الدولة تعاند البنك الدولي وتصر على سد بسري

حجم الخط

ما ان اعلن البنك الدولي قراره إلغاء صرف 244 مليون دولار لمشروع سد بسري، حتى سارع المجتمع المدني و”الثوار” الى الاحتفال بتسديد “الضربة القاضية” للمشروع الذي “يشوه” البيئة اللبنانية. ولكن مهلا… يبدو ان فرحة هؤلاء لن تكتمل اذا ما بقيت وزارة الطاقة مستمرة على اصرارها السير بالمشروع وتجاهل الامر الواقع. فالمعطيات تشير الى ان الوزارة لا تبالي لوقف التمويل وتعمل على مسارات عدة للبحث عن بدائل ومنها اعادة اقناع البنك الدولي بالعدول عن قراره، وعلى قاعدة الإستمرار بتنفيذه… فـ”المشاريع الكبرى لا يمكن أن تتوقف أمام العقبات، وقرارات الحكومات المتعاقبة لن تكون حبرا على ورق”. فما الذي يجري ميدانيا؟ وما هو مصير المشروع؟.

اذا كان المعارضون للمشروع يجاهرون ويحتفلون بإلغائه، فإن المشهد يبدو مغايرا عند وزارة الطاقة، إذ يؤكد الدكتور خالد نخلة مستشار وزير الطاقة لـ”النهار” ان إلغاء جزء من التمويل لا يعني مطلقاً الغاء مشروع سد بسري برمته. فالقرض لبناء السد أقر بموجب قانون صادر عن المجلس النيابي عام 2015 بعد أن تمت دراسته من لجنة الخارجية والمغتربين ولجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه ولجنة البيئة وتمت الموافقة عليه باجماع أعضاء هذه اللجان، كذلك صدق في الجلسة العامة بالإجماع أيضا، ومحاضر جلسات مجلس النواب خير دليل على ذلك”.

امام هذا الواقع، فإن المشروع وفق ما يؤكد نخلة مستمر حتى وإن تعثر التمويل اليوم مرحليا خصوصا أن الاستملاكات البالغة قيمتها 160 مليون دولار دفعت كلها، وما تبقى لا يشكل الا جزءا ضئيلا، وهو عبارة عن بعض الأحكام الاستئنافية”، جازما بان “المشاريع الكبرى لا يمكن أن تتوقف أمام العقبات، وقرارات الحكومات المتعاقبة، وآخرها قرار الحكومة الحالية في نيسان الماضي الذي أكد أهمية المشروع، ليست حبرا على ورق”.

ريبة… وتساؤلات!

فيما يعتبر المؤيدون للمشروع ان لقرار البنك الدولي خلفيات سياسية، وليست تقنية ولا تتعلق بسير العمل في المشروع، ينطلق نخلة من معطيات عدة ليشرح الظروف التي تلت الموافقة على إنشاء سد بسري، فيقول “اذا أخذنا في الاعتبار حقيقة أن مشروع بناء سد وبحيرة بسري قد تم تلزيمه منذ أكثر من عام وقد وافق البنك الدولي على عملية التلزيم، وعلى أساس هذه الموافقة تسلم المتعهد التركي أمر المباشرة وبدء الاعمال. وتاليا تصبح عملية ربط تعليق والغاء القرض بأمور ادارية بحتة كدراسة التعويض الايكولوجي، ومذكرة التفاهم حيال تشغيل وصيانة المنشآت مثيرة للريبة وتؤدي الى طرح التساؤل المشروع: لماذا لم تعرقل هذه الأمور عملية التلزيم وإعطاء امر المباشرة للمتعهد؟، ولماذا لم ينتظر البنك الدولي يومها اتمام كل هذه الاجراءات قبل اعطاء الموافقة على إطلاق الأعمال الإنشائية؟. ويستند الى الرسائل المسربة عشية انتهاء مهلة التمديد وقبل اجتماع ادارة البنك في واشنطن للبت بطلب لبنان الحصول على تمديد جديد مستند على القانون 160 الذي أقر الشهر الماضي، والقاضي بتمديد كل المهل بسبب جائحة كورونا، ليؤكد ان ما جرى “ليس بريئا فيما الحجج السياسية المذكورة في هذه الرسائل المسربة غابت كليا عن الجواب الرسمي الذي تلقته الحكومة من البنك الدولي”.

امام هذه الوقائع، يصبح السؤال مشروعا عما اذا كانت الحكومة ستلجأ إلى التحكيم الدولي لمقاضاة البنك الدولي؟ يرى نخلة انه من المبكر الحديث عن هذا الموضوع، “فنحن في صدد درس جواب البنك الدولي بدقة، ونجري اجتماعات على أعلى المستويات مع مجلس الانماء والإعمار والسلطات المعنية للبحث في الخيارات المتاحة كافة على قاعدة الاستمرار في المشروع طالما لا وجود لحجج علمية مقنعة للتوقف عنه، وطالما أن البدائل المطروحة لا تعدو كونها تشكل بأحسن الأحوال مشاريع مكملة لسدي بسري والأولي وليست بديلة عنهما”.

