من ملهاة إلى أخرى، تتقاذف السلطة اللبنانيين لإخفاء ترددها وعجزها عن إيجاد الحلول للأزمات المستفحلة، معيشياً ومالياً وصحياً وعلى الصعد كافة. وآخرها الخلاف بين الحكومة ووزارة المال وشركة الاستشارات الدولية “لازار” وبين المصارف حول الخطة الاقتصادية والمالية والخسائر وموضوع الـ”هيركات”.
واللافت أن بعض التسريبات تشير إلى توسع الخلافات لتصبح بين الحكومة من جهة ولازار من جهة ثانية، في حين لا تزال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي متعثرة، على الرغم من نفي وزير المال غازي وزني الذي يحاول التخفيف من وطأة الأزمة بحكم موقعه، وفي ظل تخفيض وكالة موديز لتصنيف لبنان الائتماني من CA إلى C”.
الخبير المالي والاقتصادي دان قزي، يوضح، عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “الكثير من التسريبات التي يطالعنا بها البعض بين حين وآخر، غير منطقية، مثل القول بوجود خلاف بين وزارة المال وشركة لازار حول الأرقام وموضوع الهيركات”.
ويشدد على أن “شركة لازار مجرد مستشار لدى الدولة يعطي رأيه ويقترح وليست هي من يقرر، فالقرار يعود للحكومة اللبنانية بحسب اقتناعها أو عدمه بما تقدّمه الشركة من اقتراحات. وما يحكى عن خلاف بين الحكومة ولازار، فهذه (تفنيصة)”.
ويشير إلى أن “أساس المشكلة والاختلاف بين الحكومة ووزارة المال مع اللجنة البرلمانية وجمعية المصارف وغيرهما، تتمثل في أن الحكومة أشارت في خطتها للإنقاذ المالي إلى أنها ستعتمد ما يسمى الـFull Bail In، لأن المصارف بمعظمها أصبحت متعثرة، علماً أن هذا ما تقوله أيضاً وكالات التصنيف الائتماني الدولية، إذ تشير إلى أن المصارف اختارت أن تعتمد الـselective default أي عدم إرجاع أموال بعض المودعين إلى أصحابها”.
ويسأل، “إذا لم يكن هناك قانون للـ”كابيتال كونترول” كيف يمكن منع المودع من سحب أمواله من المصرف؟ ما يعني أن كل مصرف يمتنع عن ذلك اليوم هو تقنياً متعثر. فلو أن الدولة أقرت قانون كابيتال كونترول تصبح المسؤولية على عاتقها، لكن إذا كان مصرف ما يمتنع عن إعطاء أي مودع أمواله فهذا يعني أن المصرف في وضع حرج، أو ما يسمى في القانون اللبناني بوضعية التوقف عن الدفع”.
ويوضح أن “خطة الحكومة تقترح وتقول ببساطة إن بعض المصارف خسرت أموال المودعين. وما ستقوم به هو إعطاء المودعين أسهماً في المصرف حيث توجد أموالهم الضائعة، ووضع المساهمين القدامى الذين أوصلوا المصرف إلى هذا الوضع خارجه. أي تصبح البنوك اللبنانية المتعثرة مملوكة من المودعين الذين ضاعت أموالهم، على شكل أسهم في هذه المصارف”.
ويلفت إلى أن “أصحاب المصارف يرفضون بالطبع هذه الخطة وإعطاء مصارفهم للمودعين. ويقترحون بيع أملاك الدولة وأصولها مثل المطار والمرفأ والكازينو وشركات الاتصالات والعقارات والأراضي وغيرها، وإعطاء ثمنها للمصارف التي تقوم بتوزيعها وإعادتها للمودعين تباعاً. هنا لبّ الاختلاف الأساسي بين الطرفين”.
ويعتبر قزي أن “المشكلة في هذا الطرح أن الأموال التي يحكى عنها من بيع أصول الدولة غير كافية لمعالجة الأزمة. فمثلاً شركة طيران الشرق الأوسط في أيام العز كانت تُقدَّر بأقل من مليار دولار، ومثلها الكازينو والمطار والاتصالات وغيرها، ماذا تساوي اليوم في ظل أزمة كورونا وتراجع الاقتصاد العالمي؟ وماذا تفيد أملاك الدولة في البقاع مثلاً وكيف تأتي بدولار fresh money؟”.
ويضيف، “شركات الاتصالات مثلاً تحصّل فواتيرها بالليرة اللبنانية لا بالدولار، وإذا بعنا المطار لدولة خارجية نقبض ثمنه بالدولار وندخل دولارات طازجة، لكن يصبح المطار ملكاً لهذه الدولة لا للبنان، فهل هذا ما تطالب به المصارف مثلاً؟ أما إذا قمنا ببيع أصول الدولة داخل لبنان فنكون بذلك اعتمدنا الـ(لولار) لا الدولار، أي فعلياً لا نزال مكاننا ولم نحل المشكلة”.
ويرى قزي أنه “لا يمكن للمسؤولين تخطي المبدأ الأخلاقي في تحمل المسؤولية، فأكثر من نصف الشعب اللبناني لا يملك ودائع وأموال في المصارف، فكيف نحمّله ثمن أخطاء لا علاقة له بها؟ فهل نقوم ببيع أصول الدولة اللبنانية وأملاكها وتوزيعها على بعض أصحاب المليارات في المصارف، أم يجب استخدامها للتخفيف من البطالة بنسبة 50% مثلاً وخلق فرص عمل وضخ أموال في الاقتصاد لتنشيط الحركة ورفع معدلات النمو؟”.
ويشدد على أن “الشعب اللبناني وتحسين الاقتصاد لهما الأولوية على بعض أصحاب المليارات الذين كانوا يتقاضون على مدى السنوات الماضية فوائد Ponzi على ودائعهم”، مشيراً إلى أن “غالبية الخبراء الاقتصاديين والماليين من مشارب مختلفة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، يتفقون على أن المسألة تتعلق بكيفية التوزيع العادل للخسائر أو للآلام، وكل ما يحكى اليوم عن خلافات حول الأرقام والمقاربات وغيرها، هو تمويه للمشكلة الأساسية، والتي تتمثل بأن المصارف لا تريد تحمُّل مسؤولية الأخطاء التي ارتكبتها خلال السنوات الماضية”.
لكن قزي يشير إلى ملاحظة هامة في ما يتعلق ببعض الاقتراحات التي تطرح التعويض على المودعين بمنحهم عقارات وأراض. ويقول، “يمكن لأي مودع أن يشتري، اليوم، أي شقة أو قطعة أرض في المنطقة التي يريدها بموجب شيك مصرفي، فلماذا يقبل أن تفرض عليه الدولة أسهماً في عقار بمنطقة البقاع أو في أقاصي عكار، لا حاجة له به، مقابل ودائعه النقدية التي أُضيعت؟ من هنا اقتراح الدولة في هذا الخصوص ليس بالسهولة التي يظنها البعض ويحتمل البحث والتدقيق”.
ويوضح، أن “البنوك أخذت أموال المودعين وبدل أن تستثمرها في الاقتصاد الفعلي المنتِج قامت بتوظيفها في سندات الخزينة بمصرف لبنان طمعاً بالفوائد العالية، وهنا كانت الخدعة من الأساس التي أوصلتنا إلى هذا الوضع”.