هي فترة زمنية صعبة على جميع الأصعدة. فانعكاسات الأزمات المتتالية على لبنان تلقي ظلالها باستمرار على كاهل المواطن اللبناني من دون كلل او ملل. في المقابل، يجد نفسه هذا الأخير يتخبط وحده وسط موجةٍ عاصفةٍ من المشاكل التي لا تهدأ من دون ان يكون مدعوماً من دولته التي توانت عن القيام بواجباتها تجاهه، إن لناحية التعليم والاستشفاء المجّانيَّين او تأمين ابسط مقومات الصمود له كالكهرباء والماء والطرقات المؤهلة للسير ومساعدته في تحركاته اليومية لمجابهة وباء كورونا الذي تفشى في المجتمع اللبناني بأسره وغيرها من المستلزمات اليومية لعيش حياةٍ كريمة.
عندما نقول عيش حياةٍ كريمة، فهذه المقولة بالنسبة للبناني لا تعني انه يطالب بالعيش في بلدٍ متقدمٍ على غرار الدول الأوروبية او الولايات المتحدة على سبيل المثال. لا، حاشا وكلا ان يصل طموحه الى هذا الحدّ، لا سيما انه يدرك جيداً ان ذلك سيكون من المستحيل طبعاً في ظلّ وجود الطبقة السياسية الفاسدة التي أوصلت البلاد الى هذا الدرك. ولكن ما يطلبه هو ان تتخذ دولته أبسط الاجراءات اللازمة للحؤول دون السير في البلاد نحو النموذج الفنزويلي او الصومالي او الأفغاني حيث مقومات الحياة في هذه البلدان معدومة ومنسوفة عن بكرة أبيها.
صحيح ان المستجدات المتعلقة بمسألة ترسيم الحدود البحرية التي تم وضع اطارها العام الأسبوع الماضي وتولى هذه المهمة رئيس مجلس النواب نبيه بري ومن ثمّ حوّل الملف الى رئاسة الجمهورية، وعلى أثر ذلك وكّل عون شخصية ذو خبرة قيمة في المفاوضات الدولية تولي عملية التفاوض وتشكيل أعضاء الوفد المفاوض، من شأنها ان تعطي بصيص أمل انّ حلحلةً ما قد تطفو على سطح التعقيدات المتشابكة على الساحة اللبنانية، لكن هذا الأمل يشوبه الكثير من الألغام التي قد تنفجر في أي لحظة عند تداخل مصالح الدول الكبرى المسيطرة على مسار الأمور في منطقة الشرق الأوسط وهي أميركا، ايران، تركيا، روسيا واسرائيل. وعندها سيزول اي احتمال لتحسن الوضع الاقتصادي الذي قد يتعافى بعد سنوات على وقع توقيع اتفاقية الترسيم والتي قد تفتح الباب امام تسهيل اجراءات التنقيب عن النفط والغاز الموجودين بوفرة، بحسب تقدير الخبراء في البلوك رقم 9 الواقع في المنطقة المتنازع عليها بحرياً مع اسرائيل.
من المؤسف ان يصل بنا الحال في لبنان الى هذا المستوى من التراجع. لم يمرّ ببالنا قي السابق انه من الممكن ان ننحدر بقوة الى هذه الحفرة العميقة ونستقر فيها لفترة زمنية من المتوقع ان تطول لسنوات. كم هو صعب ان تعيش في حالة مماثلة من دون امكانية لأفقٍ جديد يلوح منه امل الانقاذ.
شعور يخالج معظم قلوب اللبنانيين ممزوج بالقلق من الغد وما سيحمله لهم من مفاجآت غير سارة، وما يزيد الطينة بلة بالنسبة لهم انه تمّ وضع اليد على مدخراتهم من قبل المصارف اللبنانية، وهم منذ سنةٍ غير قادرين على الوصول اليها. وبالتالي، سيكون ممنوع عليهم استعمالها في حال طرق العوز بابهم في الأيام الصعبة المتوقع حدوثها لا سيما عند رفع الدعم عن المحروقات والقمح والدواء.
اللبنانيون مرعبون من هذه اللحظة لأنهم مدركون انهم جُردوا من سلاحهم المادي الذي يقيهم شرّ الظروف الصعبة عند حدوثها، ولن يكون لهم لا حول ولا قوة في مجابتها في ظل الغياب التام عن السمع لدولتهم.
كيف لمواطنٍ عادي يتقاضى راتباً لا يتخطى المليوني ليرة في أحسن الأحوال، ان يدفع سعر صفيحة البنزين 80 الف ليرة لبنانية وربطة الخبز 10 آلاف ليرة؟ ناهيك طبعاً عن الارتفاع غير المسبوق الذي سيلحق بسعر صرف الليرة مقابل الدولار، إذ سيزيد حتماً ارتفاع الطلب على شراء الدولار في السوق السوداء عند قيام مصرف لبنان برفع الدعم بسبب نفاده من احتياطه من العملة الخضراء. ومن المتوقع ان يحدث ذلك نهاية هذا الشهر، إذ تشير المعلومات ان احتياطي العملات الأجنبية الذي لا يزال متوفراً حتى الآن هو مليار دولار فقط لا غير، وهذا ليس كفيلاً بتسديد المصرف المركزي احتياجات الدعم على المحروقات والقمح والدواء لأكثر من شهر واحدٍ فقط.
اذاً، ها نحن من جديد نقفز في المجهول بعدما تأملنا خيرا بالمبادرة الفرنسية التي كان من المتوقع ان تقينا في حال طبقت كما اتفق عليها من اجتراع هذه الكأس المرة المفروضة علينا في الأيام المقبلة. نحن لا نزال غير مدركين مدى قساوة هذا المجهول الذي تمّ رمينا به، وما علينا الاّ ترقب الأيام المقبلة وما ستحمله معها من أحداث لكي نعي أين نحن واقفون وسط هذه العاصفة التي لا تزال تتخبط بنا يميناً وشمالاً من دون ان ترمي بنا حتى الآن إلى برّ الأمان.