استبعدت صحيفة “Le Monde” الفرنسية، في تقرير لها الإثنين، أن يتم إجراء أي تحقيق دولي في الإنفجار الذي هز مرفأ بيروت في 4 آب الماضي، وخلف نحو 158 قتيلاً و6000 جريح.
وقالت الصحيفة الفرنسية إن ضغوط الدولية بدأت تخف في اتجاه إجراء تحقيق دولي مستقبل، بعد الرفض الذي عبر عنه الرئيس اللبناني ميشال عون وحليفه السياسي حزب الله.
ونقلت الصحيفة عن وزيرالعدل اللبنانية، ماري كلود نجم، ساعات قليلة قبل استقالتها من الحكومة، قولها، ” إن إجراء تحقيق دولي يعني التنازل عن العدالة اللبنانية ودفنها، فلماذا لا نعطي فرصة للقضاة في لبنان لتحقيق العدالة هذه المرة؟”. وأشارت الوزيرة إلى أن لبنان “سيطلب دعم الخبراء الأجانب في التحقيق، كي يعطي ضمانات لكل المشككين”.
وقدمت نجم اليوم الاثنين استقالتها من الحكومة إلى رئيس مجلس الوزراء حسان دياب. وقالت إن استقالتها تنسجم مع قناعتها “بأن البقاء في الحكم في هذه الظروف، من دون تغيير جذري في النظام والمنظومة، لم يعد يؤدي إلى الإصلاح الذي جهدنا لتحقيقه”.
وأضافت في بيان، “تمنيت على دولة رئيس مجلس الوزراء وزملائي الوزيرات والوزراء اتخاذ موقف موحد واستقالة الحكومة بشكل جماعي، بدلا من تقديم استقالات فردية، انحناء لدماء الشهداء”. وتأتي هذه الاستقالة، غداة استقالة وزيري “البيئة والتنمية الإدارية” دميانوس قطار، والإعلام منال عبد الصمد.
ونقلت الصحيفة الفرنسية في تقريرها، عن مصادر من محيط الرئيس ايمانويل ماكرون قولها، “إن الحديث تحقيق دولي، هو حديث عن دعم فرنسي ودولي لإجراء تحقيق موضوعي”. مشيرةً إلى أن “هذه الصيغة هي التي تفضلها السلطات اللبنانية”.
وطالب ماكرون في ختام زيارته لبيروت، الخميس الماضي، بإجراء ” مفتوح وشفاف للحيلولة دون إخفاء الأمور أولا ولمنع التشكيك” حول انفجار مرفأ بيروت. لكنه عاد وطالب، أمس الأحد، خلال المؤتمر الذي نظم بمبادرة من فرنسا والأمم المتحدة من أجل تحريك مساعدة طارئة للبنان، “بتقديم المساعدة” في تحقيق “محايد، موثوق به ومستقل في أسباب” الكارثة، دون الإشارة إلى طبيعة هذا التحقيق والجهة التي تقوم عليه.
وقالت الصحيفة الفرنسية نقلاً عن وزيرة العدل اللبنانية المستقيلة، بأنها طلبت من القاضي المكلف بالتحقيق في القضية بأن يكون هناك حضور للخبراء الأجانب وخاصة الفرنسيين، لإعطاء ضمانات كافية لكل المشكيكن، بسبب انعدام الثقة في السلطات اللبنانية.
وأضاف تقرير “لومند” أنه تم إرسال حوالي خمسين عنصراً من الشرطة والدرك الفرنسيين إلى مكان الحادث “للتعاون بشكل كامل مع الأجهزة اللبنانية ذات الصلة”، كما تم طلب المساعدة من الأمريكيين للحصول على صور الأقمار الصناعية لحظة الانفجار.
وحث الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الحكومة اللبنانية على إجراء تحقيق “كامل وشفاف” في الانفجار. وقال البيت الأبيض في بيان ، الأحد، عقب مشاركة ترامب في المؤتمر الدولي لمساعدة لبنان: “الرئيس ترامب أعاد تأكيد استعداد ورغبة الولايات المتحدة في مواصلة توفير المساعدة لشعب لبنان، وحض الحكومة اللبنانية على إجراء تحقيق كامل وشفاف”، لافتا إلى”استعداد الولايات المتحدة للمساعدة فيه”.
وقالت الصحيفة الفرنسية أن التحقيق في الحادث قد أوكل إلى مفوض الحكومة أمام المحكمة العسكرية، برعاية المدعي العام لدى محكمة النقض، وقد تم تنفيذ نحو عشرين أمر اعتقال استهدفت مسؤولي الموانئ وموظفي الجمارك. وفي موازاة ذلك ، تم فتح تحقيق إداري داخلي.
وقالت نجم قبل استقالتها من الحكومة إنها ستحرص على “عدم تهرب أي شخص من مسؤولياته مهما كانت أهميتها”.
لكن لين معلوف، مديرة الأبحاث حول الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية، اعتبرت في حديثها للصحيفة الفرنسية:” إن مشاركة السلطات اللبنانية تقوض أي تحقيق في السياق الحالي، فمنذ انطلاق الحراك الاحتجاجيفي أكتوبر 2019 ، تم استخدام القضاء في القمع، لتتحول العدالة اللبنانية، في نظرالناس، مجردة أداة تحت تصرف الطبقة السياسية”. ولا ترى المنظمة الدولية أن مجرد وجود خبراءأجانب يمكن أن “يحقق ضمانة للوصول إلى حقيقة المأساة”.
من جانبه يشير، مدير مركز أبحاث “مبادرة الإصلاح العربي نديم خوري في السياق ذاته إلى أن ذلك يمكن أن “يساعد فنياً في تحديد أسباب الإنفجار، ولكن هناك جانب ثان، هو المسؤولية السياسية والمؤسساتية فهذه قصة إهمال عبثية، لا يستطيع القضاء اللبناني الحسمفيها ، حتى مع كل المساعدة الفنية من العالم”.
وأضاف خوري “من المستبعد في لبنان أن يبحثالمدعي العام في رسائل البريد الإلكتروني للرئيس ، أو أن يستدعي القادة السياسيين”. ويخلص إلى أن ” التحقيق اللبناني لن يتطرق إلى السؤال الذي يطرحه جميع اللبنانيين على أنفسهم: ما هو دور حزب الله في الميناء؟ وهل توجد اسلحة؟”
وطلبت منظمة هيومن رايتس ووتش، رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، الذي زار بيروت، أول أمس السبت، بالضغط على السلطات اللبنانية من أجل ”دعوة خبراء دوليين لإجراء تحقيق مستقل في الانفجار”.
وقالت المنظمة في بيان لها إن “تقاعس السلطات اللبنانية على مر السنين عن التحقيق في أفعالها، توضح أن التحقيق الدولي وحده هو الذي يمكن أن يفضي إلى الإجابات والعدالة التي يستحقها اللبنانيون ويطالبون بها.”
وعبر رئيس الجمهورية ميشال عون، في وقت سابق، عن رفضه لإجراء تحقيق دولي، وقال إن المطالبة به الهدف منها “تضييع الوقت”.