتفع أسعارها مباشرة إلى الضعف. سعر صفيحة البنزين مثلا، سيصبح فوراً 50000 ل.ل على 3000 ل.ل للدولار. وقس على ذلك بالنسبة لسائر المواد”.
ويعتبر أن “ما تسرّب من خطة الإنقاذ المالية ونيّة الحكومة باعتماد سعر 3000 ل.ل للدولار شكّل ضربة قوية لليرة، ودفع إلى مزيد من فقدان الثقة بها لدى المواطنين والخوف على مستقبلهم. وهذا ما جعلهم يتهافتون على شراء الدولار لضمان قيمة ما يملكونه”.
ويرى المرجع الاقتصادي الكبير، أن “تدخل مصرف لبنان وضخ الدولار في سوق الصيرفة، أعاد التوازن النسبي إلى السعر الفعلي، وصب بالنتيجة في مصلحة المواطن وحماية الليرة من التدهور أكثر، ومنع انفجاراً اجتماعياً لا أحد يمكنه التكهن بنتائجه. وذلك، على الرغم من الكلفة الباهظة التي يتحملها البنك المركزي، خصوصاً في ظل تناقص احتياطاته بالدولار”.
ويحذر المرجع ذاته، من أنه “في حال تحرير سعر الصرف في الوقت الحالي، ورفع الدعم عن المواد الأساسية واعتماد السعر الفعلي للدولار في تسعيرها، 3000 ل.ل أو ربما أكثر، نحن سنكون أمام كارثة لم يشهدها لبنان في تاريخه، ومعدلات الفقر والعوز ستصل إلى مستويات مفجعة غير مسبوقة، وهذا سيؤدي إلى ثورة اجتماعية هائلة حتما”.