ولكن الناشط البيئي بول راشد يجزم ان المشروع توقف، ولا يستغرب حال الانكار التي يعيشها المسؤولون عن المشروع في ظل الاحباط السياسي الذي سببه البنك الدولي بوقفه التمويل. أما لماذا تراجع البنك عن تمويله انشاء سد فيرده راشد الى ان الاخير تأكد من عدم جدوى المشروع وفساد السلطة السياسية وخصوصا مجلس الانماء والاعمار اضافة الى ما لمسه من معارضة للمشروع وتاليا لم يحبذ الدخول في هكذا متاهات”. كما يشير الى مسألة مهمة أخرى اخذها البنك الدولي في الاعتبار وهي ان “الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يحبذ تغيير الفريق السياسي الذي يتولى وزارة الطاقة، بما يعني الصعوبة في استكمال المشروع، خصوصا في ظل اقتناع الجميع بعدم الشروع في أذية الطبيعة”.

لا محمية طبيعية؟

ولكن كيف يمكن للبنان ان يعيد الاموال التي صرفها على المشروع؟ بما ان التوجه العام هو لجعل المنطقة محمية طبيعية، فإن الامر اصبح على سكة الحل وفق ابي راشد الذي يقترح استيفاء رسوم للداخلين الى المحمية او تأجيرها لإنشاء مراكز سياحية او لزوم الزراعة بما يوفر للدولة ايرادات يمكن ان تدفعهم للبنك.

ولكن استبدال السد بمحمية طبيعية أمر لا يبدو واردا عند وزارة الطاقة، بدليل ما يقوله نخلة عن “ان الوضع الاقتصادي والمالي الكارثي لا يسمح بتبذير 160 مليون دولار من القروض ذات الفوائد على استملاك أراضٍ وتخصيصها كمحميات طبيعية، “فالدول ذات الاحتياطات المالية الهائلة لم تلجأ يوماً الى هذا الاجراء، فكم بالحري لبنان. ناهيكم عن خطورة لجوء المتعهد الى التحكيم الدولي للمطالبة بالتعويضات عن فسخ العقد… وقال “لا تزال تجربة معمل دير عمار في ذاكرتنا”.

وفي انتظار انقشاع الضبابية عن البدائل المتاحة لتأمين المياه لبيروت الكبرى، يؤكد المعارضون للمشروع ان البدائل لسد بسري وفيرة ومنها المياه الجوفيّة واستثمارها غالبا ما يكون أوفر تكلفة وأقل ضررا على البيئة، مستندين الى دراسات عدة ومنها دراسة تقييم موارد المياه الجوفية الصادرة سنة 2014 عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي التي تشير الى أن معدل التغذية الطبيعية للمياه الجوفية في لبنان يصل إلى 53% من إجمالي المتساقطات. إلا ان نخلة اوضح ان “الحوار الذي اجرته وزارة الطاقة مع منظمات المجتمع كان واضحا وثابتا منذ البداية وهو ان طبيعة لبنان وكمية المياه المتوفرة تحتم علينا اعتماد كافة التقنيات وأشكال استثمار هذه المياه بدءا بالأقل كلفة كالينابيع الطبيعية والسدود وصولا الى الأكثر كلفة كتحلية المياه مرورا بالكلفة المتوسطة أي المياه الجوفية. اما مقولة أن نبع جعيتا يمكن أن يكفي حاجة بيروت اذا تمت صيانة خطوط الجر تبدو غير صحيحة برأي نخلة “لأن حجم المياه الناتجة عن النبع خصوصا في فصلي الصيف والخريف حيث الحاجة الماسة لها، هو قليل جدا ولا يكفي حاجة بيروت حتى ولو لم نخسر نقطة واحدة خلال عملية النقل الى محطة الضبية وبعدها”.

وبناء على ما تقدم، يقول نخلة “ان تطوير وتأهيل جعيتا مطلوب ومؤسسة بيروت وجبل لبنان تعمل عليه. سد بسري مطلوب، والأولي مطلوب، والآبار الجوفية مطلوبة حيث الحاجة وسد الدامور بعد سنة 2030 مطلوب وصولا الى تحلية المياه يوما ما، حين تصبح كل المياه التقليدية غير كافية”.

وأمام التخبط في مصير المشروع، ثمة تخوف من استغلال البعض لهذا الوضع عبر اقناع اصحاب العقارات المطالبة بإسترجاعها خصوصا مع انهيار سعر الليرة، إلا ان نخلة نفى الموضوع “لم نسمع ابداً بمطالبات لاصحاب الأراضي باسترداد عقاراتهم، ولكننا سمعنا بطلب بعض الجهات السياسية بتحويل المنطقة الى محمية طبيعية. مجددا تأكيده أن مالية الدولة لا تسمح بهذا الترف، مع الاشارة هنا أن السد والبحيرة والمناطق المحيطة ستكون حكما محمية طبيعية حين الانتهاء من الأعمال”. إلا انه عاد وقال “ان القانون اللبناني واضح في هذا المجال، وهو ينص على امكان استرداد العقارات المستملكة قبل الدولة اذا مرت فترة 10 سنوات دون ان تستعملها هذه الأخيرة للغاية التي استملكت من أجلها”.

واذا كان من المبكر الحديث عن اللجوء الى التحكيم الدولي، فهل هذا يعني ان ثمة مفاوضات مع البنك الدولي لحضه على التراجع عن قراره؟ حتى الآن لا جواب لدى وزارة الطاقة ولكن نخلة يستدرك بالقول “ما أصعب الحياة لولا فسحة المفاوضات”.

المصدر:
النهار

خبر عاجل